يخطئ كثير من الناس في فهمهم لحقيقة المولد النبوي في الثاني عشرَ من شهرِ ربيعٍ الأولِ الذي ندعو إليه ونشجع عليه فيتصورون تصورات فاسدة يبنون عليها مسائل طويلة ومناقشات عريضة يضيعون بها أوقاتهم وأوقات القراء وهي كلها هباء لأنها مبنية على تصورات كما قلنا فاسدة
وفى الحقيقة أن الإحتفال بالمولد النبوى جائز شرعًا وهناك الكثير من الأسباب الدالة على ذلك نذكر منها :
قال تعالى : ( وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين )
والاحتفال بالموالد إحياء لذكرى مولد هذا النبى أو الولى وهو نفع لمن ذكرهم أو تذكرهم فالموالد من التسنن الحسن فهى تزيد من رابطة الولاء والمحبة كما تجمع الناس فى مكان واحد ليتعارفوا ويتألفوا .
إن المولد أمر يستحسنه العلماء والمسلمون في جميع البلاد ، وجرى به العمل في كل مكان فهو مطلوب شرعاً للقاعدة المأخوذة من حديث ابن مسعود الموقوف : ( ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن ومارآه المسلمون قبيحاً فهو عند الله قبيح ) ([1])
فالمولد اجتماع ذكر وصدقه ومدح وتعظيم للجناب النبوي فهو سنة ، وهذه أمور مطلوبة شرعاً وممدوحة ، وجاءت الآثار الصحيحة بها وبالحث عليها .
وقد ورد أن النبى صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه يوم بعثته فهذا منه صلى الله عليه وسلم إحياء بذكراه الكريمة والفرح بها وقد ثبت فى الصحيح أن جدهصلى الله عليه وسلمعق عنه بكبش يوم ولادته ([2]) والعقيقة على الحقيقة لا تعاد فاستفيد من هذه الإعادة الإرشاد إلى تجديد الذكرى الصالحة وتقدير الفرح بنعم الله ولا شئ أكبر نعمة من مولد نبى أو صالح .
وقد استنتج الفضلاء أصلاً لسنية الموالد من الأضحية لإظهار الشكر لله لنجاة سيدنا إسماعيل عليه السلام من الذبح
1) أن الفرح به صلى الله عليه وسلم مطلوب بأمر من القرآن من قوله تعالى :” قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) ([3]) فالله تعالى أمرنا أن نفرح بالرحمة والنبي صلى الله عليه وسلم أعظم رحمة قال الله تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) ([4])
2) أنه صلى الله عليه وسلم كان يعظم يوم مولده ، ويشكر الله تعالى فيه على نعمته الكبرى عليه ، وتفضله عليه بالوجود لهذا الوجود ، إذ سعد به كل موجود ، وكان يعبر عن ذلك التعظيم بالصيام كما جاء في حديث أبي قتادة :أن رسول الله صلى الله عليه وسلمسئل عن صوم يوم الاثنين ؟فقال : ( فيه ولدت ، وفيه أُنزل عليَّ )([5])
3) الاحتفال بالمولد إحياء لذكرى المصطفى صلى الله عليه وسلم وذلك مشروع في الإسلام ، فأنت ترى أن أكثر أعمال الحج إنما هي إحياء لذكريات مشهودة ومواقف محمودة فالسعي بين الصفا والمروة ورمى الجمار والذبح بمنى كلها حوادث ماضية سابقة ، يحي المسلمون ذكراها بتجديد صورتها في الواقع .
4) ما ورد فى الصحيح أن صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم عليه الصلاة والسلام عن حكمه فقالوا هذا يوم أغرق الله فيه فرعون ونجى فيه موسى فصامه موسى فنحن نصومه فقال صلى الله عليه وسلم : أنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه . أى شكراً لله . فهذا صريح فى إظهار الشكر لله على النعم وانه مطلوب فى كل وقت
5) استحسن ذلك العمل العلماء في مشارق الأرض ومغاربها، منهم :
قال الإمام السيوطي: ” إن ولادته صلى الله عليه وسلم أعظم النعم ، ووفاته أعظم المصائب لنا ؛ والشريعة حثت على إظهار شكر النعم ، والصبر والسكون عند المصائب ، وقد أمر الشرع بالعقيقة عند الولادة وهي إظهار شكر وفرح بالمولود ، ولم يأمر عند الموت بذبح عقيقة ولا بغيره ، بل نهى عن النياحة وإظهار الجزع . فدلت قواعد الشريعة على أنه يحسن في هذا الشهر إظهار الفرح بولادته صلى الله عليه وسلم دون إظهار الحزن فيه بوفاته . وقال أيضا : “وقد استخرج له -أي المولد- إمام الحفاظ أبو الفضل أحمد بن حجر أصلاً من السنة، واستخرجت له أنا أصلاً ثانيًا .
ويذكر الإمام ابن حجر العسقلاني فى كتاب ( الدرر الكامنة ) في عين الماء الثامنة. عن ابن كثير يقول: إن ليلة مولد النبي عظيمة مباركة سعيدة على المؤمنين، طاهرة، ظاهرة الأنوار جليلة المقدار .
وهذا هو مؤلف تاريخ الخميس يقول في هذا الصدد : ( لا يزال أهل الإسلام يحتفلون بشهر مولده ، ويعملون الولائم ، ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات ، ويظهرون السرور ، ويزيدون في المبّرات ، ويعتنون بقراءة مولده الشريف صلى الله عليه وسلم ، ويظهر عليهم من كراماته كل فضل عظيم ) ([6])
وقد استدل ابن حجر العسقلاني بهذا الحديث على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي على ما نقله الحافظ السيوطي ، فقال : ( فيستفاد فعل الشكر لله على ما من به في يوم معين من إسداء نعمة ، أو دفع نقمة ويعاد ذلك ، نظر ذلك اليوم من كل سنة ، والشكر لله يحصل بأنواع العبادة ، كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة ، وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة في ذلك اليوم ([7])
وقال أبو شامة المقدسي في كتابه : ومن حسن ما ابتدع في زماننا ما يفعل في اليوم الموافق ليوم مولده صلى الله عليه وآله وسلم من الصدقات والمعروف بإظهار الزينة والسرور ، فإن في ذلك مع ما فيه من الإحسان للفقراء شعاراً لمحبته ([8])
وقال القسطلاني : ولا يزال أهل الإسلام يحتفلون بشهر مولده عليه السلام ، ويعملون الولائم ، ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات ويظهرون السرور ، ويزيدون في المبّرات ، ويعتنون بقراءة مولده الكريم ، ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عظيم … فرحم الله امراءاً اتخذ ليالي شهر مولده المبارك أعياداً ، ليكون أشد علّة على من في قلبه مرض وأعيا داء ([9])
وذكر الحافظ السخاوي في فتاويه أن عمل المولد حدث بعد القرون الثلاثة، ثم لا زال أهل الإسلام من سائر الأقطار في المدن الكبار يعملون المولد ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات، ويعتنون بقراءة مولده الكريم، ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم.
قال الإمام السبكي: عندما نحتفل بذكرى المولد النبوي الشريف يدخل الأنس قلوبنا ونشعر بشيء غير مألوف.
وقال الإمام الشوكاني : «إن الاحتفال بالمولد النبوي جائز»([10]). ويذكر أن الملاّ علي القاري كان له الرأي نفسه في كتاب اسمه المورد الراوي في المولد النبوي .
قال بن الجوزى : لو لم يكن من أعمال المولد الشريف إلا إرغام الشيطان وسرور أهل الإيمان لكفى .
ونذكر لكم بعض ممن ألف فى المولد النبوى وأجاز الإحتفال به :
الشيخ محمد بن أبي بكر عبد الله القيسي الدمشق والإمام الحافظ العراقي والشيخ ملا علي القاري والإمام العالم ابن دحيه والإمام الحافظ شمس الدين بن الجزري والإمام الحافظ ابن الجوزي والإمام الشهاب أحمد القسطلاني شارح البخاري الإمام الحافظ السخاوي والإمام الحافظ وجيه الدين بن علي بن الديبع الشيباني الزبيدي..
اخوتي واخواني الطيبين لا أنا ولا أنتم أفهم من هؤلاء العلماء والله اني لا آتي بكلامي هذا من رأيي واهوائي ابدا والله وقدمت لكم الدليل من أقوال اهل العلم الشرفاء أسماء واعلام مشهورة .
إن كل ما لم يفعله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو الصحابة من بعده لا يعتبر تركهم له تحريماً ، والدليل على ذلك قول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: ( من سن في الإسلام سنة حسنة…) الحديث ، وفيه دليل على الترغيب في إحداث كل ما له أصل من الشرع وإن لم يفعله المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته رضوان الله عليهم
([2]) رواه الإمام أحمد والبزار والطبرانى والهيثمى .
([5]) رواه الامام مسلم في الصحيح في كتاب الصيام
([6]) الديار بكري ، تاريخ الخميس 1: 323
([7]) السيوطي ، الحاوي للفتاوي 1: 196.
([8]) الحلبي ، السيرة 1 : 83 ـ 84 .