الجمعة 13 من جمــادى الأول 1446هـ
الموافق 15 من نوفمـــــــبـر 2024م
جمع وإعداد الشيخ / عادل عبدالكريم توني إبراهيم
إمام وخطيب ومدرس بوزارة الأوقاف
عناصر الخطبة :
١- خطورة أكل الحرام و عقوبته .
٢- حرمة المال العام .
٣- من صور الإعتداء على المال العام .
٤- عفة وورع السلف عن المال العام .
“”””””””””””””””””””””””””””””””””
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد أيها المسلمون :
(١) * يقول الله تعالى :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا (31)النساء )
وروي البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال -: “ليأتينَّ على الناس زمانٌ لا يُبالِي المرءُ بما أخذَ المالَ أمِنَ الحلال أم من الحرام”.
أرشدنا الشرع الحنيف إلي خطورة أكل المال الحرام ، بأي طريقة وأي وسيلة كانت ، فالمال الحرام سبب لمنع إجابة الدعاء ، وإغلاق باب السماء ، المال الحرام طريق مستعر ، محفوف بالخطر ، وسلم هار ، ينهار بصاحبه إلى النار ،روى الإمام مسلم في صحيحه : عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا ،وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ : ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) ، وَقَالَ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ) ، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ ، يَا رَبِّ ، يَا رَبِّ ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ ”
و عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ” لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ ، أي : من حرام ” [ أخرجه الترمذي وغيره ]
إنّ المالَ الحرامَ مِن جميع طرُقه شؤمٌ على صاحبه، وضَرَر على جامعه، إن أكلَ الحرامِ من الكبائر التي لا تكفّرها الصلوات ولا صوم رمضان ولا العمرة، بل تحتاج إلى توبة خاصة، وإذا مات متعاطي الحرامِ وتركه خلفه كان زادًا له إلى النار، ولم ينفعه التصدّق به.
روى أحمد عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله: (لا يكسِبُ عبدٌ مالَ حرامٍ, فيتصدقُ منه فيُقبلَ منه، ولا يُنفقُ منه فيُباركَ له فيه، ولا يتركه خلفَ ظهره إلا كان زادَه إلى النار. إن الله لا يمحو السيئَ بالسيئِ، ولكن يمحو السيئَ بالحسنِ، إن الخبيثَ لا يمحو الخبيثَ).
(٢) * عباد الله: إن مما تساهلَ الناسُ فيه – التعدي على المال العام ، فالإسلام جعل حرمة المال العام أشد حرمة من المال الخاص، وعني عنايةً عظيمة بالمحافظة على الأموال العامة، وأمَرَ بصيانتها، وحرَّم التعدي عليها، ولو كان شيئاً يسيراً، والأدلة على حرمة المال العام وخطورة التعدي عليه كثيرة ، ومنها:
ما روته خولة الأنصارية أنها سمعت النبي -صلى الله عليه وسلـم- يقول: “إن رجالًا يتخوضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة”(البخاري)، يقول ابن حجر: “أي: يتصرفون في مال المسلمين بالباطل”(فتح الباري لابن حجر).
وجاء في صحيح الإمام مسلم من حديث عدي بن عَميرةالكندي -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول -: “من استعملناه منكم على عمل، فكتمنا مخيطاً فما فوقه كان غلولاً يأتي به يوم القيامة”، أتدرون ما هو المخيط؟ إنه الإبرة، فالغلول كل مال أُخذ من المال العام من غير حق،
وعن أبي هريرة أنه قال: افتتحنا خيبر، ولم نغنم ذهبًا ولا فضة، إنما غنمنا البقر والإبل والمتاع والحوائط، ثم انصرفنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلـم- إلى وادي القرى، ومعه عبد له يقال له مدعم، أهداه له أحد بني الضباب، فبينما هو يحط رحل رسول الله -صلى الله عليه وسلـم- إذ جاءه سهم عائر، حتى أصاب ذلك العبد، فقال الناس: هنيئًا له الشهادة! فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلـم-: “بل، والذي نفسي بيده، إن الشملة التي أصابها يوم خيبر من المغانم، لم تصبها المقاسم، لتشتعل عليه نارًا”، فجاء رجل حين سمع ذلك من النبي -صلى الله عليه وسلـم- بشراك أو بشراكين، فقال: هذا شيء كنت أصبته، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلـم-: “شراك -أو شراكان- من نار”(متفق عليه)،
وروى عُبادة بن الصامت -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “أدُّوا الخيطَ والمِخيَط، وأكبرَ من ذلك وأصغر، ولا تغُلُّوا؛ فإن الغُلُول نارٌ وعارٌ على أصحابِه في الدنيا والآخرة”. رواه الإمام أحمد.
لذلك كان النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – كثيرًا ما يَعِظُ أصحابَه، مبيِّنًا لهم خُطورة الغُلُول والسرقة من الغنيمة، والتي تُعَدُّ بمثابة المال العام الذي يَنبغي أن يُحفَظَ من قِبَل أفراده،
(٣) * لقد فَشَتْ في دنيا الناس صُوَرٌ كثيرة في تَعَدِّيهم على المال العام، والقليل منهم الذي يَنتبه لهذه الصور، ومنها: – سرقة المرافق العامة بحجَّة أن الدولة لا تُعطي المواطن حقَّه كاملاً. – استعمال أدوات العمل أثناء العمل لأغراض شخصيَّة غير خاصَّة بالعمل. – عدم إتقان العمل، وإضاعة الوقت، والتربُّح من الوظيفة، واستغلال المال العام لأغراضٍ سياسيَّة. – المجاملة في ترسِيَة العَطَاءات والمناقصات – عمْدًا – على شخصٍ بعينه، ويوجَد مِن بين المتقدِّمين مَن هو أفضلُ منه. – الحصول على عمولة من المشتري أو من المورِّد أو مَن في حُكْمهم؛ نَظِير تسهيل بعض الأمور دون عِلْم المالك، وتُعَدُّ من قبيل الرِّشوة المحرَّمة – الاعتداء على الممتلكات العامَّة – كالحدائق والمستشفيات والمدارس ووسائل المواصلات – استخدام الممتلكات الخاصة بالعمل استخدامًا شخصيًّا؛ مثل: الكمبيوتر وأدوات الكتابة، دون استئذانِ الجهة المالكة – ، وكذا التصرُّف في المال الموقوف للمسجد، واستعماله في أغراض شخصيَّة. – سرقة الأدوية والتلاعُب بها، – الهروب والتخفِّي من مُحَصِّل سيارات هيئَة النقْل العام والقطارات،
– فمِنْ صُورِ أَكْلِ الْمَالِ الْعَامِّ بِالْحَرَامِ: الْاِخْتِلَاسُ والسرقة مِنْ هَذِهِ الْمُمْتَلَكَاتِ الْعَامَّةِ، وَالْاِسْتِفَادَةُ مِنْهَا دُونَ وَجْهِ حَقٍّ،
يقول الله تعالى في محكم آياته : ﴿ وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 161].
وروى البخاري عن أبي هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ قَامَ فِينَا النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – فَذَكَرَ الْغُلُولَ فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ قَالَ « لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ يَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَغِثْنِي . فَأَقُولُ لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا ، قَدْ أَبْلَغْتُكَ . وَعَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ ، يَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي . فَأَقُولُ لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا ، قَدْ أَبْلَغْتُكَ . وَعَلَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ ، فَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي . فَأَقُولُ لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا ، قَدْ أَبْلَغْتُكَ . أَوْ عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ ، فَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي . فَأَقُولُ لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا ، قَدْ أَبْلَغْتُكَ »
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقْنَاهُ رِزْقًا فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ»؛ صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ.
وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: فُلَانٌ شَهِيدٌ، وَفُلَانٌ شَهِيدٌ، حَتَّى مَرُّوا عَلَى رَجُلٍ، فَقَالُوا: فُلَانٌ شَهِيدٌ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «كَلَّا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا، أَوْ عَبَاءَةٍ غَلَّهَا»،
– ومن صورالتعدي على المال العام أخذ الرشوة واستغلال المناصب في المصالح الشخصية..
عن أبي حُميدٍ الساعديِّ -رضي الله عنه- قال: استعملَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- رجُلاً من الأسْدِ يُقالُ له ابنُ اللُّتبيَّة على الصدقة، فلما قدِمَ قال: هذا مالُكم وهذا لي أُهدِيَ إليَّ. فقام رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- على المِنبَر، فحمِدَ الله وأثنَى عليه وقال: “ما بالُ عاملٍ أبعثُه فيقول: هذا لكم وهذا أُهدِيَ إليَّ؟! أفلا قعدَ في بيتِ أبيهِ أو في بيتِ أمِّه حتى ينظُرَ أيُهدَى إليه أم لا؟! والله لا يأخُذ أحدٌ منكم شيئًا بغير حقِّه إلا لقِيَ اللهَ يحمِلُه يوم القيامة على عُنقِه، بعيرٌ له رُغاء، أو بقرةٌ لها خُوار، أو شاةٌ تَيْعَر”. ثم رفعَ يدَه حتى رأينا بياضَ إبِطَيْه يقول: “اللهم بلَّغتُ”. رواه البخاري ومسلم.
وفي سنن أبي داود عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “من شفَعَ لأخيه بشفاعةٍ فأهدَى له هديَّةً عليها فقبِلَها فقد أتَى بابًا عظيمًا من أبواب الرِّبا”.
وحسبُكم منها تخويفًا وتهديدًا، وتهويلاً لجُرمها ووعيدًا: ما رواه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: “لعنَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- الرَّاشِيَ والمُرتَشي”. أخرجه الترمذي وصحَّحه. وزاد ابن حبان والحاكم بسندٍ صحيحٍ: “والرَّائِش”. وهو الذي يسعى بينهما .
قال الخطَّابيُّ -رحمه الله-: “في هذا بيانٌ أن هدايا العُمَّال سُحتٌ، وأنه ليس سبيلُها سبيلَ سائر الهدايا المُباحة، وإنما يُهدَى إليه للمُحاباة، وليُخفِّف عن المُهدِي، ويُسوِّغَ له بعضَ الواجِبِ عليه. وهو خيانةٌ وبخسٌ للحقِّ الواجبِ عليه استيفاؤُه لأهلِه”. اهـ.
وقد انتشر في مجتمعنا التعامل بالرشوة حتي لا تكاد تستطيع أن تحصل علي حق لك ،أو تقضي مصلحة مشروعة لك إلا بالرشوة ، وهذا من قبيل التعدي علي المال العام واستغلال المناصب والوصالح العامة لأغراض شخصية، رِشوةٌ في الوظائف والترقِيات، ورِشوةٌ في المُؤهِّلات والشهادات، ورِشوةٌ في المُعاملات والمُقاولات والمُناقَصات، والإخلال بالعقود والمُواصَفات، نسأل الله العفو والعافية.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
***********************
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد- إخوة الإيمان :
(٤) * إن الناظر إلى سيرة السلف الصالح ، من الصحابة الكرام ومن تبعهم، يرى عجبًا من تعففهم وتنزههم عن المال العام وتورعهم أن يصيبهم شيء منه، وهذه مجرد نماذج وأمثلة قليلة:
وخير أسوة هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يجد تمرة في زاوية البيت ساقطة على فراشه فيرفعها ليأكلها ثم يخاف أن تكون صدقة فيلقيها. روى البخاري -رحمه الله- عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ” إني لأنقلب إلى أهلي فأجد التمرة ساقطة على فراشي فأرفعها لآكلها، ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها
و في الصحيحين من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- مر النبي -صلى الله عليه وسلم- بتمرة في الطريق، فقال -صلى الله عليه وسلم-: “لولا أن تكون من الصدقة لأكلتها”، والصدقة محرمة على محمد وعلى آل محمد -صلى الله عليه وآله-، فاحتاط -صلى الله عليه وسلم- في هذه التمرة أن تكون من الصدقة، فلم يأكل منها شيئًا، وتجنّبها .
وهذا أبو بكر الصديق: رضي الله عنه ،يروي الحسن بن علي فيقول: لما احتضر أبو بكر قال: “يا عائشة انظري اللقحة التي كنا نشرب من لبنها، والجفنة التي كنا نصطبح فيها، والقطيفة التي كنا نلبسها، فإنا كنا ننتفع بذلك حين كنا في أمر المسلمين، فإذا مت فاردديه إلى عمر”، فلما مات أبو بكر أرسلت به إلى عمر، فقال عمر: “رضي الله عنك يا أبا بكر لقد أتعبت من جاء بعدك”(الطبراني في الكبير).
وهذا عمر بن الخطاب: يحكي عبد الرحمن بن نجيح فيقول: نزلت على عمر بن الخطاب فكانت له ناقة يحلبها، فانطلق غلامه ذات يوم فسقاه لبنًا أنكره، فقال: ويحك! من أين هذا اللبن لك؟ قال: يا أمير المؤمنين إن الناقة انفلت عليها ولدها فشربها، فخليت لك ناقة من مال الله، فقال: ويحك تسقيني نارًا! (موسوعة الأخلاق والزهد والرقائق لياسر عبد الرحمن).
بل حرَّم على أهله أقل من ذلك، فعن عبد الله بن عمر قال: اشتريت إبلًا وأنجعتها إلى الحمى، فلما سمنت قدمت بها، قال: فدخل عمر بن الخطاب السوق فرأى إبلًا سمانًا فقال: “لمن هذه الإبل؟”، قيل: لعبد الله بن عمر، قال: فجعل يقول: “يا عبد الله بن عمر بخ بخ ابن أمير المؤمنين!”، قال: فجئته أسعى فقلت: ما لك يا أمير المؤمنين؟ قال: “ما هذه الإبل؟” قال: قلت: إبل أنضاء اشتريتها وبعثت بها إلى الحمى أبتغي ما يبتغي المسلمون، قال: فقال: “ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين! اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين! يا عبد الله بن عمر اغد على رأس مالك واجعل باقيه في بيت مال المسلمين”(البيهقي في السنن الكبرى).
وعن قتادة قال: “كان معيقب على بيت مال عمر، فكسح بيت المال يومًا فوجد فيه درهمًا، فدفعه الى ابن لعمر، قال معيقيب: ثم انصرفت إلى بيتي فإذا رسول عمر قد جاءني يدعوني، فإذا الدرهم في يده، فقال: “ويحك يا معيقيب! أوجدت علي في نفسك شيئًا، أو مالي ولك؟!”، قلت: وما ذاك؟ قال: “أردت أن خاصمتني أمة محمد -صلى الله عليه وسلـم- في هذا الدرهم يوم القيامة؟!”(مسند الفاروق، لابن كثير).
هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى خَيْرِ الْبَرِيَّةِ، وَأَزْكَى الْبَشَرِيَّةِ، كَمَا أَمَرَكُمْ اللَّهُ بِذَلِكَ -الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ- فَقَالَ عَزَّ وجل : ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الْأَحْزَابِ:56].
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم أغننا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك يا واسع الفضل والإحسان يا أكرم الأكرمين.
اللهم ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا، ونسألك اللهم الغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، والفوز بالجنة والنجاة من النار، اللهم امين يارب العالمين.
اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، واحمِ حوزَةَ الدين، واجعَل هذا البلدَ آمنًا مُطمئنًّا وسائرَ بلادِ المُسلمين.
اللهم يا حيُّ يا قيُّوم برحمتِك نستَغيث، أصلِح لنا شأنَنا كلَّه، ولا تكِلنا إلى أنفسنا طرفةَ عين.
اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المُسلمين، ونفِّس كربَ المكرُوبِين، واقضِ الدَّيْنَ عن المَدينين، واشفِ مرضانا ومرضَى المُسلمين.
اللهم اجعل جمعنا هذا جمعًا مباركًا مرحومًا، وتفرَّقنا من بعده تفرقًا معصومًا، ربنا لا تدَع لنا ذنبًا إلا غفرته، ولا همًّا إلا فرَّجته، ولا مريضًا إلا شفيته، ولا ميتًا إلا رحمته، ولا طالبًا أمرًا من أمور الخير إلا سهَّلته له ويسرته.
اللهم تقبَّل توبتنا واغسِل حوبتنا، وأجِب دعوتنا، وثبِّت حجتنا، واهدِ قلوبنا، وسدِّد ألسنتنا، واسلُل سخيمةَ قلوبنا.
اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والسلامة من كل إثم، والغنيمة من كل بر، والفوز بالجنة والنجاة من النار، يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث.
اللهم أصلِح أحوالَ المسلمين في كلِّ مكان،
برحمتك يا أرحم الراحمين .
﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201].
سبحان ربِّنا رب العزَّة عما يصِفون، وسلامٌ على المرسلين، وآخرُ دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
جزاكم الله خيرا وتقبل منكم ونفع بكم
جزاكم الله خيرا ورفع قدركم