نسبه
ذكر فى الطبقات الشاذلية للحسن بن الحاج محمد الكوهن: هو سيدنا ومولانا عبد السلام بن سيدنا بشيش ينتهي نسبه إلى مولانا الحسن بن على
من محاسنه الجميلة
قال في وصفه قطب دائرة المحققين أستاذ مشايخ أهل المشرق والمغرب وسند الواصلين إلى أنجح المطالب، قطب الوجود وبقية أهل الشهود والغوث الجامع لأسرار المعانى، غوث الأمة وسراج الله، صاحب العلوم اللدنيَّة والمعارف الرَّبانية الجامع بين علم الشريعة والحقيقة لم تَطُلعِ الشمسُ على مثله فى زمنه.
ويقول عنه صاحب الدرر البهيَّة: هو القطب الأكبر والعلم الأشهر والطود الأظهر العالى السنام، وهو البدر الطالع الواضح والبرهان الغنىُّ عن التعريف والبيان، المشتهر فى الدنيا قدره والذي لا يخلتف فى غوثيته اثنان. وطريقته ترياقٌ شافٍ لأدواء العباد، وذكره رحمةٌ نازلةٌ فى كلِّ ناد.
سرى سرُّه فى الآفاق، وسارت بمناقبه الرُّكبان والرفاق، قضى عمره فى العبادة وقصده للانتفاع به أهل السعادة. وكان فى العلم والزهد فى النهاية، جمع الله له الشرفين الطينى والدينى وأحرز الفضل المحقق اليقينى .
ويتحدث بن عباد عن مكانته المرموقة بالمغرب فيقول: ولقد كان مقام ابن بشيش فى المغرب كمقام الشافعى بمصر .
ويقول ابن الكوهن:عنه: كان علاوةً على علو همَّتِهِ وحالهِ عالماً فاضلاً جليل القدر، لا ينحرف عن جادَّة الشريعة قيد شعرة، متحمِّسا للدين عاملا على نشر فضائله، وهو رجل من آل البيت يتصل نسبه بسيدنا الحسن بن علي رضى الله عنهما .
واتجه سيدى ابن بشيش منذ بواكير حياته الى الله، وألِفَ العبادة والنُّسك من صغره، ويقول سيدى أبو الحسن الشاذلى : إنه سلك الطريق إلى الله منذ أن كان عمره سبع سنين وبعد أن سار فى العبادة أشواطا وبلغ مبلغ الفتيان ظهر له من الكشف أمثال الجبال وهو مازال بعدُ فى بواكير شبابه، ثم نزع الى السياحة وأقام فى السياحة ست عشرة سنة كاملة.
ومما وقع له أثناء سياحته أنه بات ليلة فى مغارة، وبينما هو يتعبد اذ رأى شيخا يدخل عليه المغارة، فقال له: من أنت ؟ فقال الشيخ: أنا شيخك منذ كنت ابن سبع سنين. وكل ما كان يصلك من النازلات فهو منى، وهو كذا كذا فحدَّثه بجميع ما جرى له من الأمور.
وشيخه الذى حدث عنه هو سيدى عبد الرحمن بن الحسين المدنى الشريف المدعو بالزيَّات، سُكناه بحارة الزيَّاتين بالمدينة المنوَّرة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام ولم يذكر له صاحب لطائف المنن سوى هذا الشيخ.
حياته بعد السياحة
لم يكن يتطلَّع إلى شهرة ولا زعامة، وقد نفض قلبه من حبِّ الرِّياسة وذلك أن وجهته هى الله وقد كان كذلك لا يتطلَّع الى الناس. لقد بالغ فى إخفاء نفسه حتى يكون سرُّه مع الله دائما. ويقول أحد تلاميذه: توارى عن الأعين وتباعد عن الظهور، وتجرَّد للعبادة وفرَّ بنفسه عمَّا فيه الناس من الفتن، وغاب عن الخلق فى شهود جلال الحق. ورد عن الشيخ أبى الحسن الشاذلى قال : كنت فى سياحتى فأتيت الى غارٍ لأبيت فيه فسمعت فيه حسَّ رجل فقلت: والله لا أشوُّشُ عليه فى هذه الليلة، فبتُّ على فم الغار . فلما كان عند السحر سمعته يقول: اللهم إن اقواما سألوك أن تسخِّر لهم قلوب خلقك، اللهم إني أسألك إعراضَهم عنى وإعوجاجهم علىَّ حتى لا يكون لى ملجأٌ إلا اليك قال: ثم خرج . فاذا هو أستاذى ابن بشيش فقلت له: يا سيدى إنِّى سمعتك البارحة تقول كذا وكذا. فقال: ياعلىُّ انما خير لك ان تقول: كنْ لى، ولا تقُلْ سخِّرْ لى قلوب خلقك . فاذا كان لك، كان لك كلُّ شئ.
وكان سيدى بن بشيش مُكتفياً بالله مُحبَّا للخلوة مع الله مشوقا دائما الى أن يكون فى حضرة مولاه.
من كراماته
ذكر فى الطبقات الشاذلية أيضا: أنه يوم ولادته سمع سيدى عبد القادر الجيلانى ونفعنا به آمين هاتفا يقول: يا عبد القادر ارفع رجلك عن أهل المغرب فإنَّ قُطبَ المغرب قد ولد فى هذا اليوم، فتمشَّى الأستاذ عبد القادر إلى جبل الأعلام بالمغرب، حيث مولد سيدنا عبد السلام وأتى الى أبيه سيدى بشيش وقال له: أخرج لى ولدك فأخرج له أحد أولاده فقال له: ما هذا أريد. فأخرج له أولاده كلَّهم. فقال له: مابقى إلا ولد واحد ولد هذا اليوم فقال له سيدى عبد القادر: علىَّ به فهو الذى أريده، فأخرجه سيدى بشيش فأخذه سيدى عبد القادر ومسح عليه ودعا له.
وكان اذا أهلَّ شهر رمضان يمتنع عن ثدى أمِّه فإذا أذَّن المغرب قاربَهَ وارتضع منه.
وقيل فيه :اطلب بسرِّ بن بشيش ما تريد وإن كان عنك بعيد .
يقول سيدى أبو الحسن: كنت يوماً جالساً بين يديه، وفى حجرى ابن له صغير يلعب فخطر لى أن اسأله عن اسم الله العظيم الأعظم . قال: فقام الولدُ وأمسك بيده فى طوقى وهزَّنى وقال: يا أبا الحسن إنك أردت أن تسأل الشيخ عن اسم الله الاعظم، ليس الشأن أن تسأل عن اسم الله ، الاعظم انما الشأن ان تكون أنت هو اسم الله الاعظم، بمعنى أن سرَّ الله مودع فى قلبك . قال: فابتسم الشيخ وقال: جاوبك فلان عنى وكان اذ ذاك قطب الزمان .
من اقواله ووصايا
الفرائض معلومة والمعاصى مشهورة فكن للفرائض حافظا، وللمعاصى رافضا. واحفظ قلبك من إرادة الدنيا وحب الجلب، وإيتاء الشهوات واقنع من ذلك كلِّه بما قسم الله لك إذا خرج لك مخرج الرضا فكن لله شاكرا، واذا خرج مخرج السُّخط فكن الله قطب تدور عليه جميع الخيرات وأصل جامع الأنوار والكرامات ا عنه صابراً وحبُّ
ويقول رضى الله عنه: لا تتهم الله فى شئ وعليك بحسن الظن به فى كلِّ شئ لا تؤثر نفسك على الله فى شئ .
ويقول ايضا: الزم باباً واحداً تُفتح لك الأبواب، واخضع لسيِّد واحد تخضع لك الرقاب، وخف من الله خوفاً تأمن به من كلِّ شئ، فالله فوق كل شئ وقريبٌ من كلِّ شئ ومحيطٌ بكلِّ شئ..
ويقول عن الإيمان: محو الصفات بالصفات والأسماء بالأسماء لتحقيق ما هو الأوَّل والآخر والظاهر والباطن، فأىُّ شئ كان معه أوَّلا حتى يكونَ آخرا.
ويقول سيدى أبو الحسن الشاذلى أوصانى أستاذى (يعنى سيدى ابن بشيش) رحمه الله تعالى فقال: حدِّدْ بعد الايمان تجد الله فى كل شئ ومحيطاً بكل شئ، بقربٍ هو وصفُه وباحاطةٍ هى نعتُه، بَعِدَ عن الظرفية والحدود وعن الأماكن والجهات، وعن الصحبة والقرب بالمسافات وعن الدور بالمخلوقات وانمحق الكلُّ بوصفِه الأوَّل والآخر والظاهر والباطن كان الله ولا شئ معه.
ويقول صاحب اللطائف: وقال الشيخ القطب (عبد السلام بن بشيش): الزم الطهارة من الشرك كلما أحدثتَ تطهَّرتَ من دنس الدنيا وحبَّها، وكلما ملتَ الى الشَّهوةِ أصلحتَ بالتوبة ما أفسدت بالهوى أو كِدت. وعليك بمحبَّة الله على التوقير والنزاهة، وأدمن الشرب بكأسها مع السُّكر كلما أفّقْتَ أو سكرت شربت حتى يكون سكرك وصحوك به وحتى تغيبَ بجماله عن المحبَّة وعن الشرب والكأس بما يبدو لك من نور جماله وقُدس كماله وجلاله.
ومن وصاياه لسيدى أبى الحسن الشاذلىِّ : لا تنقل قدميك إلا حيث ترجو ثواب الله، ولا تجلس إلا حيث تأمن غالباً من معصية الله، ولا تجالس إلا من تستعين به فى طاعة الله، ولا تصْطَفِ لنفسك إلا من تزداد منه يقيناً بالله.
ويروى سيدى أبو الحسن الشاذلى فيقول: رأيت أستاذى (يعنى سيدى عبد السلام بن بشيش) وفى يده اليمنى كتاب فيه القرآن وحديث رسول الله ، وفى يده اليسرى أوراق فيها شعر. وهو كالناصح لى: اتعدلون عن العلوم الزكية الى علوم ذوى الأحوال الرديَّة فمن أكثر من هذا فهو عبدٌ مرموقُ هواهُ وأسيرُ شهوتِهِ ومُناه، يستفزُّون بها قلوب أهل الغفلة والنسوان وأهل الضلالة والعميان، ومن لا إرادة لهم فى عمل الخير واكتساب الغفران، يتمايلون عليها كتمايل الصبيان، لئن لم ينته الظالم ليخسف الله به وبداره الأرض. عليك بكتاب الله الهادى وبكلام رسوله الشافى فلن تزال بخير ما آثرتهما وقد أصاب الشرُّ من عدل عنهما، وأهل الحق إذا سمعوا اللَّغو أعرضوا عنه، وإذا سمعوا الحق أقبلوا عليه. ومن يقترفْ حسنة نزد له فيها .
وحُكىَ عنه أنه قال: أربعٌ من كُنَّ فيه احتاج الخلق إليه وهو غنىٌّ عن كلِّ شئ: المحبة لله والغنى بالله والصدق واليقين (الصدق فى العمومية واليقين بأحكام الربوبية) .
ويقول أيضاً : أجملُ الطاعاتِ أن يُدخلك عنده ويُرخى عليك الحجاب .
وقال سيدى أبو (الحسن الشاذلى) سألته عن حديث يسِّروا ولا تُعسِّروا، وبشِّروا ولا تنفِّروا. فقال دلُّوهم على الله ولا تدلُّوهم على غيرِه فإن من دلَّك على الدنيا فقد غشَّك، ومن دلَّك على العمل فقد أتعبك، ومن دلَّك على الله فقد نصحك .
ومما أوصاه به: لا تصحب من يؤثر نفسه عليك فإنه لئيم، ولا من تؤثر نفسك عليه فإنه قلَّ ما يدوم الود، واصحب من اذا ذُكِر، ذُكِرَ الله، فالله يُغنى به إذا شهد وينوب عنه إذا فُقِد، ذِكرُه نور القلوب، ومشاهدته مفاتيح الغيوب.
ومن حكمه : المرء إذا شرب الماء الساخن قال: الحمد لله بكزازة، وإذا شرب البارد فقال: الحمد لله استجاب كل عضو بالحمد لله.
وقال الشيخ أبو الحسن الشاذلى إنه سمع (سيدى ابن بشيش) يقول لرجل استأذنه فى المجاهدة لنفسه. فأجابه بقوله تعالى:لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ. إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ
وقال الشيخ أبو الحسن الشاذلى : سألت أستاذى رحمه الله عن وِرد المحققين . فقال: عليك بإسقاط الهوى وصحبة المولى، وآية المحبة ألاَّ يشتغلَ محبٌّ بغيرِ محبوبه . وسألته عن قول النبى : المؤمـن لا يُـذلُّ نفسـه . فقال لى: لهواه .
وعن سيدى أبى الحسن الشاذلى عن أستاذه قال: الأنفس ثلاثة: الأولى نفسٌ لا يقع عليها البيع لحريَّتها.ويقول تعالى: فأمَّا إن كان من المقرَّبين فروحٌ وريحان وجنَّة نعيم . والثانية: نفسٌ وقع عليها البيعُ لشرفها يقول سبحانه وتعالى: إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ .
والثالثة: نفسٌ لا يُعبَأ بها لقوله تعالى: وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ. فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ. وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ .
وفى لطائف المنن وغيره بدل قوله: لا يُعبأ بها: لم يقع عليها البيع لخِسَّتها وفى بعض الروايات: ونفسٌ مهملة لا حريَّة فيها ولا شرف: ثم زاد صاحب اللطائف على درَّة الاسرار ما نصُّه: فالتى لم يقع عليها البيع لحريَّتها أنفس الأنبياء والتي وقع عليها البيع لشرفها أنفس المؤمنين والتى لم يقع عليها البيع لخِسَّتها أنفس الكفار……
ومن أقواله أيضا: شيئان قلَّما ينفع معهما كثرة الحسنات: السخطُ على قضاء الله. والظلمُ لعباد الله. وحسنتان قلَّما ينفعُ معهما كثرة السيئات: الرضا بقضاء الله والصفحُ عن عباد الله، والزهد فى الدنيا، والتوكُّل على الله. والأربعة الاخرى القيام بفرائض الله واجتناب محارم الله، والصبر على البعد من كل شئ يُلهى.
وقال الشيخ أبو الحسن الشاذلى يحكى عن أستاذه قال: عباده الصديقين عشرون: كلوا واشربوا والبسوا وانكحوا واسكنوا وضعوا كل شئ حيث أمركم الله ولا تُسرفوا واعبدوا الله ولا تُشركوا به شيئاً واشكروه، وعليكم بكفِّ الأذى وبذل الندى فإنها العقل، والنصف الثانى أداء الفرائض واجتناب المحارم والرضا بالقضاء وعبادة الله والتفكُّر فى أمر لله والنفقة فى دين الله، وعين العبادة الزهد فى الدنيا ورأسها التوكل على الله فهذه عبادة الاصحَّاء المؤمنين. وإن كنتم مرضى فاستشفوا واسترقوا بالعلماء واختاروا وفرُّوا من ذلك المختار ومن كلِّ شئٍ الى الله .
ويرى سيدى أبو الحسن الشاذلى عن أستاذه : لا تخترْ من أمرك شيئاً واحذر أن لا تختار وفِرَّ من ذلك المُختار ومن كلِّ شئ الى الله، ولربِّك ما يشاء ويختار .
وفاته
ذكر فى الطبقات الشاذلية أيضا: شهيدا، قتله بن أبى الطوجن ودُفن بموضعه بجبل الأعلام بثغر تطوان، وبُنىَ عليه مُقامٌ وضريحٌ وقبةٌ قصيرة ومقامه من الأماكن التى يستجاب عندها الدعاء.
ذكر سيدى عبد الوهاب الشعرانى فى الطبقات الكبرى وهو يروى عن سيدى أبى الحسن الشاذلي (: قال الشيخ أبو العباس المرسى:مات الشيخ عبد السلام بن بشيش مقتولا. قتله ابن ابى الطوجن ببلاد المغرب. و استشهد سنة ثلاث و عشرين و سبعمائة وأرضانا و نفعنا به أجمعين.