تبرك السلطان المملوكي حسام الدين لاجين وأمراء المماليك بخرقة قاضي القضاة تقي الدين ابن دقيق العيد.
adminaswan
17 أكتوبر، 2024
شبهات حول قضايا التصوف
50 زيارة
بقلم د / عمر محمد الشريف
تبرك السلطان المملوكي حسام الدين لاجين وأمراء المماليك بخرقة قاضي القضاة تقي الدين ابن دقيق العيد.
في سنة ٦٩٧هـ أراد نائب السلطنة منكوتمر أن يستخلص من ابن دقيق العيد حكماً في قضية ميراث لأحد أصحابه بغير بيّنة شرعية، فامتنع قاضي القضاة من ذلك، وهو عالم بأن منكوتمر أقوى شخصية في الدولة قاطبة، وتردّدت الرسل بينهما وابن دقيق العيد لا يتحرك عن موقفه؛ فأغاظ ذلك منكوتمر وأرسل أحد الأمراء الكبار إلى قاضي القضاة لعله يفوز منه بطائل.
وقد أورد تقي الدين المقريزي وبدر الدين العيني قصة هذا الحادث في تفصيل، فذكر أن منكوتمر بعث إلى ابن دقيق العيد يعلمه أن تاجراً قد مات وترك أخاً ولم يخلف غيره ممن يرثه، وأراد أن يثبت استحقاقه الإرث بمجرد هذا الإخبار عنه، فلم يوافق قاضي القضاة على ذلك.
وبعث إليه الأمير كُرْت الحاجب؛ فلما دخل كرت وقف بعدما سلم، فقام له القاضي نصف قومة، ورد عليه السلام وأجلسه. اخذ كُرْت يتلطف به في إثبات أخُوَّ التاجر بشهادة منكوتمر؛ فقال له ابن دقيق العيد: وماذا ينبني على شهادة منكوتمر؟، فقال له: يا سيدي! ما هو عندكم عدل؟، فقال: سبحان الله! ثم أنشد:
يقولون هذا عندنا غير جائزٍ … ومنْ أنتمُ حتى يكونَ لكم عِنْدُ؟
وكرر ذلك ثلاث مرات ثم قال: “والله متى لم تقم عندي بيّنة شرعية ثبتت عندي وإلاّ فلا حكمت له بشيء باسم الله”. فقام كرت وهو يقول: “والله هذا هو الإسلام”. وعاد إلى منكوتمر واعتذر إليه بأن هذا الأمر لابد فيه من اجتماعك بالقاضي إذا جاء دار العدل.
وحين صعد ابن دقيق العيد إلى دار العدل في قلعة الجبل بالقاهرة في اليوم المخصص له، أرسل نائب السلطان إليه بعض مماليكه ثم كبار أمرائه طالباً منه أن يمر عليه في دار النيابة، “فلم يلتفت إلى أحد منهم، فلما ألحّوا عليه، قال لهم: قولوا له ما وجبت طاعتك عليّ، والتفتَ إلى من معه من القُضاة، وقال لهم: أُشهدكم أني عزلت نفسي باسم الله وقولوا له يُولّي غيري”.
فلما بلغ السلطان ذلك وكان يومئذ المنصور حسام الدين لاجين، أنكر على منكوتمر وبعث إلى القاضي يعتذر إليه ويستدعيه، فأبى واعتذر عن طلوعه. فبعث إليه الشيخ نجم الدين حسين بن محمد بن عبود فمازالا به حتى صعدا به القلعة. فقام إليه السلطان وتلقاه، وعزم عليه أن يجلس في مرتبته، فبسط منديله – وكان خرقة كتان – فوق الحرير قبل أن يجلس كراهة أن ينظر إليه، ولم يجلس عليه. وما برح السلطان يتلطف به حتى قبل الولاية، ثم قال له: “يا سيدي، هذا ولدك منكوتمر خاطرك معه، أدعُ له” ، وكان منكوتمر ممن حضر، فنظر إليه قاضي القضاة ساعة وصار يفتح يده ويقبضها وهو يقول: (منكوتمر لا يجيء منه شيء) وكرّرها ثلاث مرات وقام.
فأخذ السلطان الخرقة التي وضعها على المرتبة تبرّكا بها، وتفرقها الأمراء قطعة ليدّخروها عندهم رجاء بركتها.