السلفية المعاصرة (الوهابية) وضرورة النقد الذاتي

بقلم الشيخ / ايهاب صالح

في الظرف التاريخي الذي يعيشه المسلمون الآن، واستكمالا لما كتبته من ضرورة النقد الذاتي للصوفية المعاصرة، أرى ضرورة توجيه السلفية المعاصرة (الوهابية) لضرورة النقد الذاتي أيضا، فقد وصل الشقاق بأهل السنة إلى ذروته، ولا بد من تحكيم العقل، وإعمال الإخلاص لله والإسلام، وإعلاء كلمة الإسلام دون تحزب ضيق، وتعصب أعمى.

أولا- مفهوم اتباع السلف:

السلف – على اختلاف بين العلماء – هم الصحابة، أو الصحابة والتابعون.

وقاعدة لا بد أن نبدأ بها، ألا وهي أن اتباع السلف أصل من أصول أهل السنة، لا يجادل في ذلك أحد، فهم الذين نقلوا لنا صحيح الدين، الذي تعلموه من سيد الخلق أجمعين، رسول الله صلى الله عليه وسلم، خاصة في مسائل العقيدة، يعبر عن ذلك قول الإمام الغزالي في كتابه (إلجام العوام عن علم الكلام): “اعلم أن الحق الصريح الذي لا مراء فيه عند أهل البصائر هو مذهب السلف. أعني مذهب الصحابة والتابعين”.

ولكن الإشكالية في كيفية اتباع السلف، هل هو اتباع أقوال؟ أم اتباع منهج؟ هل هو اتباع آراء من دون فهم؟ أم هو اتباع فهم من دون تحريف؟ هل هو اتباع ظاهر ومنطوق؟ أم اتباع رؤية ومفهوم؟

ثانيا- آراء السلف:

لم يختلف السلف في فهم النصوص قطعية الثبوت والدلالة، فالآيات المحكمة واضحة المعنى، ولا تقبل التأويل أو اختلاف التفسير، ولكنهم اختلفوا في النصوص ظنية الدلالة، وتعددت آراؤهم.

كما اختلفت آراؤهم في الوقائع التي لم يوجدوا لها نصا صريحا، فتعددت الآراء ولم يتهم بعضهم بعضا، بل احترموا أفهام بعضهم البعض، ولم يزعم أحد أنه يسير مع الدليل وغيره منحرف مبتدع، فكان أبو بكر يقول: “هذا رأيي فإن يكن صوابا فمن الله وإن يكن خطأ فمني واستغفر الله”، وكان عمر يقول في مراسلاته: “هذا ما رأى عمر”، وعندما أشار عليه البعض بأن يفرض رأيه بصفته أمير المؤمنين، رفض وقال: “لو كان القرآن لفعلت وإنما هو الرأي”.

ودراس الفقه وتاريخ التشريع، يجد العديد من المسائل التي اختلفت آراء الصحابة والتابعين فيها، وأكبر مثال لها مسائل الميراث التي اختلف فيها الصحابة، كالمسألة الغراوية والمسألة العمرية والرد وغيرها.

ومنهجية السلف قامت على اتباع القرآن والسنة، ثم الرأي والاجتهاد، والرأي والاجتهاد قام على القياس وتتبع العلة، وتغليب المصلحة، وسد الذرائع، ومنهم من توقف عند النص، ومنهم من توسع في استعمال الرأي والاجتهاد، ومثال الأول عبد الله بن عمر، ومثال الآخر عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود – رضي الله عنهم جميعا – فنتج عن هذه المنهجية ما يعرف بمدرسة الحديث في الحجاز، ومدرسة الرأي في العراق، والتي أفرزت بعد ذلك المذاهب الفقهية الأربعة، والتي استكملها العلماء طبقة بعد طبقة، وتعايشت الأمة مع احترام الاختلاف والاجتهاد المنضبط، حتى إننا نجد القاعدة: (الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد) فكل اجتهاد محترم، طالما يقوم على قواعد منضبطة محررة.

ثالثا- نقد السلفية المعاصرة:

تظهر الإشكالية الكبرى عن السلفية المعاصرة في عدم اتباع السلف في هذه المنهجية وطرق الاجتهاد، ويمكن حصر انتقادهم في النقاط التالية:

1- التعصب الشديد لشيوخهم، واعتبار آراءهم هي الإسلام نفسه، وليست اجتهادات قد تصيب وقد تخطئ، مما نتج عنه نتائج خطيرة، منها:

إعطاء العصمة لشيوخهم، حتى ولو عملا لا قولا، فشيوخهم دائما وابدا يدورون مع الدليل، واعتبار أي رأي مخالف لهم بمثابة خروج على الإسلام، وانحراف وضلال وبدعة.

2- رفض تعدد الآراء الفقهية والاجتهادات، فلا يقبلون أي اختلاف في الآراء، ويعتبرون الاختلاف الفقهي عقيدة وبدعة وكفر، فنتج عن ذلك نتائج خطيرة منها:

رفض المذاهب الفقهية الأربعة، وقولهم ببدعة فقه الدليل، بحجة جمع الأمة على رأي واحد، ويقولون مقولتهم: “من شذ شذ إلى النار”، فتعصب كل أنصار منهم لآراء شيخهم، فصار لديهم عشرات المذاهب الفقهية، بدلا من المذاهب الأربعة، مما من شأنه تدمير التراث العلمي لأهل السنة.

كما يبالغون في الإقصاء، ويعتبرون أي مخالفة لهم في رأي فقهي اختلاف في العقيدة، فنتج عن ذلك التساهل في التكفير والتبديع، وظهرت مواسم الاختلافات التي نراها في كل مناسبة وبشكل متكرر، كزكاة الفطر، وتهنئة النصارى، والاحتفال بالمولد النبوي، والإسراء والمعراج، وغير ذلك.

3- استباحة التهجم على العلماء وعدم احترامهم، سواء المتقدمين منهم أو المتأخرين، وذلك راجع للنقاط السابقة، فنتج عن ذلك تعمد تشويه صورة العلماء، واستباحة التطاول عليهم وتشويه صورتهم والتشنيع عليهم أمام العامة، فيقولون بكفر أبي حنيفة والرازي والنووي، والغزالي وابن حجر والسبكي مبتدعة… الخ، أما المحدثون فحدث ولا حرج، فكل شيء مستباح، فذاعت ثقافة عدم احترام العلماء، وانتشرت كالنار في الهشيم، وكم نعاني من هذا الآن.

4- إقحام العوام في مسائل علمية دقيقة، مكانها الوحيد قاعة الدرس، وليس درس المسجد، والكلام فيها بغير علم ولا فهم، بذكرها في دروس المساجد والخطب، ونشرها على الفيسبوك، كالمسائل الفقهية المختلف فيها، ومسائل العقيدة المختلف فيها، كمسألة الصفات عامة، والصفات الخبرية خاصة، والقول بالتجسيم، وصفة كلام الله، والتأويل، وغير ذلك من مسائل علمية لا يفهمها العامة، وتحتاج إلى تفصيل وتقعيد، وتحرير ومناقشة، وكل ذلك لمجرد إقناع العوام بمذهبهم، مما نتج عنه تجروء العوام على الخوض في الذات الإلهية بغير علم، والإفتاء بغير علم، والجدال العقيم الذي لا فائدة منه.

5- سوء الأدب مع المخالف، والذي يصل إلى حد التطاول والبذاءة، واستباحة كل سوء الخلق، من السخرية والاستهزاء والتطاول والشتم والتكفير والتبديع، وتشويه السمعة وتناول الأعراض ونشر الإشاعات، والقاعدة عند شيوخهم، أنه لا حرج في سوء الأدب مع المخالفين، لأانهم مبتدعة، وسوء الأدب أفضل من البدعة، فنتج عن هذا انهيار الأخلاق والقيم.

وذلك راجع في أساسه إلى عدم اعتبار التزكية، فيكفي حفظ المعلومات التي تجند العامة لمذهبهم.

هكذا أرى ضرورة مراجعة النفس والنقد الذاتي من الإخوة السلفية المعاصرة، هذا إذا أردنا الإخلاص للدين لا للمذهب، انتماء للإسلام لا للتيار.

أما الآثار الوخيمة والنتائج الخطيرة التي نتجت عن هذه المنهجية فهي موضوع المنشور القادم إن شاء الله.

أسأل الله تعالى لنا ولكم الإخلاص والنفع والقبول

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.