تخبط السالك في رحلة البحث عن الشيخ (الجزء الثاني)
adminaswan
19 يناير، 2025
منوعات
55 زيارة

بقلم فضيلة الشيخ : مخلف العلي القادري الحذيفي
خادم الطريقة القادرية البريفكانية العلية
سلسلة دروس أمراض السالكين في الطريق إلى الله تعالى
الدرس الثاني: تخبط السالك في رحلة البحث عن الشيخ (الجزء الثاني)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأكملان على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علمًا وعملاً وفقهاً وإخلاصاً في الدين، وبعد:
مقدمة
أحبتي وإخوتي الكرام : تحدثنا في الدرس السابق عن أول الأمراض التي تصيب السالكين، وهو التخبط في البحث عن الشيخ المرشد، وأوضحنا أن هذا المرض يترتب عليه عشرة أمراض فرعية. وقد ناقشنا في الدرس الماضي خمسةً منها، واليوم نكمل الحديث عن بقية العلل، وهي:
1. فساد الاعتقاد في الشيخ المرشد، والمغالاة في ذلك، والجهل بصفاته.
2. البحث عن شيخ يتوافق مع هوى المريد لا مع شروط الإرشاد.
3. الجهل بأصول وقواعد السير إلى الله تعالى.
4. التعصب لطريقة معينة دون اعتبار كفاءة الشيخ.
5. التنقل بين الشيوخ والطُرق، معتقدًا أن الخلل في غيره.
سادسًا: فساد الاعتقاد في الشيخ المرشد والمغالاة في ذلك
أيها السالك : يجب أن تدرك أن الشيخ المرشد هو عبدٌ من عباد الله، هداه الله إلى طريقه، وهو مهما بلغ من المقام فهو في مرتبة الولاية، والولاية تتفاوت في درجاتها. لذا، احذر من المبالغة في اعتقادك بشأن الشيخ، ظنًا منك أن ذلك نوع من الأدب، أو أنه يجلب لك النفع.
إن أخطر ما يمكن أن يقع فيه السالك هو المغالاة في الشيخ، حتى يصل إلى حد اعتقاده بأنه معصوم، وهذا خطأ جسيم وفساد في العقيدة. فقد قال الشيخ عبد القادر الجيلاني، رحمه الله:
“يا ولدي، إياك أن تعتقد في شيخك العصمة، فإن العصمة للأنبياء فقط. فإن رأيت من شيخك مخالفة، فتأوَّلها له، فإن لم تجد لها تأويلاً، فاستغفر له، فإنه بشر يخطئ ويصيب.”
والمغالاة في الشيخ قد تجعل السالك يبحث عن شيخ معصوم، وهذا مستحيل، فيبقى تائهًا سنوات دون أن يجد مرشدًا. بل يكفي أن تبحث عن شيخ عارف بالله، متمسك بالشريعة، يوجهك بعمله قبل قوله.
في المقابل، هناك نوع آخر من السالكين الذين تساهلوا في الأدب مع المشايخ، حتى صاروا يتعاملون معهم كالأصدقاء، بل يتشرطون عليهم! وهذا خلل كبير يمنع السالك من الوصول. فقد قال أهل الله:
“ما وصل من وصل إلا بالأدب، وما خسر من خسر إلا بتركه.”
سابعًا: البحث عن شيخٍ يتوافق مع هوى المريد
لقد كان الشيخ أحمد القادري والد شيخنا عبيد الله القادري، من العلماء المشهورين في بلاد الشام، وكان معروفًا عند كبار العلماء، ومع ذلك لم يكن لديه سوى خمسة عشر مريدًا فقط، لأنه لم يكن يعطي الطريقة لأي شخص.
وكان يقول لمن يطلب منه السلوك: “يا ولدي، اذهب إلى أي نجار يفصِّل لك شيخًا على مقاس هواك!”
والمشكلة اليوم أن المريد يريد شيخًا يسير وفق رغبته، لا وفق منهج الطريق، يريد شيخًا يعطيه الأذكار التي يحبها، ويدخله الخلوة متى شاء، ويوافقه في كل شيء.
ولكن الحقيقة أن الشيخ المرشد يجب أن يخالف هوى المريد، ليهذّب نفسه، فإن وجدت شيخًا يوافقك في كل شيء، فاعلم أنه يغشك!.
ثامنًا: الجهل بأصول الطريق إلى الله
أيها السالك : اعلم أن الطريق إلى الله له أصول وقواعد مستمدة من الكتاب والسنة، وأهمها: الأدب، العبادة، العلم، وحسن الخلق.
وقد قال أهل الطريق: “إن لم تعطِ الطريقةَ كُلَّك، لن تعطيكَ جزءًا منها.”
فيجب على السالك معرفة الآداب التي تحكم العلاقة بينه وبين نفسه، إخوانه، شيخه، وربه.
وأوصي كل سالك بقراءة كتب القوم، وأخصّ منها:
“الأنوار القدسية” للشيخ الشعراني.
“الفتح الرباني” للشيخ عبد القادر الجيلاني.
“الرسالة القشيرية” للإمام القشيري.
“إحياء علوم الدين” للإمام الغزالي.
تاسعًا: التعصب لطريقة معينة والبحث عن شيخٍ من هذه الطريقة فقط
من الأخطاء الشائعة بين السالكين التمسك بطريقة معينة دون البحث عن الشيخ المؤهل.
فمثلاً، قد يكون هناك مريد يعشق الطريقة القادرية، فيبحث عن شيخ قادري فقط، حتى لو لم يكن هذا الشيخ مؤهلًا. بينما الصواب أن يبحث عن شيخٍ كَمُلَ في الإرشاد، بغض النظر عن طريقته.
فالطرق كلها موصلة إلى الله، ولكن ليس كل شيخ قادر على الإيصال.
عاشرًا: التنقل بين الشيوخ والطُرق
وهذا المرض من أخطر العلل، فتجد السالك يتنقل من شيخٍ إلى آخر، ومن طريقةٍ إلى أخرى، معتقدًا أن الخلل في غيره.
ولكن الحقيقة أن هذا السلوك يؤدي إلى:
1. عدم ثبات القلب، فيبقى المريد متذبذبًا.
2. اضطراب الأحوال الروحية، بسبب تبديل الأوراد والآداب.
3. سقوط المريد في العقوبة الروحية، لأنه ينقض العهد مع شيوخه.
لذلك، لا يجوز ترك الشيخ إلا بعذر شرعي، وإذا اضطررت لذلك، فالأدب يقتضي أن تستأذن الشيخ أولًا، حتى لا تنكث عهدك وتضيع البركة.
خاتمة
أيها السالك: إن الطريق إلى الله مبني على المجاهدة والتسليم، وليس على اتباع الهوى. فابحث عن الشيخ المرشد الذي يُرشدك بحاله قبل مقاله، ويدلك على الله بفعله قبل قوله.
ولا تغترّ بكثرة الأوراد والرؤى والمنامات، فالطريق كله أدب واتباع، وليس مجرد أحوال زائفة.
أسأل الله أن يوفقني وإياكم إلى سلوك طريقه القويم، وأن يجعلنا من عباده المخلصين.