الحمد لله خلق كل شيءٍ فقدّره تقديراً، أبدع ما خلق، وأتقن ما صنع؛ حكمةً وتدبيراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وكان على كل شيءٍ قديراً، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله،أكرم خلق الله وأجودهم وأسخاهم، أرسله ربه بالحق بشيراً ونذيراً، وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى صحابته الكرام الميامين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد :
فدين الإسلام دين الشمائل الحسنة والقيم النبيلة والأخلاق العالية والآداب الغالية وعلى رأس هذه القيم والأخلاق خلق السماحة ..
السماحة -أيها الأخوة- طيب في النفس ، وانشراح في الصدر ، ولين في الجانب ، وبشاشة في الوجه ، وصدق في التعامل ، ورحمة بجميع خلق الله -تعالى-..
بها بُعث النبي محمد ﷺ
قال ﷺ: “بُعِثْتُ بِالحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ”(رواه الإمام أحمد وسنده حسن).
والحنيفية السمحة هي التي تلائم فطرة الناس، وهي التي لا غلو فيها ولا تقصير .
العنصر الأول : مفهوم السماحة في الإسلام ..
إن السماحة والتسامح هو اللين والتساهل، قال ابن الأثير: والسماحة: المساهلـة، وقال الفيروزآبادي: تسامحوا: تساهلوا وهو نوع من أنواع الإحسان إلى النفوس التي جُبلت على حب من أحسن إليها؛ لذا فإن التسامح يؤدي إلى المحبة والتآلف ونبذ العنف والتنافر، والتسامح هو: القلب النابض لحياة طيبة ونفس زكية خالية من العناء ،
وهي: التسامح مع الغير في المعاملات المختلفة، ويكون ذلك بتيسير الأمور والملاينة فيها التي تتجلى في التيسير وعدم القهر، وسماحة المسلمين التي تبدو في تعاملاتهم المختلفة سواء مع بعضهم، أو مع غيرهم من أصحاب الديانات الأخرى .
وإن مفهوم السماحة الذي جاء به الإسلام فوق مفهوم الإنسانية وحقوقِ الإنسان الذي رفعه الغرب في هذا العصر الجاهلي المتحضِّر، وقد جسَّد ذلك سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- بقوله، كما يحدِّثنا شداد بن أوس -رضي الله عنه- قال: “ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- قَالَ: “إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ, فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا القِتْلَةَ, وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ, وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ”(رواه الإمام مسلم).
والسماحة وفق هذا المفهوم هي التي جاء بها ديننا وعلَّمها للبشرية جمعاء ، وهي فوق مفهوم الإنسانية الذي رفعته مؤسسات وجمعيات خيرية -جاهلية- معاصرة، خدعت به شعوباً وأمماً وأقواماً بُسَطاء، بهذا الشعار البرَّاق الذي رفعه الغرب اليوم، خُدع الناس، وقُتل به الأبرياء، وسُفكت به الدماء، وهُتكت به الأعراض، وسُلبت به الأموال، وهُتكت به الحرمات، واغتُصبت به الأرض، وقُسِّم به المقسَّم من البلاد، وجُزِّئ به المُجزَّأ، واستُعبِد به الناس، وغُيِّب به الناس في غياب السجون .
العنصر الثاني :السماحة من صفات المؤمنين..
السماحة من صفات عباد الله المؤمنين، وسمات الأُخوة في الدين..
من علامات المُسامح: طلاقة الوجه، واستقبال الناس بالبِشر، والتآلف معهم، وحسن الخلق معهم باسمًا مشرق المُحيا، ومبادرة الناس بالتحية والسلام وحسن الخلق.
المسامحة بحسن المصاحبة، والتغاضي عن الهفوات، وعدم المؤاخذة عند الزلات والمخالفات، والتخفيف على المسلمين في التعامل في أمور الدنيا والدين ..
ومن كانت هذه صفاته حرمه الله على النار ، وأدخله الجنة مع الأبرار ،
جاء في المستدرك على الصحيحين للحاكم وصححه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- أنه قال: “من كان هيِّناً ليِّناً قريباً حرَّمه الله على النار”.
ومن السماحة: أن تدفع بالتي هي أحسن، وتتحمل من أخيك خطؤه وزلته، وتعفو عن هفوته وغفلته، فقد قيل: “من عادة الكريم إذا قدر غفر، وإذا رأى ستر”.
أما الفظاظة والغلاظة والشدة والقسوة في التعامل فليست من ديننا في شيء، وإن الجفاء الذي نراه في واقعنا حالة طارئة يجب أن يغيَّب وأن يزول، وأن يظهر خلق السماحة على جميع جوارحنا، وأن يظهر في جميع حركاتنا وسكناتنا..
والسماحة كما تكون بالعفو والتسامح تكون بالسلام والابتسام والتصافح، ومن أوصاف أهل الصلاح التسامح والتصالح؛
والسماحة -يا مسلمون- سماحة النفس بالبشر واللين، والتغاضي والتجاوز لسد الثغرات، ولا ينشر الزلات والعثرات..
وصدق القائل:
وعاشر بمعروفٍ وسامح من اعتدى *** وفارقه ولكن بالتي هي أحسن
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “أما السماحة والصبر فخُلقان في النفس، وعلينا التواصي بهما قال تعالى: (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ).
البلد/١٧..
قال الإمام الشافعي -رحمه الله-:
كُن رجلًا على الأهواء جلدًا *** وشيمتك السماحة والوفاءُ
تستَّر بالسخاء فكل عيبٍ *** يغطيه كما قيل السخاءُ
ولا ترجو السماحة من بخيلٍ *** فما في النار للظمآن ماءُ
وإن كثرت عيوبك في البرايا *** وسرك أن يكون لها غطاءُ ..
والمؤمن من صفاته إن اشترى كان سمحًا، وإن باع كان سمحًا، وإن أخذ كان سمحًا، وإذا أعطى كان سمحًا، وإذا قضى كان سمحًا؛ فهو سمحٌ في تعامله ومعاملته وبذله ومخالطته؛ فالسمح يُحبب الناس إليه ويميلون إلى التعامل معه وما في يديه، والتسامح مع الآخرين بعدم التشديد والغلظة؛ بل العفو والصفح والرأفة، والتسامح معهم بالبيع والشراء؛ فلا يكون البائع مغاليًّا في الربح، ويأخذ ما لا حق له؛ بل يكون كريم النفس جميل العفو لاسيما المحتاج والفقير، وكذا إذا اقتضى حقه أخذه بحقه (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة:280].
والسماحة أهم صفات النبي ﷺ فمن سماحته: عفوه عمن أراد قتله، وصفحه مع الأعرابي في كلامه وزجره الذي جبذ رداءه بشدةٍ؛ ليأمر له بالعطاء، وضحك وأمر له بعطاءوغيرها من المواقف الكثير في سيرته
ﷺ..
وصحابته رضوان الله عليهم ساروا على نهجهﷺ، فكان قدوتهم وإسوتهم ، وعلى سبيل المثال هذا سيدنا عمر -رضي الله عنه- أوصى الخليفة بعده بأهل الذمة أن يُوفى لهم بعهدهم، وأن يُقاتل من وراءهم، وألا يُكلَّفوا فوق طاقتهم..
وانظر إلى خلق السلف كان الحسن -رضي الله عنه- إذا اشترى شيئًا كان في ثمنه كسرٌ جبره لصاحبه..
خذ هذه الحكمة النبوية القصيرة واجعلها على بالك وذكِّر بها إخوانك وأولادك ، وتخلق بها تجد أثرها الطيب في الدنيا والآخرة.﴿اسْمَحْ يُسْمَحْ لكَ﴾وفي مأثور الحكمة أيضا : “السماح رباح”..
عن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ ﴿اسْمَحْ يُسْمَحْ لكَ﴾.. أخرجه الإمام أحمد وسنده صحيح..
لقد حرَصَ الشَّرعُ الحكيمُ على إقامةِ عَلاقاتٍ طيِّبةٍ بينَ المُسلمينَ، فيها التَّكافُلُ والتَّرابطُ والمحبَّةُ والتَّعاونُ، وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “اسمَحْ؛ يُسمَحْ لك”، أي: عامِلِ النَّاسَ بالسَّماحةِ والمُساهلةِ؛ يُعامِلْكَ اللهُ بمِثلِه في الدُّنيا والآخِرةِ، والجزاءُ مِن جِنسِ العملِ، والمعنى أنَّ تَسهيلَكَ للعِبادِ يكونُ سَببًا لتَسهيلِ اللهِ لك في الدَّارَينِ، فيُرقِّقُ قُلوبَ العِبادِ لك في الدُّنيا، فيَسمَعوا قَولَكَ، فيكونُ أنفعَ لك ولهم، وقد تكونُ سَماحةُ العبدِ ومُساهلتُه سَببًا لسَماحةِ اللهِ له، ومَغفرتِه له ذُنوبَه، وفَوزِه في الآخِرةِ..الدرر السنية
أخرج الإمامان البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- قال: “كَانَ رَجُلٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَكَانَ يَقُولُ لِفَتَاهُ: إِذَا أَتَيْتَ مُعْسِرًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ، لَعَلَّ اللَّهَ يَتَجَاوَزُ عَنَّا، فَلَقِيَ اللَّهَ فَتَجَاوَزَ عَنْهُ”..
هذه هي السماحة التي جاء بها الإسلام، وهذه هي آثار العبادات من صلاة وصيام وزكاة وحج وعمرة ،وتلاوة للقرآن الكريم ، يجب أن تظهر آثارها في التعامل بالدرهم والدينار ..
فيا أيها التجار يسروا على المعسرين والمتعسرين فمن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ،
إن من أسباب تخلف المسلمين وتدنيهم أننا أصبحنا بعيدين عن هدي سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-، لقد أصبح همُّ بعض الناس الدرهم و الدينار ، فلا تراه هيِّناً ليِّناً في بيعه وشرائه، بل ولا ترى منه شفقة ولا رحمة أثناء التعامل التجاري .
فكلما حانت مناسبة رفع التجار الأسعار ؟ أين الشفقة والرحمة على عباد الله؟ وخاصة وأنتم ترون الفقر يزداد في الناس يوماً بعد يوم..
لماذا هذه الشدَّة والقسوة؟!
نحن نناشد غير المسلمين بالرحمة والسماحة، ونحن الذين فقدنا الرحمة والسماحة -وخاصة في المعاملات التجارية- إلا من رحم الله -تعالى-،وكأن القوم نسوا أو تناسوا حديث سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-:
“مَنْ لا يَرْحَمُ لا يُرْحَمُ”.
[متفق عليه]..
يحكى أن رجلاً من الصالحين كان يوصي عماله في المحل بأن يكشفوا للناس عن عيوب بضاعته إذا وجدت، وذات يوم جاء يهودي فاشترى ثوبًا معيبًا، ولم يكن صاحب المحل موجودًا. فقال العامل: “هذا يهودي لا يهمنا أن نُطلعه على العيب”. ثم حضر صاحب المحل فسأله عن الثوب فقال: “بعته لليهودي بثلاثة آلاف درهم، ولم أطلعه على عيبه”، فقال: “أين هو؟” فقال: “لقد رجع مع القافلة، فأخذ الرجل المال معه ثم تبع القافلة حتى أدركها بعد ثلاثة أيام”.
فقال لليهودي: “يا هذا، لقد اشتريت ثوب كذا وكذا وبه عيب، فخذ دراهمك وهات الثوب”. فقال اليهودي: “ما حملك على هذا؟”. قال الرجل: “الإسلام، إذ يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “من غشنا فليس منا”[ أخرجه الإمام مسلم]”. فقال اليهودي: “والدراهم التي دفعتها لكم مزيفة، فخذ بها ثلاثة آلاف صحيحة، وأزيدك أكثر من هذا بأنني: أشهد ألا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله”..
بأخلاق سلفنا الصالح وحسن معاملاتهم وسلوكهم التجاري وصدقهم وأمانتهم اتسعت الفتوحات الإسلامية وانتشرت في ربوع الدنيا شرقا وغربا وشمالاً وجنوبا..
لقد كان صفات التاجر المؤمن في عصر الإسلام الزاهر من أهم أسباب انتشار الإسلام، ودخلت طوائف عدة من المجتمعات البشرية في دين الله أفواجا ، بواسطة أرباب التجارة في تجارتهم،و صدقهم وسماحتهم ، وحسن معاملتهم ، كما أدى هذا الخلق إلى سلامة المجتمع الإسلامي من أمراض النفس الداخلية..
العنصر الثالث :صور السماحة في الإسلام ..
من صور السماحة في الإسلام..
من صور السماحة في هذا الدين :
١-التسامح مع الشريك، كما شهد لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- شريكه في التجارة قبل البعثة: السائب بن عبد الله بقوله له: ” كنت شريكي في الجاهلية، فكنت خير شريك، كنت لا تداريني ولا تماريني” [أخرجه ابن ماجه وسنده صحيح].
أي كنت لا تدافعني في أمر ولا تجادلني فيه، بل كنت شريكـًا موافقـًا، ولم ينسها له..
كانت التجارة عمل النبي صلى الله عليه وسلم في مطلع شباب النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد خرج النبي للتجارة وسافر إلى الشام مع عمه أبي طالب وهناك التقى ببحيرى الراهب وبعدها كان صلى الله عليه وسلم يتاجر في مال السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها. وقبل ذلك عمل بالتجارة في الجاهلية قبل أن يبعث فكان (صلى الله عليه وسلم) خير قدوة للتاجر الأمين، حيث وصفه السائب رضي الله عنه بأنه نعم الشريك الصادق الأمين المتسامح الذي لا يداري ولا يماري أي: لم يكن (صلى الله عليه وسلم) يخفي عيبا في سلعة، ولا يجادل بالباطل .
٢- مقابلة الإساءة بالاحسان
وإن من أعظم صور السماحة العليا: أن يتسامح المرء حتى مع من أساء إليه، كالذي جرى مع أبي بكر -رضي الله عنه- حين أقسم ألاَّ ينفق على مسطح بن أثاثة؛ لخوضه في حديث الإفك، وفي عرض آل بيته زوجه السيدة عائشة رضي الله عنها ، رغم ما يمن عليه الصديق -رضي الله عنه- من كسوة ومبيت وإطعام، فأمره الله تعالى أن يعفو ويصفح، فكفر عن يمينه، وعاد ينفق عليه، بعد أن أقسم ألا يفعل، فأنزل الله ﴿وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ…﴾ النور /٢٢.
وفي ذلك يقول -صلى الله عليه وسلم-: “ارحموا تُرحموا، واغفروا يغفر لكم” [ صحيح الترغيب ].
٣-قضاء حوائج الناس..
ومن صور السماحة : قضاء حوائج الناس والرفق بهم، يقول أنسٌ -رضي الله عنه-: “إن كانت الأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتنطلق به حيث شاءت” ..
(رواه الإمام البخاري).
٤- التسامح مع الأهل والجيران..
التسامح مع الجيران، والأهل والأقارب والأصدقاء، وعامة الناس، في العفو والصفح والتسامح، والعفو والمساعدة والعطاء،
لما ذُبِحت لعبد الله بن عمرو بن العاص شاةٌ في أهله، فلما جاء قال: أهديتم لجارنا؟ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: “مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ”..
٥- السماحة في البيع والشراء :
أخرج الإمام البخاري عن جابر -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «رحِم الله رَجُلا سَمْحَا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقْتَضَى».
قال ابن بطال: “فيه الحضُ على السماحة وحسن المعاملة، واستعمال معالي الأخلاق ومكارمها، وترك المشاحة، والرقة في البيع، وذلك سبب إلى وجود البركة فيه؛ لأن النبي -عليه السلام- لا يحض أمته إلا على ما فيه النفع لهم في الدنيا والآخرة”.
ويعلق ابن حجر على هذا بقوله: “السهولة والسماحة متقاربان في المعنى ..
وإذا اقتضى: أي طلب قضاء حقه بسهولة وعدم إلحاف، وإذا قضى: أي أعطى الذي عليه بسهولة بغير مطل، وفيه الحض على السماحة في المعاملة، واستعمال معالي الأخلاق، وترك المشاحنة، والحض على ترك التضييق على الناس في المطالبة، وأخذ العفو منهم”..
ومن أهم مجالات المعاملة الحسنة السماحة في البيع والشراء ، والأخذ والعطاء ،
والسماحة في المعاملة تكون من البائع والمشتري ومن يفصل بينهما بحكمة حال النزاع إن وجد . والحذر من أسباب غضب الله وأليم عقابه الذي توعد به أصحاب الغش والخيانة والكذب.
ومن الحكم العصرية”
لاتحدثنى كثيرا عن الدين، ولكن دعنى أرى الدين فى سلوكك وأخلاقك وتعاملاتك”.
(صحيفة الخليج)..
قال بعضهم أتى على الناس زمان كان الرجل يدخل السوق ويقول من ترون لي أن أعامل من الناس ، فيقال: له عامل من شئت،
ثم أتى زمان آخر كانوا يقولون عامل من شئت إلا فلاناً وفلاناً ، ثم أتى زمان آخر فكان يقال لا تعامل أحداً إلا فلاناً وفلانا، وأخشى أن يأتي زمان يذهب هذا أيضاً ،
وكأنه قد كان الذي كان يحذر أن يكون ، إنا لله وإنا إليه راجعون ! .
( إحياء علوم الدين).
وختامًا: مما سبق يتضح لكل صاحب بصر وبصيرة أنه لم تكن تعاليم الإسلام عبارات أو شعارات فحسب، بل كانت ترجمة حرفية واقعية ، أخلاق تمشي على الأرض تراها في الأسواق والمواصلات والمعاملات..
فيا أخا الإسلام إذا أردت أن يُحبك الله فسامح..
إذا أردت أن تصلح حياتك فسامح، وإذا أردت أن تهنأ في أسرتك فسامح.. إذا أردت أن يُبارك لك في مالك فسامح.. إذا أردت أن يُحبك الناس فسامح، ويُعاملوك المعاملة الحسنة فسامح.. إذا أردت أن يجتمع أمرك ويكثر خيرك فسامح، وإذا أردت أن يُحبك والداك فسامح، وإذا أردت أن يحبك أبناؤك فسامح.
لقد أصبحنا في واقعنا الحالي كالسِّباع الضارية والكلاب المسعورة في التعامل مع الغير في البيع والشراء، وإذا ما سنحت الفرصة كان كل ما يهمُّنا أخذ ما في جيوبهم والاستحواذ على أموالهم، وإذا تسامحت مع إخوانك سامحك الله في تعاملك،
فكن سمحًا مع نفسك، وسمحًا مع غيرك..
فالواجب نشر السماحة، وألا تكون الزيادات وغلاء الأسعار سببٌ لأكل أموال الناس ، والتضييق عليهم والإضرار بهم .
ويا عباد الله: تجاوزوا عن المعسر ولا تضيِّقوا عليه، لعلَّ الله -تعالى- أن يتجاوز عنا، كونوا رُحَماء في معاملاتكم التجارية لعلَّ الله يرحمنا، لا تكونوا حريصين على أموالكم ولو بإزهاق أرواح الآخرين.
عاملوا الآخرين كما تحبون أن تُعامَلوا، ارحموا تُرْحَموا، تجاوزوا لعلَّ الله أن يتجاوز عنا.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
إن الصلاة على النبي غنيمةٌ *** نُجزى على ترديدها ونُثابُ
صلى عليك الله يا خير الورى *** ما ناح قمريٌ وخُط كتابُ..
نسأل الله أن يرزقنا السماحة والصبر، وحسن الخُلق مع عباده، إنه جواد كريم، واللهم اغننا بحلالك عن حرامك واكفنا بفضلك عمن سواك وبطاعتك عن معصيتك وافتح لنا من أبواب فضلك وخزائن خيرك، وارزقنا الرزق الحلال والمال الحلال وبارك لنا فيه .. وارزقنا وانت خير الرازقين ، واحفظ بلدنا مصر من كل سوء ، وأعن إخواننا المستضعفين في فلسطين ولبنان ، وسائر بلاد المسلمين .