لا نزال نقول: إن ابن تيمية خرق الإجماع في مسائل كثيرة، وزعم أنه صاحب الحق المطلق، ولا يزال بعض العوام يقدمون كلامه على كافة العلماء، ولا يجيزون لأحد أن ينقده! ولا أدري أيرون عصمته؟ أم يرونه فوق النقد؟ ولا زلنا ننقد ابن تيمية ونقول: رحمه الله. فلا نحن نخوض في دينه ونرى أن ذلك حرَمٌ.
ولكننا لا نزال نرى أن من واجبنا الديني: أن نبين خطأه وأنه غير مؤتمن على الشريعة كما يظن أتباعه وبعض طلبة العلم، وإليك هذا المثال في تفسيره لقوله تعالى: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} .
قال في مجموع الفتاوى (15/ 29): “ظَاهِرُهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ شُعَيْبًا وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ كَانُوا عَلَى مِلَّةِ قَوْمِهِمْ؛ لِقَوْلِهِمْ: {أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} وَلِقَوْلِ شُعَيْبٍ: {أنَعُودُ فِيهَا} {أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} وَلِقَوْلِهِ: {قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ} فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا فِيهَا وَلِقَوْلِهِ: {بَعْدَ إذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا}، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ أَنْجَاهُمْ مِنْهَا بَعْدَ التَّلَوُّثِ بِهَا؛ وَلِقَوْلِهِ: {وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا} وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ عَائِدًا عَلَى قَوْمِهِ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ فِيهِ بِقَوْلِهِ: {لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ} وَلِأَنَّهُ هُوَ الْمُحَاوِرُ لَهُ بِقَوْلِهِ: {أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} إلَى آخِرِهَا”.
فابن تيمية يثبت أن سيدنا شعيبًا عليه السلام كان على دين قومه، ولم ينف ابن تيمية هذا الظاهر المتوهم، بل يثبته ويقرره، فيقول: “ومن نشأ بين قوم مشركين جهال لم يكن عليه نقص إذا كان على مثل دينهم”.
ثم يقول بعدها: “وَمَا ذُكَرَ أَنَّهُ ﷺ بُغِّضَتْ إلَيْهِ الْأَوْثَانُ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ نَبِيّ”.
وقد اجمع المسلمون على عصمة الأنبياء جميعًا من الشرك والكفر قبل النبوة وبعدها، وقد نقل الإجماع غير واحد قبل ابن تيمية كالقاضي عياض، وابن حزم، وابن العربي، والرازي، وابي جعفر الغرناطي، ومن معاصريه: الخازن وأبي حيان الأندلسي وغيرهم خلائق لا يحصون.
وابن تيمية يقول: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ عَائِدًا عَلَى قَوْمِهِ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ فِيهِ بِقَوْلِهِ: {لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ} وَلِأَنَّهُ هُوَ الْمُحَاوِرُ لَهُ بِقَوْلِهِ: {أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} .
هذه فهمه الأعوج الذي خرق أفهام كل أئمة التفسير من قبله، الذين فهموا أن قوله: {لتعودن} ليس من العودة التي بمعنى الرجوع، بل من العودة التي بمعنى التصيير، أي: لتصيرن في ملتنا، كما نقول: عاد الشعر شيبًا، أي: صار، ولم يكن شيبًا من قبل. وقول العربي: “عاد فلان شيخًا” ولم يكن شيخًا قط، بل العودة هنا بمعنى: صار، ويقول الله تعالى: {حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيم} [يس: 39]فقال: {عَادَ} ولم يكن عُرْجونًا من قبل، بل المعنى: صار، وقال الشاعر العربي: فإن تكن الأيام أحسن مدة … إليَّ فقد عادت لهن ذنوب
أراد: فقد صارت لهن ذنوب، ولم يُرِد أن ذنوبًا كانت لهن قبل الإحسان.
فلغة القرآن الكريم تنطق بهذا، وهو الذي فهمه أئمة التفسير قبل ابن تيمية وأطبقوا عليه، ولكن ابن تيمية يخالفهم جميعًا بفهمه المغلوط ولم يقف عند هذا الحد بل يقول عبارته المحزنة: “هذا تفسير آيات أشكلت حتى لا يوجد في طائفة من كتب التفسير إلَّا من هو أخطأ فيها”، فهو يحكم بخطأ كل المفسرين ويرى أن قوله هو الصحيح!!
هكذا يصور ابن تيمية الحق باطلًا والباطل حقًا لإقناعه بصحة قوله ومعتقده.
فنقول لأتباعه: اتقوا الله في دينكم وامانتكم واعلموا أن ابن تيمية انفرد بشواذ المسائل عن منهج السنةوالسلف، ويجب عليكم أن تبرأوا إلى الله تعالى من تلك المقالات الفاسدة.
والله تعالى أعلى وأعلم وأجل وأكرم، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، آمين.
كتبه/ د/ إبراهيم المرشدي
من كتابنا: ابن تيمية واختلال المنهج العلمي