خطبة بعنوان (المخدرات ضياع للإنسان ) للشيخ عادل تونى
adminaswan
24 ديسمبر، 2024
خطب منبرية, ش /عادل عبدالكريم تونى
142 زيارة
إعداد الشيخ / عادل عبدالكريم توني إبراهيم
إمام وخطيب ومدرس بوزارة الأوقاف
الجمعة 25 من جمــادى الآخر 1446هـ
الموافق 27 من ديسمـــبـر 2024م
عناصر الخطبة :
١- “وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ”
٢- آفة السكر مفتاح كل شر، وبوابة الهلاك .
٣- منهج الإسلام في تحريم الخمر والمسكرات .
٤- أضرار شرب الخمر والمخدرات .
الخطبة الأولى :
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أمّا بعدُ :
(١)- يقول الله تعالَى:{ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (الأعراف: 157) ،
أيها المسلمون :
ينبغي على المؤمن أن يعلم أن الله تعالى لم يشرّع الشرائع, ولم يسنّ السنن إلاّ لما فيه خير العباد، فما أمر الله تعالى به فهو واقع لمصلحة العبد المكلّف، وما ينهى الله عنه ، فإنّما ينهى عنه لما فيه من دفع المضرة عنه ، ولهذا فقد أحل الله الطيبات ، وحرم الخبائث، وفي هذا يقول الله تعالى : (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) الاعراف 157،
ومن المعلوم أن النصوص القرآنية والنبوية قد بينت بشكل صريح وواضح تحريم بعض الأطعمة والأشربة لخبثها ، ولم يحرم الإسلام شيئاً من المطعومات أو المشروبات إلا لضرر ينجم عنها أو لخبث محقق فيها ، مصداقا لقوله تعالى: ( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ . الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ) [المائدة 4 ، 5 ] . وليس لمسلم أن يحرم على نفسه بعض الطيبات مما أحله الله بنية التقرب إليه، قال الله تعالى :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) [المائدة 87 ]، وقال الله تعالى: ( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (الأعراف 32 )
ومن الواجب على المسلم أن يتحاشى تناول ما حرم الله من المطعومات أو المشروبات طاعة لله عز وجل، أدرك العلة من التحريم أم لم يدرك العلة من ذلك ، مسلماً بأن تلك المحرمات إنما حرمها الخالق المصور العليم بما يضر هذا الإنسان ـ الذي خلقه بيده وبما ينفعه .
***
(٢)- عباد الله : إن آفة السكر هي أم الخبائث، ومفتاح كل شر، وبوابة الهلاك؛ فكم حصل بسببها من سفك للدماء المعصومة، وإتلاف للأموال الخاصة والعامة، وانتهاك للأعراض المصونة حتى على المحارم، وكم قضت على طاقات نافعة وعقول ناضجة، وأشقَتْ من أسر سعيدة، وكم أذلت من عزيز، وأفقرت من غني، وأهانت من كريم، وصغرت من عظيم، وأمرضت من صحيح، وفرقت بين الأقارب والأحبة والأصدقاء.
وقد أخرج النسائي وابن حبان في صحيحه، أن عثمان رضي الله عنه قام خطيبا فقال: ” أيها الناس، اتقوا الخمر؛ فإنها أمُّ الخبائث، وإن رجلا ممن كان قبلكم من العباد، كان يختلف إلى المسجد، فلقيته امرأةُ سُوء، فأمرت جاريتها فأدخلته المنزل. فأغلقت الباب، وعندها باطيةٌ من خمر، وعندها صبي، فقالت له: لا تفارقني حتى تشرب كأسا من هذا الخمر، أو تواقعني، أو تقتل الصبي، وإلا صِحتُ، تعني: صرخت، وقلت: دخل علي في بيتي، فمن الذي يصدِّقك؟ فضعف الرجلُ عند ذلك وقال: أما الفاحشة فلا آتيها، وأما النفس فلا أقتلها، فشرب كأسا من الخمر. فقال: زيديني. فزادته، فوالله ما برح، حتى واقع المرأة وقتل الصبي”.
وغير خافٍ على كل ذي عقل أن المسكرات إهلاك للفرد والمجتمع ، وقد تحدث الناس عن أضرارها ووجوب تجنبها على اختلاف أديانهم وتخصصاتهم العلمية.
إن المخدرات التي ظهرت في هذا الزمان قد أجمع العلماء على إلحاقها بالخمر لاستواء العلة الجامعة؛ بل هي أشدُّ خطراً من الخمور باتفاق الأطباء والعقلاء، بل وعامة الناس، ويستدل على إلحاقها بالخمر ما جاء عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال، قال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “كل مُسكر خمر، وكل مُسكر حرام”.)[أخرجه البخاري ].
وعن أبي مالك الأشعري -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: “ليشربَنَّ ناسٌ من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها”.
وعن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: “نهى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- عن كل مُسكر ومُفتِّر”(رواه أبو داود).
والمفتِّر هو ما يجعل الأعضاء تتخدر وترتخي، وهذه العلة موجودة في المخدرات، وموجودة في المنشطات بعد زوال مفعولها،
***
(٣)* منهج الإسلام في تحريم الخمر والمسكرات :
عندما جاء الإسلام كان العرب قد أُغْرِقَوا في شرب الخمر حتى أصبح بمفهومه العام لدى جميع الأطياف وسيلةً وشعارًا تدلُّ على عظيم كرم الرجل وحُسْن ضيافته وجميل أخلاقه.
ولمَّا كان هذا الإدمان يحتاج إلى معالجة دقيقة من جانب المعتقد وجانب صِحَّة البدن أورد القرآن مراحل تحريم الخمر في صورة بديعة تُعَدُّ أساسًا في علاج كثير من حالات الإدمان:
فكان أوَّل ما نزل في تنفير الناس مِنْ شُرْبِ الخمر قوله تعالى: {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [النحل: 67]، فوصف الله تعالى الرزق بالحَسَن، ولم يصف السكر بذلك؛ تمهيدًا لتحريم الخمر،
ثم لفت الأنظار إلى آثارها الضارَّة التي تَفُوقُ ما فيها من منافع محدودة، فقال الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: 219]،
فهنا أثبت جانب النفع كالتجارة فيها؛ لكن جعل الإثم طاغيًا والضرر بيِّنًا ليعلم العاقل أن ما زاد ضرره يترك ولو كان فيه شيء من المصلحة.
وفي مرحلة لاحقة حرَّم تعاطيها قبل أوقات الصلاة؛ بحيث لا يأتي وقتُ الصلاة إلاَّ والواحد منهم في أتمِّ صحوة، فقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43]،
وفي سنن النسائي (عَنْ عُمَرَ رضى الله عنه قَالَ لَمَّا نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ قَالَ عُمَرُ اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شَافِيًا. فَنَزَلَتِ الآيَةُ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ عُمَرُ اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شَافِيًا. فَنَزَلَتِ الآيَةُ الَّتِي فِي النِّسَاءِ قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ﴾ [النساء: 43]،وهنا خاطَبَهم بوصف الإيمان لتقوى نفوسُهم على ترك ما يُخِلُّ بشعائر الإسلام فتركها ثُلَّةٌ من أهل الإيمان، وبقي البعضُ يشربها في غير أوقات الصلوات.
فَكَانَ مُنَادِى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا أَقَامَ الصَّلاَةَ نَادَى لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شَافِيًا. فَنَزَلَتِ الآيَةُ الَّتِي فِي الْمَائِدَةِ فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ فَلَمَّا بَلَغَ (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) ،قَالَ عُمَرُ رضى الله عنه انْتَهَيْنَا انْتَهَيْنَا) – فجاء التحريم القاطع في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90].
ولأن أم المؤمنين السيدة عائشة -رضي الله عنها- تعرف جيِّدًا عمق مشكلة الخمر في نفوس المجتمع الجاهلي؛ لذلك قالت عن التدرُّج الذي نزلت به الآيات: “… ولو نزل أوَّل شيء: لا تشربوا الخمر. لقالوا: لا نَدَعُ الخمرَ أبدًا…” صحيح البخاري ،
والمجتمع – الذي ربَّاه النبي صلى الله عليه وسلم على مراقبة الله تعالى – امتثل لأوامره فور نزولها على نبيِّه صلى الله عليه وسلم ، ففي الصحيحين ( عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كُنْتُ سَاقِىَ الْقَوْمِ يَوْمَ حُرِّمَتِ الْخَمْرُ فِي بَيْتِ أَبِى طَلْحَةَ وَمَا شَرَابُهُمْ إِلاَّ الْفَضِيخُ الْبُسْرُ وَالتَّمْرُ. فَإِذَا مُنَادٍ يُنَادِى فَقَالَ اخْرُجْ فَانْظُرْ فَخَرَجْتُ فَإِذَا مُنَادٍ يُنَادِى أَلاَ إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ – قَالَ – فَجَرَتْ فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ اخْرُجْ فَاهْرِقْهَا. فَهَرَقْتُهَا فَقَالُوا أَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ قُتِلَ فُلاَنٌ قُتِلَ فُلاَنٌ وَهِىَ فِي بُطُونِهِمْ – قَالَ فَلاَ أَدْرِى هُوَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ – فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (المائدة :93) ،
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُالله ورسوله، هو الداعي إلى رضوان الله، صلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛
أما بعد:
(٤)* فإن للمسكرات والمخدرات أضراراً عظيمة ومفاسد عديدة وأثاراً خطيرة: دينيةً واجتماعية واقتصادية وأمنية وصحية، لا تخفى على مَن نظر إلى المُبتَلين بعين البصيرة، وعرف أحوالهم ولاسيما المدمنين منهم.
– فمن أضرارها الدينية: ضعف الإيمان ، والصدّ عن ذكر الله والصلوات، والعبادات، وارتكاب الفواحش، وفعل الموبقات .
عن عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((لا يَشْرَبُ الْخَمْرَ رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِي فَيَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَلاةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا))، فالصلاة عليه واجبة، ولا تسقط عنه، ويلزمه فعلها؛ لكن من شديد عقوبة الله ألا يكون لها ثواب ولا قبول عند الله.
وفي سنن الترمذي بسند حسن (قَالَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ لَهُ صَلاَةً أَرْبَعِينَ صَبَاحًا فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَإِنْ عَادَ لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ لَهُ صَلاَةً أَرْبَعِينَ صَبَاحًا فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَإِنْ عَادَ لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ لَهُ صَلاَةً أَرْبَعِينَ صَبَاحًا فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَإِنْ عَادَ الرَّابِعَةَ لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ لَهُ صَلاَةً أَرْبَعِينَ صَبَاحًا فَإِنْ تَابَ لَمْ يَتُبِ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَقَاهُ مِنْ نَهْرِ الْخَبَالِ ». قِيلَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَا نَهْرُ الْخَبَالِ قَالَ نَهْرٌ مِنْ صَدِيدِ أَهْلِ النَّارِ )
و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ))] فنفى عنه كمال الإيمان، وهي بلا شكٍّ أن شربها ينقص الإيمان، وقد يذهب بدين الرجال.
ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مَنْ يقوم بصناعتها وبيعها وشُرْبها، ففي مسند أحمد وغيره : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَلَعَنَ شَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ وَآكِلَ ثَمَنِهَا ).
– ومن أضرارها الاجتماعية: حصول البغضاء والشحناء والتقاطع في البيوت والأسر، وحدوث الطلاق، فكم من بيوت تهدّمت وتشتت أطفالها بسببها، بل كانت سبباً لهتك الأعراض وبيع المحارم عافنا الله من ذلك.
قال الله تعالى : (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ) (المائدة 91 )،
– ومن أضرارها الاقتصادية: تبذير الأموال وتبديد الثروات، حيث ينفق المدمن على المسكر كل ما يملك حتى أثاث بيته بل يلجأ إلى الاستدانة والسرقة من أجل ذلك، وهي كذلك سبب لإتلاف الممتلكات والأموال العامة، بالإضافة إلى ما تنفقه الدول في معالجة المدمنين. روى المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (إن الله كره لكم ثلاثا : قيل وقال ، وإضاعة المال ، وكثرة السؤال) رواه البخاري (1407) ومسلم (593)
– ومن أضرارها الأمنية: حصولُ جرائم القتل وقطع الطريق، وترويع الآمنين، وكم قُتل من رجال مكافحة المخدرات وغيرهم بسبب هذه الآفة، بل وصلَ الحد ببعض مدمني المخدرات إلى قتل والديه أو أحدهما أو زوجته وأولاده كما حصل في وقائع كثيرة.
– ومن أضرارها الصحية: حصول الأمراض المتنوعة الجسدية والنفسية، حتى إن بعض المدمنين يفقد عقله تماماً، كما هو مشاهد في المصحات النفسية ودور الرعاية، وهناك أنواع من المخدرات تحتوي على مواد خطيرة تتلف المخ والأعصاب.وأكِّد رسول الله صلى الله عليه وسلم على مضارِّها على صحَّة الإنسان؛ ففي مسند أحمد (أَنَّ رَجُلاً يُقَالُ لَهُ سُوَيْدُ بْنُ طَارِقٍ سَأَلَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الْخَمْرِ فَنَهَاهُ عَنْهَا فَقَالَ إِنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ.
فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّهَا دَاءٌ وَلَيْسَتْ بِدَوَاءٍ » ،
وقد أثبتت الدراسات الطبِّيَّة الحديثة إصابة الذي يتناول الخمر بالعديد من الأمراض؛ مثل: مرض تليُّف الكبد؛ فالخمور تسبِّب تحطيمًا لخلايا الكبد، وتقوم بترسيب الدهون فيها، وكذلك تُصيب الجهاز الهضمي باضطرابات مختلفة؛ فيفقد الإنسان شهيَّته للطعام، ويُصاب بسوء التغذية ونقص الفيتامينات، كما تؤثِّر على الأعصاب، وعضلة القلب، والعناصر المكوِّنة للدم ،
وقد كشفت دراسة غربية حديثة أن نحو مليونين و500 ألف شخص يموتون سنوياً في العالم بسبب الخمور، وأن عدد الوفيات بسبب الكحول يفوق عدد ضحايا مرض الإيدز والملاريا والسِّل.
– وقد ورد الوعيدُ الشديد لمدمن المسكرات، فعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “كلُّ مسكرٍ حرام، إنّ على الله عزّ وجلّ عهدًا لمن يشرب المسكر أن يسقيَه من طينةِ الخبال”، قالوا: يا رسول الله، وما طينةُ الخبال؟ قال: “عَرقُ أهل النار” أو: “عصارة أهل النار” رواه مسلم.
وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – أن النبيّ صلي الله عليه وسلم قال: “كلُّ مسكرٍ خمرٌ، وكلّ مسكرٍ حرامٌ، ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يُدمنها لم يتُب لم يشربها في الآخرة” رواه مسلم.
فالجزاء من جنس العمل، فمن لم يحفظ حدود الله ولم يُعظِّم شعائر الله ، حرمه الله الثواب في الآخرة .
والسؤال : كيف نقاوم هذه الآفة؟؟ ، لابد أن نقاوم هذه الآفات بكل ما نستطيع، وبكل أجهزة الإعلام فتقاومها الصحافة والإذاعة والتلفزيون والمسجد والوعظ والشرطة والناس . فقدأصبحت المخدرات الآن جزءاً من الحرب الشرسة التي تشن على بلادنا .
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) متفق عليه.
جنبنا الله وإياكم الفتن ما ظهر منها و ما بطن ، وهدانا وإياكم إلي صراطه المستقيم .
هذا؛ وصلُّوا وسلِّموا -رحمكم الله- على إمام المرسلين وخيرِ الأُوَلين والآخرين، كما أمرَكم المولَى -عزّ وجل-،. فقال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]،
وقال -صلى الله عليه وسلم-: “من صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى الله عليه بها عشرًا”. أخرجه مُسلمٌ من حديث عبد الله بن عمرو بن العاصِ -رضي الله عنهما-.
اللهم صلِّ وسلم، وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد، صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر صحابة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وكرمك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واخذل الشرك والمشركين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين .
اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونفِّسْ كربَ المكروبين، واقضِ الدَّيْنَ عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم آتِ نفوسَنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها، أنتَ وليها ومولاها.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، سبحان ربنا رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.