من الحروب المعلنة التي يشنها المتشددون على التصوف : حرب الطعن في أشياخ التصوف البارزين . وعلماء الصوفية المحققين .
وهذا الهجوم المستمر يتخذ استراتيجيات بعينها في كل مرة لا يغيرها . وكلمة السر في ذيوع حملاتهم هي : قوة السوشيال ميديا .
يقوم هؤلاء بالتركيز على المقاطع المتداولة لعلماء الصوفية على صفحاتهم وفي دروسهم ومجالسهم . فأحيانا يقومون بالاجتزاء والاقتطاع ثم اختلاق قضية من الهواء ليست موجودة في كلام المشايخ أصلا . وهذا من أخس الأساليب لأنه قائم على الكذب المحض .
وأحيانا يقومون بتسليط الضوء على نقطة أو عبارة هم على يقين أن عوام المشاهدين لا يعلمون عنها شيئا . فيتلاعبون بالألفاظ . ويلتفون على القضية ويستغلون ضعف علم المتلقي من أجل تشويه الشيخ المتكلم . فيسولون لهم أن الشيخ يبتدع في الدين أمرا جديدا . وفي الحقيقة يكون الشيخ عالما متمكنا ويتكلم في كلام أصيل في علوم الدين لكن السامع كما قلنا لا يعلم عنه شيئا .
والأمثلة على ما نتكلم كثيرة جدا . ولنقف منها على قضية واحدة ولتكن : رؤية أرواح الأنبياء بعد انتقالهم إلى جوار ربهم في اليقظة .
طبعا عقول العوام ربما لا تتصور ذلك . وهنا لا يهمني منطقية الأمر بل يهمني ما ورد أصيلا في علوم الدين مما لا يعلمه العوام . ويتعمد من يريدون تشويه التصوف إخفاء ذلك عن العوام .
فمن القليل الذي لا يعلمه العوام في هذا الباب أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قال : ( من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ) وهذا حديث صحيح وارد في صحيح البخاري وفي صحيح مسلم . دون تفاصيل لأن الغرض هنا ليس تأصيل المسألة بل الاستشهاد بهذا المثال على الفكرة .
مما لا يعلمه العوام أن العلماء تكلموا كثيرا في هذا الأمر وإمكان حدوثه وأدلة حدوثه فلم يستنكروه . بل ألف فيه إمام جليل بحجم الإمام السيوطي كتابا أسماه ( تنوير الحلك في إمكان رؤية النبي والملك ) تكلم فيه بالأدلة التفصيلية عن إمكان مشاهدة الإنسان أرواح الأنبياء والمرسلين والملائكة في حال صحوه لا في حال نومه .
مما لا يعلمه العوام أيضا أن رؤية النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم في اليقظة وقعت لكثير من الصالحين والسادة العارفين . وهذا معروف متواتر في الكتب . فهل بيَّن هؤلاء هذه الحقيقة ؟
هل بيَّن الكارهون التصوف هذه الأمور ؟ أليس من الواجب عليهم وهم يقدمون نفوسهم للعامة على أنهم أهل الدين أن يقدموا إليهم الحقائق كاملة وأن يعرضوا أمامهم كل الآراء ؟ أليس من الخيانة والتدليس والتلبيس هذا الذي يحدث ؟
ثم نأتي إلى أمر آخر وهو أن هؤلاء إذا وجدوا أحد العلماء يقول : لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة تجدهم يتسارعون إلى تكذيبه والإحاطة به وإسقاطه من عيون الخلق رغم معرفتهم أن هذا الأمر وارد الحصول وليس مستحيلا . ومعرفتهم أن المسلم يجب أن يعامل بحسن الظن وأن تحمل كلماته على أحسن محاملها . لاسيما إن كان من أهل العلم والحديث .
العاقل هنا يدرك السبب ببساطة .
فالمشكلة الحقيقية هي بينهم وبين علماء الصوفية . لأن هؤلاء يتهمون الصوفية بأنهم أهل الباطل بينما يصفون نفوسهم بأنهم أهل الحق . فإن اعترفوا بأن أحد الصوفية رأى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ولو مناما حتى فإنهم لن يقروا بذلك . لأنهم لو أقروا لكان الصوفية على الحق . وهنا عمق الجرح بالنسبة لهم . وهنا مكمن كل تحرك من هؤلاء ضد السادة الصوفية . فهم يريدون إزاحة كل أحد من الصورة ليبقى لهم الدين وحدهم . ولا حول ولا قوة إلا بالله .
فافهم يا طالب العلم …
كي تسلم من تلك الفتن .
دكتور / أحمد شتيه
الأستاذ بكلية الآداب – جامعة دمنهور