الاغترار بالسلامة

 بقلم / أ.د/ حسين عبد المجيد أبو العلا

أستاذ الفقة المقارن – ووكيل كلية الشريعة والقانون بأسيوط سابقا

تمر الأيام سريعا، وتنقضي الآجال، وتحوم الذكريات حول عقل المرء فلا يكاد يصدق أن هذه أيام قد مرت به وأحداث توالت عليه، إنه يشعر أنه عاش شيئا فما أحلاها تلك اللحظات التي فيها القرب من الله.

تتوالى الأيام والسنون ويتقلب المرء بين الاختبارات المختلفة، بين الغنى والفقر، والبسط والقبض ، والمنح والمنع، والصحة والمرض، والقوة والضعف، يقلبه الله تعالى بينها ليرى مدى شكره على النعم وصبره على البلايا، فإن نجح المرء في الاختبار كانت الجنة والنعيم هي القرار، وكلما زاد في الشكر على النعم والصبر على المحن كلما علت درجته حتى تكن متعته النظر إلى وجه الله الكريم.

إن الله تعالى يعاقب المرء في الدنيا على أشياء، ويؤجل له أشياء، كل ذلك بعلمه وحكمته ولكن بعض الناس يغتر بالسلامة فيظن أن الله تعالى قد عافاه وأنعم عليه لما هو بسبيله من الطاعة ويكون على أكبر معصية فماذا يفعل؟.

وقد قال العلماء: إنه ما من عبد أطلق نفسه في شيء ينافي التقوى، وإن قل، إلا وجد عقوبته عاجلة أو آجلة، ومن الاغترار أن تسيء، فترى إحسانا، فتظن أنك قد سومحت، وتنسى أن الله تعالى يجازي الحسنة بالحسنة والسيئة بالسيئة.

فلا تغترن بما أنت فيه من سلامة البدن ومن قلة الفتن، ولا تحسبن ذلك تفضيلا من الله لك، بل كل ما أنت فيه ابتلاء واختبار، قد تختبر بالخير وقد تختبر بالشر، يقول الله تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ، فقد جعل الله تعالى السلامة والنعمة فتنة، بل قد تكون من أشد الفتن، وقد يكون الصبر على الرخاء، والقيام بواجب الشكر عليه، والإحسان فيه، أشق على النفس من الصبر على الشدة، وقد تعجب وتقول كيف هذا: وأقول لك: إن المصائب عند المؤمن تذكره بالله تعالى، فيفزع إليه، ويهرع إلى جنابه، فتقربه من ربه، ويستجمع نفسه سريعا، ويتقوى بالله، فيصبر على مصيبته.

أما الرخاء فقد يلهي وينسي، بل قد يطغي المرء فيخرجه عن طوره، لأن الاستغناء يجلس على القلب، ويستقر في النفس، وربما أورث غرورا وطغيانا، وهذا هو الاغترار بالسلامة، ولذا يقول الله تعالى: كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى، ومن هنا كان الحذر من الاغترار بالسلامة، والطغيان بالنعمة، فالشيطان لا يجعل المؤمن مذنبا أو عاصيا مرة واحدة، إنه يعرف قيمة الإيمان في قلبه فيستدرجه إلى المعصية بأناة وصبر، ويأتي له من مكامن ومواطن لا يحذرها، فيغرر به واحدة، واحدة، حتى يجعله واقعا في شراكه، غافلا عن ربه سبحانه وتعالى.

ومن هنا كان أول شيء يبعد عن المرء الاغترار بالسلامة أن يحفظ النعم ويؤدي شكرها، وذلك بدرجات فهو أولا ينسب الفضل إلى صاحبه والمنان الكريم وهو رب العزة والجلال، فهو الأصل في حصولها ولولا فضله وكرمه ما كان لنا شيء من الخير، ويظهر ذلك في شكر الله عليها، ثم لا يكون الشكر لفظا فقط بل يكون باستعمالها في طاعته، ثم أداء حق الله فيها من الزكاة والصدقة فإن ذلك الذي يحفظها ويزيدها بركةً ونماءً، فإن تولى استبدل الله تعالى من هو خير منه، وكانت عاقبة الاغترار توقف النعم ثم بدء زوالها، وكل ذلك مقدر بالله تعالى، فمتى أنعم الله عليك بصحة أو مال أو علم، أو غيره من أفضاله ومننه جل وعلا، فلا تغترن بها، ولا تنس شكر المنعم عليها، وليكن شكرك إيجابا لا لفظا فقط، وفي كل حال بحسب، فنعمة المال بإخراج حقه، ونعمة العلم بشكر الله وإنفاقه والعمل على نشره، وتبصير الناس بربهم، وهكذا في كل نعمة بحسبها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.