خطبة بعنوان “صناعة العقول وأثرها في بناء الإنسان” للشيخ عادل التونى

موضوع خطبة الجمعة القادمة :

الجمعة 12 من جمــادى الآخر 1446هـ

الموافق 13 من ديسمـــــــبـر 2024م

تحت عنوان: “صناعة العقول وأثرها في بناء الإنسان”

عناصر الخطبة :

١- نعمة العقل ووجوب الحفاظ عليها .

٢- الحث علي إعمال العقل في التدبر والتفكر .

٣- تحريم الإسلام للمسكرات وكل ما يضر بالعقل .

٤- حدود العقل ووجوب تسليمه للشرع .

“””””””””””””””””””””””””

الخطبة الأولى :

الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَواتِ، أَحَلَّ لِعِبَادِهِ الطَّيِّبَات، وحَرَّمَ عليهم الخبائِثَ والمنكرات وحذَّرَهُم مِنَ المسكراتِ والموبِقَات، أحْمَدُهُ سبحانَهُ تَفَضَّلَ عَلى بني آدمَ بالعقلِ دونَ سائرِ المخلوقاتِ، لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ.وَأَشْهَدُ ألّا إِلَهَ إِلّا اللهُ، وحدهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنّ محمدًا عبدهُ ورسولُه، صَلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وصحبِهِ وسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا،

أمّا بعدُ:

(١)- يقول الله -جل وعلا-: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)[الإسراء:70]

من تكريم الله تعالى للإنسان أن وهبه نعما لا تُعد ولا تحصى، يقول -سبحانه وتعالى-: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)[إبراهيم:34]، ومن هذه النعم التي امتنَّ اللهُ عزّ وجلّ بِهَا عليه نعمةُ العقلٍِ، وهو مَنَاطُ التكليفِ، ومَحِلُّ الخطابِ والتَّشْرِيفِ، بِهِ تُدْرَكُ المصالِح، وتُدْرَأُ المفاسدُ، وهو إِحْدَى الضروراتِ الخمسِ التي جاءتْ الشريعةُ بحفظِهَا، وتحريمِ الاعتداءِ عليهَا.

يقولُ شيخُ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: “العقلُ هو أكبرُ المعاني، وأعظمُ الحواسِّ نفعًا، وبه يُدخَلُ في التَّكليف، وهو شرطٌ في صحَّة التصرُّفات، وأداء العبادات”.

روى أبو داود والنسائي بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” رفع القلم عن ثلاثة، عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتي يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق ” .

يقول الإمام القُرطبيُّ -رحمه الله-: “والصحيحُ الذي يُعوَّلُ عليه: أن التفضيلَ إنما كان بالعقلِ الذي هو عُمدةُ التكليف، وبه يُعرَفُ الله، ويُفهَمُ كلامُه، ويُوصَلُ إلى نعيمه وتصديقِ رُسُله، إلا أنه لمَّا لم ينهَض بكلِّ المُراد من العبدِ بُعِثَت الرُّسُل، وأُنزِلَت الكُتب”.

وقيل: “ما أُعطِيَ أحدٌ شيئًا أفضلَ من عقلٍ يهدِيه إلى هُدى، ويصدُّه عن ردَى”.

وأفضلُ قَسم الله للمرءِ عقلُه ***

فليس من الخيراتِ شيءٌ يُقارِبُه

إذا أكملَ الرحمنُ للمرءِ عقلَه ***

فقـد كمُلَت أخلاقُه ومآرِبُه

***

(٢)- ومما يدل على أهمية العقل أيضًا: أن الله تعالى جعله طريقًا إلى تدبر آياته، والتفكر فيما أودع في خلقه من بديع مصنوعاته، وجعله كذلك وسيلةً إلى الاعتبار بما جرى من العاقبة الحسنة لأهل طاعته، ومن العاقبة السيئة لأهل معصيته. قال الله تعالى: ﴿ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد:24]، وقال تعالي : ﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الزمر:42]، وقال تعالي: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [يوسف:111]، وقال تعالي : ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [الحج:46].

وقد عاتب الله تعالى المشركين الذين ألغوا عقولهم، وحجبوا تفكيرهم، فصاروا أُسراء لتقليد آبائهم المشركين، حتى منعهم ذلك من اتباع الحق، قال تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ ﴾ [البقرة:170].

إن الإنسان إذا استعمل عقله استعمالاً صحيحًا قاده إلى معرفة خالقه والعمل بشرائعه، والسير على طريق مرضاته، واستفاد من آيات الله تعالى المسطورة كثرةَ تلاوةٍ وتدبراً وعملاً، ومن آيات الله المنشورة في هذا الكون نظراً وتفكراً واهتداء، وانتفع من مواضع العبرة انكفافًا عن أسباب الهلاك، وإقبالاً على سبل النجاة.

قال الله تعالي : ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة164].

ومن استعمل عقله استعمالاً صحيحًا ظهر على أقواله وأفعاله الصوابُ والاستقامة، وصار من أهل الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة، وغدا محبوبًا عند أهل السماء وعند أهل الأرض ، وأصبح لديه نور يسلك بضيائه إلى منافع دنياه ومصالح عيشه من أسهل الطرق وأسلمها، وأضحى منشغلاً بأسباب نجاته غير منشغل بما يعني الناس ولا يعنيه ، وإذا زاد عقله في الإشراق والاتساع أصبح ينظم حياته الدينية والدنيوية، فيسير على خطط واقعية مرسومة بعيدة عن الفوضى والعشوائية، مستفيداً من أخطاء الماضي؛ لئلا يعود إليها في المستقبل، متعظًا بمواعظ الأيام ومرور الزمان ومن تجارب الآخرين وعقولهم.

فالعقل منظم الحياة ومديرها، فإذا تشبع بمعارف صحيحة وإضاءات سليمة كانت مخرجاته صائبة مفيدة.

***

(٣)- وقَدْ حرَّمَت الشريعةُ الإسلاميةُ كلَّ مَا يَضُرُّ بالعقلِ، ومن ذلكَ تحريم الخمور والمخدِّرات والمفسدات العقلية الحسية وما قام مقامها من المسكرات. فقد جاءت النصوص في القرآن والسنة بتحريم الخمر ويقاس عليه ما ماثله في الإسكار أو زاد عليه، قالَ الله تعالَى:{ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (الأعراف: 157) ،

و قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ﴾ [المائدة90-91].

والمخدرات التي ظهرت في هذا الزمان قد أجمع العلماء على إلحاقها بالخمر لاستواء العلة الجامعة؛ بل هي أشدُّ خطراً من الخمور باتفاق الأطباء والعقلاء، بل وعامة الناس، ويستدل على إلحاقها بالخمر ما جاء عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال، قال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “كل مُسكر خمر، وكل مُسكر حرام”.)[أخرجه البخاري ].

وعن أبي مالك الأشعري -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: “ليشربَنَّ ناسٌ من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها”.

وعن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: “نهى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- عن كل مُسكر ومُفتِّر”(رواه أبو داود).

والمفتِّر هو ما يجعل الأعضاء تتخدر وترتخي، وهذه العلة موجودة في المخدرات، وموجودة في المنشطات بعد زوال مفعولها،

وآفة السكر هي أم الخبائث، ومفتاح كل شر، وبوابة الهلاك؛ فكم حصل بسببها من سفك للدماء المعصومة، وإتلاف للأموال الخاصة والعامة، وانتهاك للأعراض المصونة حتى على المحارم، وكم قضت على طاقات نافعة وعقول ناضجة، وأشقَتْ من أسر سعيدة، وكم أذلت من عزيز، وأفقرت من غني، وأهانت من كريم، وصغرت من عظيم، وأمرضت من صحيح، وفرقت بين الأقارب والأحبة والأصدقاء.

أخرج النسائي وابن حبان في صحيحه، أن عثمان رضي الله عنه قام خطيبا فقال: ” أيها الناس، اتقوا الخمر؛ فإنها أمُّ الخبائث، وإن رجلا ممن كان قبلكم من العباد، كان يختلف إلى المسجد، فلقيته امرأةُ سُوء، فأمرت جاريتها فأدخلته المنزل. فأغلقت الباب، وعندها باطيةٌ من خمر، وعندها صبي، فقالت له: لا تفارقني حتى تشرب كأسا من هذا الخمر، أو تواقعني، أو تقتل الصبي، وإلا صِحتُ، تعني: صرخت، وقلت: دخل علي في بيتي، فمن الذي يصدِّقك؟ فضعف الرجلُ عند ذلك وقال: أما الفاحشة فلا آتيها، وأما النفس فلا أقتلها، فشرب كأسا من الخمر. فقال: زيديني. فزادته، فوالله ما برح، حتى واقع المرأة وقتل الصبي”.

وغير خافٍ على كل ذي عقل أن المسكرات إهلاك للفرد والمجتمع في مجالات شتى: إهلاك ديني، وإهلاك أخلاقي، وإهلاك اقتصادي، وإهلاك صحي ونفسي.

لذا أمر الله تعالي باجتنابها فقال تعالي: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة90 ﴾

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

**********************

الخطبة الثانية :

الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

أما بعد أيها المؤمنون :

(٤)- مع تكريم دين الإسلام للعقل واهتمامه به وصيانته له؛ إلا أنه حَدَّ للعقل حدودًا، هي كل ما يستطيع أن يستوعبه ويفهمه حسب قدرته،

لذا منع الإسلام العقل من الخوض في أربعة أمور: التفكير في ذات الله، والتفكير في القدَر، والتشريع من دون الله، ومحاولة معرفة حقائق الغيب.فهذه الأمور الأربعة ضلال العقل فيها متحتم لو دخلها، ولهذا جاء النهي عن الخوضُ فيها.

قال رسول الله- عليه الصلاة والسلام-: “لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: خَلَقَ الله الخَلْق فمن خَلَقَ الله؟ فمن وجد من ذلك شيئًا؛ فليقل: “آمنت بالله”(رواه مسلم).

وقال الله تعالى-: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي)[الإسراء:85]؛ صـرف الجواب عن ماهيتها؛ حتى لا يتيه العقل فيما ليس يدركه، وليس من طاقته، وهذا لا شك تكريم وأي تكريم لعقل الإنسان، ولذا كان الصحابة -رضي الله عنهم- لا يخوضون فيما لا يستطيعون دركه ومعرفته؛ فهذا عمر -رضي الله عنه- يقرأ على المنبر (وَفَاكِهَةً وَأَبًّا)[عبس:31]؛ فقال: “هذه الفاكهة قد عرفناها؛ فما الأبُّ؟”، قال: “الأبُّ هو المرعى وكل ما أنبتت الأرض مما تأكله البهائم كالكلأ والعشب”(صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ)، ثم رجع إلى نفسه فقال: “إن هذا لهو التكلف يا عمر”.

فبعض الناس قد يؤتيه الله عقلاً، وتكون عقليته نادرة، فيصاب بالغرور من هذا الباب فيخرج من الدين -والعياذ بالله- وهو لا يشعر لأنه لا يُسلم عقله للشرع والدين والعلم.

ومن أجمل ما قيل في ذلك هذه المحاورة بين العقل والعلم :

علم العليم وعقل العاقل اختصما **

من ذا الذي منهما قد أحرز الشرفا

فالعلم قال: أنا أدركت غايته **

والعقل قال أنا الرحمن بي عُرفا

فأفصح العلم إفصاحاً وقال له: **

بأينا الله في قرآنه اتصفا؟

فبان للعقل أن العلم سيده **

فقبَّل العقلُ رأسَ العلم وانصرفا

أيها المسلمون: مهما ابتكر عقل الإنسان من اختراعات وحل من مشكلات معقدة وكبيرة؛ إلا أنه قاصر وله حدود يجب أن يتوقف عندها؛ فقد لا يستطيع أن يفسر الكثير من الغيبيات التي اختص الله بها نفسه، وقد لا يستطيع أن يعرف من علل الأحكام والتشريعات إلا القليل، ولأن هذا القصور يصاحب العقل؛ فلم يتركه المولى -سبحانه وتعالى- يتخبط دون هداية؛ فأرسل لأجل ذلك الرسل، وأنزل الكتب.

والعقل مطالب بالتسليم للنص الشرعي الصريح ولو لم يفهمه، أو يدرك الحكمة التي فيه؛ لأن الشارع نص على كل ما يعصم من المهالك نصا قاطعا للعذر؛ فلا حجة لأحد بعد بيانه؛ كما ذكر ابن تيمية -رحمه الله- مستدلا على ذلك بآيات كثيرة، منها: قوله -عز وجل-: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[التوبة:115]، وقوله: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا)[المائدة:3].

عباد الله :- علينا أن نشكر الله تعالى على نعمة العقل، ونستعملها في الفضائل وطمس معالم الرذائل، ونحفظها من جميع المفسدات الحسية والمعنوية، ونحصنها بالوعي التام والثقافة النظيفة، والمراقبة الكاملة لخالقها وواهبها سبحانه وتعالى.

جنبنا الله وإياكم الفتن ما ظهر منها و ما بطن ، وهدانا وإياكم إلي صراطه المستقيم .

هذا؛ وصلُّوا وسلِّموا -رحمكم الله- على إمام المرسلين وخيرِ الأُوَلين والآخرين، كما أمرَكم المولَى -عزّ وجل-،. فقال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]،

وقال -صلى الله عليه وسلم-: “من صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى الله عليه بها عشرًا”. أخرجه مُسلمٌ من حديث عبد الله بن عمرو بن العاصِ -رضي الله عنهما-.

اللهم صلِّ وسلم، وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد، صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر صحابة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وكرمك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واخذل الشرك والمشركين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين .

اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونفِّسْ كربَ المكروبين، واقضِ الدَّيْنَ عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين .

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين.

اللهم آتِ نفوسَنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها، أنتَ وليها ومولاها.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، سبحان ربنا رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

تعليق واحد

  1. تقبل الله منكم وجزاكم خيرا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.