بقلم / الكاتب والداعية الاسلامى
الاستاذ الدكتور رمضان البيه
عزيزي القارئ ما زال حديثنا عن أسرار الله تعالى في البسملة وما زال الحديث عن حرف الباء في كلمة بسم . وذكرنا أن مكمن السر الإلهي في فاتحة الكتاب يكمن في نقطة الباء تلك النقطة التي هي مركز مدار عوالم الأكوان وهي المشيرة إلى حقيقة الذات المحمدية التي كاشف الله تعالى بها عباده المتحققين من أهل ولايته والتي تحدثوا عنها وأشاروا إليها في صلواتهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله .
ومن تلك الصلوات صلاة السيد أحمد البدوي النورانية رضي الله عنه التي يقول فيها ( اللهم صلى وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد شجرة الأصل النورانية ولمعة القبضة الرحمانية وأفضل الخليقة الإنسانية واشرف الصورة الجسمانية ومعدن الأسرار الربانية وخزائن العلوم الاصطفائية صاحب القبضة الأصلية والبهجة السنية والرتبة العلية من إندرجت النبييون تحت لوائه فهم منه وإليه وصلي وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه عدد ما خلقت ورزقت وأمت وأحييت إلى يوم تبعث من أفنيت وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين ) .
وفي صلاة العارف بالله سيدي عبد السلام إبن مشيش شيخ سيدي أبا الحسن الشاذلي رضي الله عنهما نجد الإشارة إليها . يقول ( اللهم صلى وسلم على الذات المحمدية اللطيفة الأحدية شمس سماء الأسرار ومظهر الأنوار ومركز مدار الجلال . وقطب فلك الجمال . اللهم بسره لديك وبسيره إليك آمن خوفي وأقل عثرتي . وأذهب حزني وحرصي وكن لي وخذني إليك مني وأرزقني الفناء عني ولا تجعلني مفتونا بنفسي محجوبا بحسي وأكشف لي عن كل سر مكتوم يا حي يا قيوم ) .
وفي صلاة أحد العارفين على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله أشار إليها بقوله ( اللهم صلى على من منه إنشقت الأسرار وأنفلقت الأنوار وفيه إرتقت الحقائق وتنزلت علوم آدم فأعجز الخلائق . وله تضاءلت الفهوم فلم يدركه منا سابق ولا لاحق . فرياض الملكوت بزهر جماله مونقة . وحياض الجبروت بفيض أنواره متدفقة .ولا شئ إلا وهو به منوط إذ لولا الواسطة لذهب كما قيل الموسوط . صلاة بك منك إليه كما هو أهله . اللهم إنه سرك الجامع الدال عليك وحجابك الأعظم القائم لك بين يديك ).
هذا وهناك صلاة على حضرته صلى الله عليه وسلم وعلى آله أشارت إلى حقيقة النور المحمدي وسر الباء وهي ( اللهم صلي على سيدنا محمد النور الذاتي والسر الساري في سائر الأسماء والصفات ) . هذا ومما لا شك فيه أن هذه الصلوات بتلك الإشارات هي على أثر تجليات الله تعالى الخاصة بأنوار معارفه على قلوب أهل ولايته ومحبته وخاصته من خلقه وهي من مكنونات العلوم الإصطفائية واللدنية التي أشار الله عز وجل إليها في تعريف العبد الصالح سيدنا الخضر عليه السلام لسيدنا موسى عليه السلام بقوله تعالى ( فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما ) .
هذا وعن سر حقيقة الذات المحمدية المشار إليها بنقطة الباء الأولية والتي فتق الحق سبحانه وتعالى بها رتق عوالم الغيب وبدأ بها ظهور عوالم الخلق وجعلها مدارا ممدودا منه سبحانه ممدا لعوالم الكائنات والخلق .. يقول أحد أكابر العارفين .. قبل البدء أي بدء خلق الخليقة كان الله تعالى ولا شئ معه وهو تعالى موجود بذاته . والله تعالى محب بذاته لذاته فأحب وأراد أن يظهر ذلك الحب أي محبة الذات الإلهية لذاتها فتجلى بلا كيف قديما قبل القدم حيث لا قدم بذاته جل جلال على ذاته فإنبثق على أثر هذا التجلي نور الذات المحمدية فأقامه عز وجل بين يديه وبدأ بالصلاة عليه . ثم خلق من هذا النور الكرسي والعرش واللوح والقلم وكل عوالم الكائنات.
وجعل لهذا النور وجهة مطلة إلى حضرة الذات الإلهية بلا كيف تستقبل تجلياته وإمدادته سبحانه وتعالى لجميع عوالم الخلق وجعل سبحانه وتعالى لهذا النور وجهة مطلة إلى جميع عوالم الكائنات تمده لاستمرار الوجود والحياة لها وفي نفس الوقت جعله سبحانه ممدا به لكل عوالم الكائنات . ومن هنا ما من شئ إلا وهو به منوط . هذا وسوف نتحدث في المقال التالي عن نقطة الباء وسرها الجامع والمشيرة إلى النور المحمدي أو إلى الحقيقة المحمدية.