خطبة بعنوان ( الإدمان ضياع للإنسان ) للدكتور محمد جاد قحيف
adminaswan
22 ديسمبر، 2024
خطب منبرية, د/ محمد جاد قحيف
95 زيارة
بقلم الدكتور : محمد جاد قحيف
من علماء الأزهر والأوقاف
خطبة الجمعة القادمة ..
الْحَمْدُ لِلَّهِ الذي كَرَّمَ الْإِنْسَانَ بِالْعَقْلِ، وَشَرَّفَهُ بِالعلم والْعِبَادَةِ، وَكَلَّفَهُ بِحَمْلِ الْأَمَانَةِ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب الأرض والسماوات ، أحلَّ لعباده الطيبات، وحرَّم عليهم الخبائث والمحرمات ، وأشهد أن محمداً عبدُه ورسوله،
نبي الهدى والمكرمات ، سيد الأنام، وبدر التمام، ومسك الختام ، ومصباح الظلام ، حطم الله به الأصنام، وأظهر به الشريعة وأبان الأحكام وحرم الآثام، صلى الله وسلم وبارك على آله وصحبه الكرام السادة الأئمة الأعلام، والتابعين ومن تبعهم بإحسان على الدوام ..
أما بعد:
فلقد اهتم دين الإسلام بالعقل البشري ، وحافظ عليه محافظة شديدة، واعتنى به اعتناء عظيمًا؛لما فيه من مصالح العباد في المعاش والمعاد ، فكان العقل من الكليات الخمس التي اتفقت الشرائع السماوية على حفظها، وهي الدين والنفس والمال والعرض والعقل؛ وذلك لأن العقل موضع استقامة دنيا الإنسان ودينه..
يقول الإمام الغزالي -رحمه الله-: “ومقصودُ الشرعِ من الخَلْق خمسة؛ وهو أن يَحفظ عليهم دِينهم، ونفسَهم، وعَقلَهم ونَسلَهم ومالَهم، فكلُّ ما يتضمَّن حفظَ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكلُّ ما يُفوِّت هذه الأصولَ فهو مفسدةٌ، ودفعُه مصلحةٌ”..
العنصر الأول : حرمة الخمر والمخدرات ..
فقد حرم دين الإسلام كل ما يؤدي إلى الإخلال بالعقل وزواله كليا أو جزئيا، وذلك من خلال تحريم المسكرات والمخدرات التي تغيب العقل وتعطله، وربما تؤدي إلى زواله بشكل نهائي بموت صاحبه أو جنونه في بعض الحالات..
قال تعالى: (ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنصَابُ وَالأزْلاَمُ رِجْسٌ مّنْ عَمَلِ الشَّيْطَـانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَـانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِى الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَوةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ) المائدة/٩١/٩٠.
و المخدرات تشارك الخمر في الإسكار، وتزيد عليها في كثرة الأضرار ، ومما اتفق عليه أهل الطب والاختصاص أن المخدرات بأنواعها شر من الخمر، وضررها على النفس والعقل والمال أكبر وأبين ، وأكَّدَتْها تجاربُ المجتمعات ..
والمسكرات و المخدرات رأس الفتن والشرور، وكبيرةٌ من كبائر الذنوب، متعاطيها معِّرضٌ نفسه لوعيد الله ولعنته وغضبه، المدمن مفسد لدينه وبدنه، وأسرته ومجتمعه، ساع إلى الإثم والعدوان، صائل متمرد على الأخلاق والقيم، وهو عضو مسموم في المجتمع، إذا استفحل أمره وتطاير شرره، أصابه بالخراب والدمار، ومتى غاب عقل المدمن؛ نسي ربه، فترك الصلاة ، فعندها لا يتورع عن القتل، والزنى، والخطف، بل وحتى الوقوع على محارمه، -والعياذُ بالله ـ
إنها المخدرات، أصل كل بلية، وأساس كل رذيلة ، ومفتاح كل شر، رجس من عمل الشيطان، توقع العداوة والبغضاء، وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة ..
والمخدرات تهتك الأستار، وتظهر الأسرار، وتدخل صاحبها في دائرة الفجار، خطيئة لها ما بعدها من الانحراف والخطايا..وبوابة الهلاك؛ فكم حصل بسببها من سفك للدماء المعصومة، وإتلاف للأموال الخاصة والعامة، وانتهاك للأعراض المصونة حتى على المحارم، وكم قضت على طاقات نافعة وعقول ناضجة، وأشقَتْ من أسر سعيدة، وكم أذلت من عزيز، وأفقرت من غني، وأهانت من كريم، وصغرت من عظيم، وأمرضت من صحيح، وفرقت بين الأقارب والأحبة والأصدقاء..
إن المسكرات إهلاك للفرد والمجتمع في مجالات شتى: إهلاك ديني، و أخلاقي، واقتصادي، و صحي ونفسي..
فعن عثمانَ بنِ عفانَ رضي الله عنه قال : “اجتنِبوا الخمرَ فإنها أمُّ الخبائثَ”. (أخرجه النسائي وسنده صحيح) .
وقال صلى الله عليه و سلم: (كلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وكُلُّ مُسْكِرٍ حَرامٌ ).
إن حرمة المُسْكراتِ مِن أشدِّ الحرماتِ الَّتي حذَّر منها الإسلامُ؛ لَمَّا فيها من ذهاب العقلَ الَّذي هو مناطُ تكليفِ بني آدَمَ (الدرر السنية)..
وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
« إِنَّ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: «عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ» أَوْ «عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ» أخرجه الإمام مُسْلِمٌ. أَيْ: قَيْحُ وَصَدِيدُ وَدِمَاءُ أَجْسَادِ أَهْلِ النَّارِ.. اللهم سلم يارب العالمين..
وعن أم سلمة -رضي الله عنها- أنها قالت: “نَهى رسولُ اللهِ عن كل مُسكِرٍ ومُفَتِّرٍ”. (أخرجه السيوطي في الجامع الصغير وسنده صحيح).
وقد تحدث الناس عن أضرارها ووجوب تجنبها على اختلاف أديانهم وتخصصاتهم العلمية..
والمخدرات أعظم ضرراً من الخمر؛ فهي محرمة أشدَّ التحريم، ومفاسدها كثيرة؛ منها ما عرفه الناس، ومنها ما لم يُعرف بعد.
والمخدرات – بجميع أنواعها- حرمها الله وحرمها رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ سواء كانت نباتاً، أو حبوباً، أو مطعوماً، أو مشروباً، أو استنشاقاً، أو إبراً أو غير ذلك..
فالمخدرات بجميع أحوالها شددت الشريعة في الزجر عنها وتحريمها؛ لما فيها من الأضرار والتدمير، وقد نادى عقلاء العالم بإنقاذ المجتمعات من وَيْلات المخدرات؛ لما شاهدوا من الكوارث.
ومن أشهر أصناف المخدرات البانجو والحشيش ، وقد أكد العلماء الثقات على حرمة تناول الحشيش والبانجو وغيرهما من المواد المخدرة .. وبخصوص الحشيشة قال ابن تيمية: ” أول ما ظهرت في آخر المئة السادسة من الهجرة حين ظهرت دولة التتار، وهي من أعظم المنكر وشرٌّ من الخمر في بعض الوجوه؛ لأنها تورث نشوة ولذة وطرباً كالخمر، ويصعب الفطام عنها أكثر من الخمر …
إن الحشيشة حرامٌ يحدُّ متناولها كما يُحَدُّ شارب الخمر، وهي أخبث من الخمر من جهة انها تفسد العقل والمزاج، حتى يصير في الرجل تَخَنُّثٌ ودِياثة وغير ذلك من الفساد، وإنها تصد عن ذكر الله “[مجموع الفتاوى ]..
وإن كان هناك من يشكك في حرمة المخدرات، فنقول له: إن الله أحل لنا الطيبات وحرم علينا الخبائث، فيا ترى تحت أي منها تندرج المخدرات؟ فإذا لم تندرج تحت الطيبات فإنها تندرج تحت الخبائث. والخبائث لا تحتاج إلى دليل من الشرع حتى يحرمها، بل بالعقل والفطرة يدرك الإنسان ما يضره ولا ينفعه ..
قال الحسن البصريّ -رحمه الله-: “لو كان العقلُ يُشترى لتغالى الناسُ في ثمنه، والعَجَب ممَّن يشتري بماله ما يُفسِد عقلَه”..
وبهذا يظهر اهتمام الإسلام بحفظ العقل من خلال تشريعات تحفظ العقل من التعطيل والانحراف، وتحريم ما يفسد العقل حسياً ونفسيا ..
العنصر الثاني : أسباب ظاهرة الإدمان ..
لِكُلِّ ظاهرة متفشية أَسْبَابُهَا؛ وَأَسْبَابُ انْتِشَارِ الْمُخَدِّرَاتِ فِي مُجْتَمَعَاتِ الْمُسْلِمِينَ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا:
أولا: اسْتِهْدَافُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قِبَلِ أَعْدَاءِ اللهِ -تَعَالَى-، وَأَوَّلُ مَا يَسْتَهْدِفُونَ الْأَخْلَاقُ ، وَأَوَّلُ مَنْ يُسْتَهْدَفُ هُمُ الشَّبَابُ، فَإِذَا فَسَدَ الشَّبَابُ وَسُلِبَ عَقْلُهُ وَإِرَادَتُهُ؛ أَصْبَحَتِ الْأُمَّةُ ضَعِيفَةً لَا تَقْوَى عَلَى مُوَاجَهَةِ أَعْدَائِهَا ..
قَالَ أَحَدُ قَادَةِ الْمَاسُونِيَّةِ: مِنْ بُرُوتُوكُولِ الصَّهَايِنَةِ: “كَأْسٌ وَغَانِيَةٌ يَفْعَلَانِ فِي الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ مَا لَا يَفْعَلُهُ أَلْفُ مِدْفَعٍ”!. وهذا من أهم أسرار غياب الأمة عن قضاياها ، وتحكم أعدائها في مصائرها ..
ثَانِيًا: الرُّفْقَةُ السَّيِّئَةُ؛ فَمُدْمِنُ الْمُخَدِّرَاتِ يُؤَثِّرُ عَلَى مَنْ حَوْلَهُ، وَيُسْقِطُهُمْ فِي شِرَاكِ هَذِهِ الْآفَةِ ، وَتُجَّارُ هَذِهِ السُّمُومِ يُرِيدُونَ مَزِيدًا مِنَ الْمُتَعَاطِينَ ، وَكُلُّ صَاحِبٍ يَسْحَبُ صَاحِبَهُ إِلَى هَذَا الْمُسْتَنْقَعِ ، وَ”الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ”(رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِي).
ثَالِثًا: وَسَائِلُ الْإِعْلَامِ؛ فَالْمُسَلْسَلَاتُ وَالْأَفْلَامُ تَعْمَلُ لَيْلَ نَهَارَ عَلَى تَدْمِيرِ الْقِيَمِ وَفَسَادِ الْأَخْلَاقِ، وَأَغْلَبُ مَنُ هُوَ فِي هَذِهِ الصِّنَاعَةِ الْخَبِيثَةِ مُتَعَاطُونَ لِهَذِهِ الْمُسْكِرَاتِ ،فَيُظْهِرُونَهَا كَأَنَّهَا الْحَلُّ الْأَمْثَلُ لِلتَّخَلُّصِ مِنَ الْهُمُومِ وَالْمُشْكِلَاتِ، ونسيانها ، أَوْ تُظْهِرُ أَصْحَابَهَا بِأَنَّهُمْ أَبْطَالٌ ، وَكَثِيرًا مَا تُظْهِرُ هَذِهِ الْأَفْلَامُ أَنَّهَا مُحَارِبَةٌ لِهَذِهِ الْآفَةِ، لَكِنْ تُعَلِّمُ بِصُورَةٍ غَيْرِ مُبَاشِرَةٍ عَلَى كَيْفِيَّةِ التَّعَاطِي وَتَهْرِيبِ الْمُخَدِّرَاتِ وَبَيْعِهَا، وَبَعْضُ الشَّبَابِ يُقَلِّدُ كُلَّ مَا يَرَاهُ..
رَابِعًا: التَّفَكُّكُ الْأُسَرِيُّ ، الْبِيئَةُ السَّيِّئَةُ ، فَقَدْ أَكَّدَتِ الدِّرَاسَاتُ الْمُتَعَدِّدَةُ أَنَّ الْأُسَرَ الَّتِي تُعَانِي عَدَمَ الِاسْتِقْرَارِ فِي الْعَلَاقَاتِ الزَّوْجِيَّةِ ، وَارْتِفَاعَ نِسْبَةِ الْهَجْرِ وَالطَّلَاقِ، هِيَ الْبِيئَةُ الْمُنَاسِبَةُ الَّتِي يَتَرَعْرَعُ فِيهَا مُتَعَاطُو الْمُخَدِّرَات ..
والْمَنْطِقَةُ الْمَوْبُوءَةُ بِهَذِهِ الْآفَةِ تَكُونُ أَرْضًا خصْبَةً لِوُقُوعِ مَزِيدٍ مِنَ الشَّبَابِ فيِ شِبَاكِهَا؛ وَفِي قِصَّةِ قَاتِلِ الْمِائَةِ نَفْسٍ أَمَرَهُ الْعَالِمُ أَنْ يَغُيِّرَ بِيئَتَهُ؛ فَقَالَ: “انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا؛ فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللهَ -تَعَالَى-، فَاعْبُدِ اللهَ مَعَهُمْ، وَلاَ تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ؛ فَإِنَّهَا أَرْضُ سُوءٍ”(مُتَّفَقٌ عَلَيْه).
فمَا يُعَانِيهِ بَعْضُ الشَّبَابِ مِنْ مُشْكِلَاتٍ أُسَرِيَّةٍ أَوْ وَظِيفِيَّةٍ أَوْ دِرَاسِيَّةٍ، مَعَ الْفَرَاغِ وَالْغِنَى وَضَعْفِ الْوَازِعِ الدِّينِيِّ وَغِيَابِ الْقُدْوَةِ، وَضَعْفِ التَّوْجِيهِ؛ قَدْ يُسْقِطُ الشَّابَّ فِي وَحْلِ هَذِهِ الْآفَةِ.
إِنَّ الشَّبَابَ وَالْفَرَاغَ وَالْجِدَهْ *** مَفْسَدَةٌ لِلْمَرْءِ أَيُّ مَفْسَدَه .. هذه بعض أسباب انتشار ظاهرة الإدمان في هذا الزمان ..
العنصر الثالث : مضار إدمان الخمر والمخدِّرات..
لا شك في أنها آفةٌ خطيرةٌ، وسلاحٌ فتّاك يستهدف الأفراد والمجتمعات، وبه تضيع عقول، وتُهدَر أموال، وتتردَّى أخلاق، وأشد صرعى هذه الآفة هم الشباب والفتيات الذين هم هدف أعداء الأمة ..
المخدرات آفةٌ تبدأ بحب الاستطلاع ومِن ثَمَّ التعاطي، ثم تنتقل إلى الإدمان، وبما أن التعاطي ينتقل إلى الشخص من خلال رفقاء السوء، فإن على الشباب أن يحذروا من مرافقة أهل السوء ..
إن ضرر الخمر والمخدرات على متعاطيها وعلى المجتمع كثير لا يمكن حصرها ، فمن أضرارها :
١-فِقْدَانُ الْعَقْلِ،-والعقل هو ميزة الإنسان عن البهائم-، ومن ذهب عقله أقدم على الجرائم وتخلى عن الفضائل. فَيُصْبِحُ الْإِنْسَانُ فَرِيسَةً لِلْأَوْهَامِ، وَيُؤَدِّي بِهِ ذَلِكَ إِلَى الِانْطِوَائِيَّةِ وَالْعُزْلَةِ عَنِ الْأُسْرَةِ وَالْأَصْحَابِ.
وَيُسَهِّلُ عَلَيْهِ ارْتِكَابَ الْجَرَائِمِ، وَكَمْ مِنْ مَأْسَاةٍ حَدَثَتْ دَاخِلَ أُسْرَةٍ بِسَبَبِ مُدْمِنٍ فَقَدَ عَقْلَهُ؛ فَارْتَكَبَ الْمُوبِقَاتِ؛ فَلَا وَازِعَ دِينِيٌّ، وَلَا رَادِعَ أَخْلَاقِيٌّ!.
قال الشاعر : شَرِبْتُ الخمر حَتّى ضَلَّ عَقْلِي كَذاكَ الخمر تَذْهَبُ بِالعُقُولِ.
وتأثير إدمان الخمر والمخدرات على العقل يؤدي أيضاً إلى السفه في التصرف؛ فيفعل ما يضره ويترك ما ينفعه..
كما يؤدي إلى فساد التدبير؛ فيفقد الفكر الصحيح والرأي السديد، ويحجب عن عواقب الأمور، ولا ينظر إلا إلى لذة الساعة التي هو فيها؛ وإن كان فيها هلاكُه وضرره وحتفه.
٢- تدهور الصحة وتبديدها ..
من أخطر مضار الخمر والمخدرات تدهور الصحة العامة وتبديدها ، والوقوعُ في أمراض مستعصية تُسلِم صاحبها إلى الموت ، وبالتالي قِصرُ العمر؛ لما تسببه من تدمير لأجهزة البدن، ولما يعتري صاحبَها من الهموم والاكتئاب.
و ضَعْفُ مَنَاعَةِ الْجِسْمِ؛ فَالْجِهَازُ الْمَنَاعِيُّ لِلْمُدْمِنِ ضَعِيفٌ جِدًّا، يُصْبِحُ فَرِيسَةً لِلْأَمْرَاضِ ،فَقَدْ دَمَّرَتِ السُّمُومُ وَسَائِلَ الدِّفَاعِ الطَّبِيعِيَّةَ فِي دَمِهِ، وَقَدْ تَنْتَقِلُ إِلَيْهِ الْأَمْرَاضُ الْخَطِيرَةُ مِنْ جَرَّاءِ تَبَادُلِ وَسَائِلِ التَّعَاطِي، وَالْعَدْوَى بِالْأَمْرَاضِ الْجِنْسِيَّةِ كَبِيرَةٌ جِدًّا بَيْنَ مُدْمِنِي الْمُخَدِّرَاتِ.
٣-استنزاف المال .. تَسْتَنْزِفُ الْمُخَدِّرَاتُ الْمَالَ، ويبدد الْمُدْمِنُ ماله عَلَى هَذِهِ الْآفَةِ ، فينفق مَا يَمْلِكُ، وَقَدْ يَضْطَرُّ إِلَى بَيْعِ مَا لَدَيْهِ؛ فَهِيَ خَرَابٌ لِلْبُيُوتِ الْعَامِرَةِ، تَجْعَلُهُمْ يَعِيشُونَ الْفَقْرَ وَالْحِرْمَانَ، وَكَثِيرًا مَا يَشِحُّ مُتَعَاطِي الْمُخَدِّرَاتِ عَلَى أُسْرَتِهِ؛ لِيَصْرِفَ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْمُحَرَّمَاتِ.
لَا تَبْكِ مَنْ قُتِلُوا وَلَا مَنْ جَاعُوا *** وَابْكِ الْأُلَى بِخُطَى الْمُخَدِّرِ ضَاعُوا
بِئْسَ امْرءًا يَشْرِي مُدَمِّرَ جِسْمِهِ *** وَلَبِئْسَ مَنْ صَنَعُوا لَهُ أَوْ باعوا ..
٤-انهيار القيم الأخلاقية..
إن انْتِشَار الْمُخَدِّرَاتِ سَبَبٌ لِكَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرَاضِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ؛ كَالرَّشْوَةِ وَالسَّرِقَةِ وَالِاعْتِدَاءِ، إِضَافَةً إِلَى الِانْحِرَافَاتِ الْخُلُقِيَّةِ الْأَخْلَاقِيَّةِ الَّتِي تُرافِقُهَا وَتُعَكِّرُ صَفْوَ الْمُجْتَمَعِ وَاسْتِقْرَارَهُ، الْخِيَانَةُ وَالدَّعَارَةُ وَالْفَوَاحِشُ والمنكرات ، وَغَيْرُهَا مِنَ الْأَسْقَامِ الَّتِي إِنْ تَفَشَّتْ فِي مُجْتَمَعٍ انْهَارَ لَا مَحَالَةَ.
وعلى رأس القيم الأخلاقية الأمانة ، فلا يؤمن على مصلحة عامة ، ولا على أموال ، ولا على عمل، ولا يؤمن حتى على محارمه وأسرته؛ لأن المخدرات قد أفسدت عليه إنسانيته ..
وَإِنَّ الْمُجْتَمَعَ الَّذِي يَقَعُ فَرِيسَةً لِلْإِدْمَانِ يَدُقُّ آخِرَ مِسْمَارٍ فِي قيمه و بُنْيَانِهِ الْأَخْلَاقِيِّ؛ لِأَنَّهُ سَيَكُونُ مُجْتَمَعًا بِلَا وَعْيٍ وَلَا اسْتِقْرَارٍ؛ فَالْمُخَدِّرَاتُ تُقَوِّضُ أَخْلَاقَ الْأُمَّةِ ، وَتُمَزِّقُ تَرَابُطَهَا، وَتَهُزُّ اقْتِصَادَهَا ، وَتَسْتَهْدِفُ أَجْيَالَهَا وَتُدَمِّرُهَا مِنَ الدَّاخِلِ تَدْرِيجِيًّا.
٥- الضياع الأسري والمجتمعي
إِنَّ أُسْرَةَ مُدْمِنِ الْمُخَدِّرَاتِ يَسُودُهَا التَّوَتُّرُ وَالْمَشَاكِلُ، وَقَدْ أَثْبَتَتِ الدِّرَاسَاتُ عَنِ ارْتِفَاعِ مُعَدَّلَاتِ سُوءِ الْعَلَاقَاتِ الزَّوْجِيَّةِ، وَالنِّزَاعِ الدَّائِمِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَانْفِصَالِهِمَا، وَالتَّشَتُّتِ وَالتَّفَكُّكِ الْأُسَرِيِّ فِي الْأُسَرِ الَّتِي يُوجَدُ بِهَا مُدْمِنُو مُخَدِّرات ..
تَصَوَّرْ أَبًا مُدْمِنًا لِلْمُخَدِّرَاتِ كَيْفَ سَتَكُونُ حَالُ الْأُسْرَةِ؟ ضَيَاعٌ، شَتَاتٌ ،تَفَكُّكٌ انْحِلَالٌ؛ فَعَائِلُ الْأُسْرَةِ وَالْقَائِمُ عَلَيْهَا هُوَ الْحَاضِرُ الْغَائِبُ، عَاجِزٌ عَنِ الْقِيَامِ بِوَاجِبَاتِهِ الزَّوْجِيَّةِ وَالْأُسَرِيَّةِ، وَلَوِ احْتَاجَ لتَعَاطِي سُمُومِهِ لَمَا امْتَنَعَ عَنْ سَرِقَةِ مَالِ زَوْجَتِهِ ،
أَوْ إِيذَاءِ أَبْنَائِهِ؛ فَالْمخَدِّرَاتُ هِيَ الَّتِي تُسَيِّرُهُ بَعْدَ أَنْ سَلَبَتْ عَقْلَهُ وَوَعْيَه..
إنها دمار ساحق ، ووبال ماحق ، وموتٌ بطيء ، فكم خربت المخدرات من بيوت كانت بأهلها عامرة ، وكم شتت من أسر وعائلات كانت ملتئمة آمنة.
هذا فضلاً عن المضار الدينية ..
قَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: “إِنَّهُ -وَاللهِ- لَا يَجْتَمِعُ الْإِيمَانُ وَالْخَمْرُ فِي قَلْبِ رَجُلٍ؛ إِلَّا يُوشِكُ أَحَدُهُمَا أَنْ يَذْهَبَ بِالْآخَرِ”(رَوَاهُ النَّسَائِيُّ).
قال الله -تعالى-: (وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ )الزخرف: ٣٧/٣٦.
ومن أخطر آثارها الدينية ثقل الطاعة وكراهيتها وبغضها، وكراهية الصالحين وبغضهم وعدم مجالستهم، والبعد عن مجالس الذكر ومواطن العبادة، وإلف المعاصي والجرائم، ومصاحبة الأشرار ومودتهم.
وحلولُ اللعنة على كل من له بها صلة في المجتمع..
عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: “لعَنَ اللهُ الخمرَ وشاربَها وساقيَها، وبائعَها ومُبتاعَها، وعاصرَها ومُعتصرَها، وحاملَها والمحمولَةَ إليه” أخرجه أبو داود ..
و بسبب الإدمان والمعاصي تتنزل العقوبات والفتن.. قال تعالى-: (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) الأنفال/25.
لِذَا أَجْمَعَتِ الْأُمَمُ كُلُّهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ عَلَى خُطُورَتِهَا عَلَى الْأَفْرَادِ وَالْمُجْتَمَعَاتِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى حَرْبِهَا وَمُكَافَحَتِهَا، حَتَّى قِيلَ: إِنَّ خَطَرَ الْمُخَدِّرَاتِ وَتَأْثِيرَهَا الْمُدَمِّرَ، أَشَدُّ فَتْكًا مِنَ الْحُرُوب الَّتِي تَأْكُلُ الْأَخْضَرَ وَالْيَابِسَ وَتُدَمِّرُ الْحَضَارَاتِ، وَتَقْضِي عَلَى الْقُدُرَاتِ وَتُعَطِّلُ الطَّاقَاتِ.
قصص ومآسي المدمنين
أثبتتِ الإحصاءاتُ أنَّ أكثرَ من أربعين بالمائة من القضايا الجنائية وستين بالمائة من الجرائم المجتمعيَّة سببُها المخدراتُ والعياذ بالله..
وإني والله لا أحب أن أذكر لكم أحداثا مؤلمة وقصصا مفجعة ولكني أجد نفسي مضطرا لأذكر لكم اليسير منها لأشعركم بمدى خطورة هذه المخدرات على شبابنا ومجتمعنا ..
فبِسَبَبِهَا هُتِكَتْ أَعْرَاضٌ! وَوَقَعَ بَعْضُ الْأُخْوَةِ عِلَى أَخَوَاتِهِمْ، وَتَحَرَّشَ بَعْضُ الْآبَاءِ بِبَنَاتِهِمْ، وَقَتَلَ بِسَبَبِهَا الْأَخُ أَخَاهُ، ونَحَرَ – كَمَا تُنْحَرُ النِّعَاجُ- وَالِدَيْهِ، وَرَفَعَ السِّلَاحَ عَلَى زَوْجَتَهُ، وَرَوَّعَ أَوْلَادَهُ، وَأَشْعَلَ النَّارَ فِي جَسَدِهِ. مَشَاهِدٌ مُرَوِّعَةٌ مُتَكَرِّرَةٌ، لَا تَنْقَطِعُ أَخْبَارُهَا، فِي غَالِبِ دُوُلِ الْمَعْمُورَةِ، وَلَا حَوْلَ، وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ.
أما بلغكم خبر المدمن الذي ذبح ثلاثة من أطفاله في العام الماضي ولا حول ولا قوة إلا بالله ..
أوما قرأتم في الصحف خبر مدمن قام برمي أمه من الدور الثامن ومدمن آخر يقتل والده ذا التسعين من عمره وهو قائم يصلي .. وآخر يحرق زوجته واثنين من أطفاله وهو ينظر إليه وهم يضطربون ويستمع إليهم وهم يصطرخون، وينتهي به المطاف إلى مستشفى الأمراض النفسية ، والله إن هذه الحوادث المفجعة ليست من نسج الخيال لترهيبكم من خطورة هذا الداء العضال..
وصفحات الحوادث تعج بالمآسي والفواجع التي يندى لها الجبين !!.
إنها حوادث مؤلمة ،ومآسي محزنة ، تدمي القلوب قبل العيون، وتفتت الأكباد ..
فهذه الحوادث وغيرها كثير من آثار المخدِّرات على أمن الأمة، فقد أثبتت الدراسات الأمنية، وجودَ رابطةٍ قويةٍ بين متعاطي المخدراتِ وأصحاب الجرائم، جرائم السلب، والقتل، والاغتصاب، والسطو، من أجل ماذا؟ من اجل الحصول على المخدرات، فالمدمن لا يتورع عن ارتكاب أي جريمة، من أجل الحصول على هذه المخدرات.
كما أثبتت الدراساتُ كذلك، أن نسبة كبيرة من حوادث السيارات، التي يذهب بسببها الأبرياء وتُخَلِّفُ ورائها العديد من الماسي، يرجع السبب في وقوعها إلى استعمال السائقين للمخدرات والمسكرات، حيث تُسَبِّبُ لهم الرعونة والتهور.
وعلى الذين يظنون أن ذلك ضرب من المبالغة والتهويل، عليهم أن يتعرفوا على من يملئون السجون، ومن يعرض في المحاكم، ومن يعالج في المستشفيات النفسية، وعليهم أن يراجعوا الجهات المعينة، ويقرءوا الإحصاءاتِ التي تهدد البشرية، فكم من ملايين الحبوب والمخدرات تُجْلَبُ يومياً للفَتْكِ بأجيال المسلمين!؟.
وكلما زادت ظاهرةُ استعمال المخدِّرات في مجتمع من المجتمعات، ارتفعت معدلاتُ الجرائم الأمنية والأخلاقية ..
لهذا كله ؛ فالمخدرات يزرعها ويصنعها ويصدرها شياطين الإنس؛ ليحققوا مقصدين يسعون لهما:
المقصد الأول: إفساد المجتمعات حتى لا يفكر متعاطي المخدرات إلا بما تهتم به البهائم، وإذا فشى في المجتمع المخدرات فلم تحارب فقد تُوُدِّع منها.
المقصد الثاني: كسب المال الحرام -وبئس الكسب-؛ فالمال المكتسب من المخدرات والمسكرات لا خيرَ ولا بركةَ فيه.
العنصر الرابع : إلف المعاصي والذنوب من أخطر أنواع الإدمان ..
من العباد مدمن خمر، ومدمن مخدرات ، ومنهم مدمن دخان، ومنهم مدمن غيبة، وكذب، ومنهم مدمن حسد، ومنهم مدمن التكاسل عن الصلاة، ومنهم مدمن نظر محرم، وسماع محرم، ومنهم ، ومنهم …
إن إدمان الذنوب له آثاره السيئة المتنوعة، فمن أضراره المُرَّة: ظلمة وقسوة يجدها العاصي في قلبه؛ ففي الحديث عند مسلم: ” تُعرَضُ الفتنُ علَى القلوبِ كالحصيرِ عودًا عودًا، فأيُّ قلبٍ أُشرِبَها نُكِتَ فيهِ نُكتةٌ سَوداءُ، وأيُّ قلبٍ أنكرَها نُكِتَ فيهِ نُكتةٌ بَيضاءُ حتَّى تصيرَ علَى قلبَينِ: علَى أبيضَ مِثلِ الصَّفا، فلا تضرُّهُ فتنةٌ ما دامتِ السَّماواتُ والأرضُ، والآخرُ أسوَدُ مُربادًّا كالكوزِ مُجَخِّيًا، لا يعرِفُ معروفًا، ولا ينكرُ مُنكرًا، إلَّا ما أُشرِبَ مِن هواهُ”.
ومن آثار إدمان الذنوب: أن المعاصي يجر بعضها لبعض، ويولِّد بعضها بعضا، والله -سبحانه- قد نهانا عن اتباع خطوات الشيطان، والمعاصي خطوات له.
ومن ثمار إدمان المعاصي: إلف الذنب حتى يصير عادة، يقول ابن القيم: “حتى إن كثيرا من الفساق ليواقع المعصية من غير لذة يجدها، ولا داعية إليها، إلا لما يجد من الألم بمفارقتها” ا. هـ .
ومن آثار كثرة المعاصي: أنها إذا تكاثرت طبعت على قلب صاحبها، فكان من الغافلين؛ ففي الحديث الذي رواه الإمام الترمذي وحسنه : “إنَّ المؤمنَ إذا أذنبَ نكت في قلبه نكتةٌ سوداءُ ، فإن تاب ونزع واستغفرَ صقلَ قلبُه، فإن زاد زادت، فذلك الرَّانُ الذي ذكرَه اللهُ في كتابِه: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ)[المطففين:14]”.
قال الحسن: “هو الذنب على الذنب، حتى يعمى القلب” ا. هـ.
ويكفي أن إدمان المعاصي من أسباب سخط الله، وعقابه في الدنيا، وفي القبر، ويوم القيامة.
رأيت الذنوب تميت القلوب ***وقد يورثُ الذلَ إدمانُها
وترك الذنوبِ حياةُ القلوب *** وخيرٌ لنفسك عصيانها
ومن أراد الاستزادة في هذا الموضوع، فليرجع إلى كتاب: “الداء والدواء” لابن القيم -رحمه الله-..
إن إدمان الذنوب يستوجب منا مراجعة لحالنا، ومحاسبة لأنفسنا.
خاصة ونحن مقبلين على أيام طيبة وأشهر مباركة فاللهم بلغنا شهر رجب وشعبان ورمضان ..
وختاما:
فالْمُخَدِّرَاتُ والإدمان كُلُّهَا ضياع ،
و شَرٌّ وَبَلَاءٌ، لَيْسَ فِيهَا نَفْعٌ وَلَا فَائِدَةٌ؛ إِذْهَابٌ لِلْعَقْلِ، تَدْمِيرٌ لِلصِّحَّةِ، ضَيَاعٌ لِلْمَالِ، تفكك أسري ومجتمعي ، فلَا تَتَوَقَّفُ آثَارُ الْمُخَدِّرَاتِ ، فِي الْمُدْمِنِ وَأُسْرَتِهِ ،بَلْ تَعُمُّ الْمُجْتَمَعَ كُلَّهُ، وَاللهُ -تَعَالَى- حِينَ ذَكَرَ الْخَمْرَ بَيَّنَ حِكْمَةَ تَحْرِيمِهَا؛ فَقَالَ جل جلاله:
(إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ)
[المائدة: 91].
وإن واجب الأمة الديني والأخلاقي والوطني التَّصَدِّي لمروِّجي هذه السموم الخطيرة..
ولكل من فئات المجتمع دوره في محاربة هذه الظاهرة المفسدة للأفراد والمجتمعات ، فدور الحكومات الإنذار بالعقوبات ، بمَنْ يَسعوَنْ فسادًا في المجتمعات ،|
من المهرِّبين والمهربات ،
وإظهارِ سوء صنيعهم، وإقامةِ حُكمِ اللهِ فيهم، والضرب على أيديهم بيد من حديد، وعدم التهاون معهم؛ لأنهم يهدمون بناء المجتمع ..
وكذلك المسؤولية تقع على عاتق العلماء، والدعاة، وأهل التربية والفِكْر والإعلام، وحَمَلةِ الأقلام، فكلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته ..
ومن هنا يجب تحصين شباب الأمة، وحراستهم من المؤثِّرات السلبيَّة والعقليَّة التي قد تجذبهم إلى هذه المسالك المرذولة وإدمانها..
إننا لا يمكن أن نقي أبنائنا وبناتنا مخاطر الفتن والمخدرات بتركنا لهم الحبل على غاربه يفعلون ما يريدون ويرتكبون ما يشتهون دون رقيب أو حسيب .
ولكي نصل إلى مجتمع بلا مخدرات وبلا مدمنين يجب على الجميع التكاتف والتعاون من أجل القضاء على هذه الظاهرة الخطيرة، من خلال التعاون بين فئات المجتمع ومؤسساته ،
البيت، والأسرة، والأبوين، والمدرسة، والمسجد، والإعلام ، وجميع قنوات التربية ..
وإن بعض الشباب في البداية لا يعرفون معنى المخدرات، لكنّهم ينحرفون شيئاً فشيئاً إذا عاشروا قرناء السوء، ويصل بهم الحال في نهاية المطاف إلى أن يعتزلوا أهلهم ووالديهم ومجتمعهم ، نتيجة تعاطيهم المخدرات.
اللهم باعد بيننا وبين الحرام كما باعدت بين المشرق والمغرب ، واغننا بحلالك عن حرامك واكفنا بفضلك عمن سواك..
كما نسأله سبحانه أن يحفظ شبابنا وعقولهم من شر الإدمان والمخدرات ، وينيرها بأنوار الهداية، وأن يصرف عنها أسباب الانحراف والغواية.وأن يحفظ مصر وسائر بلاد المسلمين وأن يحقن دماء المسلمين في كل مكان يارب العالمين.