الجمعة ١٨ جمادى الآخرة ١٤٤٦ هـجرياً – الموافق ٢٠ من ديسمبر ٢٠٢٤ ميلادياً
نص الخطبة
الحمد لله رب العالمين خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً، وكان ربك قديراً، وأشهدأن لا إله إلا الله وحده لاشريك له له الملك وله الحمد وهوعلي كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله أرسله ربه بالهدى ودين الحق ليظهره علي الدين كله وكفى بالله شهيداً؛ اللهم صلّ وسلم وبارك عليه حق قدره ومقداره العظيم وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين أما بعد؛ فيا أيها المسلمون:
إن الأطفال هم النور الذى يَحلُمُ به كل الأزواج، وهم زهرة الحياة، وزينتها، قال تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾(الكهف:٤٦)، وقال تعالى: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ۚ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ﴾(النحل:٧٢)،
وصدق أبوتمام حيث قال:
وَإِنَّمَا أَوْلاَدُنَا بَيْنَنَا
أَكْبَادُنَا تَمْشِي عَلَى الأَرْضِ
لَوْ هَبَّتِ الرِّيحُ عَلَى بَعْضِهِمْ
لاَمْتَنَعَتْ عَيْنِي عَنِ الغَمْضِ
والأطفال هبة من الله عزّ وجل قال تعالى: ﴿لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾(الشورى: ٤٩-٥٠)، لذلك كان من دعاء أهل الإيمان ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾(الفرقان:٧٤)، والأطفال أمانة استودعها الله عز وجل الآباء والأمهات، يجب عليهم حفظها من أسباب التلف، وسبل الهلاك، ولقد جعل ديننا الحنيف تنشأة الأطفال على الخير والصلاح مسؤولية الأبوين معاً، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾(التحريم: ٦)، وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِه ِ،فَالإِمَامُ رَاعٍ، وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ، وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهْىَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ، وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» رواه البخارى.
أيها المسلمون: لقد أعتنى ديننا الحنيف برعاية الأطفال، وجعل لهم حقوقاً تضمن تنشئتهم بطريقة
سوية، ومثالية من ذلك:
حسن الإختيار عند الزواج؛ فيُعد حسن الإختيار علي رأس تلك الحقوق التى كفلها الإسلام للأطفال، فقد لا يعلم كثير من الناسِ أن تربية الأطفال تبدأ قبل إنجابهم، بل تبدأ من لحظة إختيار من ستكون أماً لهم، فينبغى أن تكون صالحة من أسرة طيبة ألا ترى قوم مريم قالوا لها: ﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا﴾(مريم: ٢٨)، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ» متفق عليه.
وإرشاد النَّبِيِّ ﷺ لذات الدين لأنها ستكون أماً للأولاد، ومربية ومعلمة لهم، فتربية الأطفال وتنشئتهم تنشأة صالحة هي من أهم حقوقهم،
كذلك فإن الأصل في معيار إختيار الزوج الصالح هو الدين والخلق قال رسول الله ﷺ: «إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ» رواه ابن ماجه، والترمذي
الإعتناء بالجنين؛ فإذا ما حملت الأم فمن حق الحمل على الوالدين الحفاظ عليه ومتابعة نموه وعدم إجهاضه، فإذا ما وُلِدَ فمن حقه عليهم أن يختاروا له اسماً حسناً لا يُعيَّر به، قال النبي ﷺ: «إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ فَأَحْسِنُوا أَسْمَاءَكُمْ» رواه أبو داود.
ولقد غير النبي ﷺ بعض الأسماء لقبحها فعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: «أَنَّ ابْنَةً لِعُمَرَ كَانَتْ يُقَالُ لَهَا عَاصِيَةُ، فَسَمَّاهَا رَسُولُ الله ﷺ جَمِيلَةَ» رواه مسلم.
كذلك لايجوز التسمية بما يوحى إلى عبودية غير الله كعبد العزى وعبد الكعبة وعبد الدار وهكذا
ولايجوز التسمية بكل اسم خاص بالله تعالى؛ فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن النَّبِيَّ ﷺ قال: «إِنَّ أَخْنَعَ اسْمٍ عِنْدَ اللهِ رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الْأَمْلَاكِ» رواه الشيخان.
ولقد كان سيدنا رسول الله ﷺ يحب الأسماء الحسنة وتُعجبه؛ فعن أبي حَدرد رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «من يَسُوق إبلَنا هذه؟» أو قال: من يُبلِّغ إبلنا هذه؟ قال رجل: أنا، فقال: «ما اسمك؟» قال: فلان، قال: اجلس، ثم قام آخر فقال: ما اسمك؟ قال: فلان، فقال: «اجلس» ثم قام آخر، فقال: « ما اسمك؟» قال:ناجية، قال: «أنت لها فسُقْها»رواه الحاكم والذهبى.
ويسن تسمية الولد في اليوم السابع من الولادة، أو يوم الولادة نفسه كما ذكره النووي في الأذكار.
والأفضل للإنسان أن يسمي أولاده بأسماء الأنبياء والصالحين، والصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.
الإنفاق عليهم، وتأمين حاجتهم من مطعم ومشرب وملبس ومسكن؛ قال تعالى: ﴿وَعَلَى ٱلۡمَوۡلُودِ لَهُۥ رِزۡقُهُنَّ وَكِسۡوَتُهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ لَا تُكَلَّفُ نَفۡسٌ إِلَّا وُسۡعَهَاۚ لَا تُضَاۤرَّ وَ ٰلِدَةُۢ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوۡلُودࣱ لَّهُۥ بِوَلَدِهِ﴾(البقرة: ٢٣٣)، وقال رسول الله ﷺ: «كفى بالمرء إثمًا أن يضيع مَن يعول» رواه أبو دواد.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعاً: «مَنْ عَالَ جَارِيَتَين حتَّى تَبلُغَا جاء يَومَ القِيَامَة أَنَا وَهُو كَهَاتَين» وضَمَّ أَصَابِعَه، رواه مسلم.
والعول في الغالب يكون بالقيام بمؤونة البدن، من الكسوة والطعام والشراب والسكن ونحوه، وكذلك يكون بالتعليم والتهذيب والتوجيه والأمر بالخير والنهي عن الشر، وغرس القيم النبيلة فى الأبناء.
العدل بينهم وعدم تفضيل بعضهم على بعض فى العطاء؛ فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: أعطاني أبي عطيةً، فقالت عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تُشهِد رسول الله ﷺ، فأتى الرسول ﷺ فقال: إني أعطيتُ ابني من عمرة بنت رواحة عطية، فأمرتني أن أُشهدك يا رسول الله، قال: «أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟» قال: لا. قال: «فاتَّقوا الله واعدِلوا بين أولادكم» قال: فرجع فردَّ العطية؛ متفق عليه.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وفي الحديث الندب إلى التآلف بين الإخوة، وترك ما يُوجِب الشحناء، أو يُورث العقوق بالآباء.
الرحمة والتلطف بهم؛ لقد ضرَب سيدنا رسول الله ﷺ أروعَ الأمثلةِ في مُعاملةِ الأطفال بالرأفةِ والرحمةِ، فقد قبل ﷺ إبناً له. فقال رجلٌ من الأعرابِ: أتُقبِّلون أبناءَكم؟! إنَّ لي عشرةً من الولدِ ما قبَّلتُ واحدًا منهم، فقال ﷺ: «أَوَ أملِكُ لكَ أنْ نزَع اللهُ الرحمةَ من قلبِكَ» رواه البخارى.
وعن أنس قال: «ما رأيت أحداً كان أرحم بالعيال من رسول الله ﷺ» رواه مسلم.
وعن ابن مسعود قال: كان رسول الله ﷺ يصلَّي، فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، فإذا أرادوا أن يمنعوهما، أشار إليهم أن دعوهما، فلما قضى الصلاة وضعهما في حجره، وقال: «من أحبني فليحبَّ هذين» أخرجه أبو يعلى في مسنده وابن خزيمة.
وعن أُمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت امرأة معها ابنتان لها فسألت؟ فلم تجد عندي شيئاً غير تمرة. فأعطيتُها إيَّاها فقسمتها بين ابنتيها، ولم تأكل منها شيئاً. ثم قامت فخرجتْ، ودخل النبي ﷺ، فأخبرته، فقال ﷺ: «من ابتُلي بشيءٍ من هذه البنات، كُنَّ له سترًا من النار» متفق عليه.
تربيتهم على الدين؛ فيجب على الأبوين تحمل مسؤولية تربية الأطفال على الدين لتكون النشأة سوية، ومثالية؛ قال تعالى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ واصطبر عليها﴾(طـه: ١٣٢)، ولقد حث الشرع على تعليم الأطفال فى سن مبكرة، فعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» رواه أحمد وأبوداود.
تعليم الأطفال إذا بلغوا آداب الإستئذان؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾(النور: ٥٨)، وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنه: «أنه كان إذا بلغ بعض ولده، عزله فلم يدخل عليه إلَّا بإذن» أخرجه البخاري في الأدب المفرد.
الإهتمام بتقوية أبدانهم؛ ويكون ذلك بممارسة الرياضة كالمسابقة، والمصارعة، والرماية، والسباحة، ولنا فى سيدنا رسول الله ﷺ القدوة العملية، فعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: مر النبي ﷺ على نفر من أسلم ينتضلون، فقال: «ارْمُوا بَنِي إسْمَاعِيلَ، فإنَّ أَبَاكُمْ كانَ رَامِيًا ارْمُوا، وأَنَا مع بَنِي فُلَانٍ قالَ: فأمْسَكَ أَحَدُ الفَرِيقَيْنِ بأَيْدِيهِمْ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ: ما لَكُمْ لا تَرْمُونَ. فَقالوا: يا رَسولَ اللَّهِ نَرْمِي وأَنْتَ معهُمْ، قالَ: ارْمُوا وأَنَا معكُمْ كُلِّكُمْ» رواه البخارى.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينا الحبشة يلعبون عند النبي ﷺ بحرابهم، دخل عمر فأهوى إلى الحصى فحصبهم بها، فقال: «دعْهم يا عمر» رواه البخارى.
وقال عمر رضي الله عنه: علِّموا أولادكم السباحة، والرماية،وركوب الخيل.
فينبغى أن تكون التنشئة على تحمل المسؤولية وتعظيم مكانتها في نفوسهم منذ الصغر، فهذا رسول الله ﷺ يكلف أسامة بن زيد وهو في سن السابعة عشرة بقيادة جيش فيه أبو بكر وعمر رضي الله عنهم، وينتقل النبي ﷺ إلى جوار ربه وينفذ أبو بكر بعث أسامة فيتحمل المسؤولية ويمضي في مهمته ويعود منها محققاً للغاية التي من أجلها أرسل الجيش.
تنمية مهارات الأطفال العقلية والفكرية؛ لقد جاءت التربية العقلية ضمن أولويات الإسلام، فليس ثمة دين يقوم على احترام العقل الإنسانى مثل الإسلام، بل إن القرآن ليكثر من استثارة العقل ليؤدي دوره الذي خلقه الله له لذلك نجد عبارات: ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾، ﴿ولِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾، ﴿ولِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ﴾، ونحوها تتكرر عشرات المرات في القرآن الكريم لتؤكد على احترام العقل ووجوب إعماله وتنميته فعن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «مثلُ المؤمن مثل شجرة لا تطرح ورقَها» فوقع الناس في شجر البدو، ووقع في قلبي أنها النخلة، فاستحييتُ أن أتكلَّم، فقال رسول الله ﷺ: « هي النخلة» فذكرت ذلك لعمر، فقال: يا بني، ما منعك أن تتكلم؟ فوالله لأن تكون قلت ذلك أحَبُّ إليَّ من أن يكون لي كذا وكذا» رواه البخارى.
وتكون تنمية القدرات العقلية والفكرية لدى الأطفال بحفظ القرآن الكريم وتعلم أحكام الشريعة الغراء فهذا رسول الله ﷺ يجعل فداء الأسير أن يعلم عشرة من الصحابة القرأة والكتابة، وأمر ﷺ زيد بن ثابت أن يتعلم اللغة السريانية، فعن زيد بن ثابت قال: «أَمَرَنِي رَسُولُ الله ﷺ أَنْ أَتَعَلّمَ لَهُ كَلِمَاتٍ مِنْ كِتَابِ يَهُودَ وَقالَ إِنّي وَالله مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابِي، قالَ فَمَا مَرّ بي نِصْفُ شَهْرٍ حَتّى تَعَلّمْتُهُ لَهُ» رواه الترمذي.
فيا عباد الله اتقوا وأحسنوا إلى أطفالكم وبروهم صغاراً يبروكم كباراً، أقول قولى هذا واستغفر الله العظيم لى ولكم.
الخطبة الثانية
الحمدلله وكفى وصلاةً وسلاماً على عباده الذين اصطفى أما بعد: فيا أيها المسلمون: إن تربية الأطفال مسؤولية كبيرة، إنها من أعظم ما افترضه الله علينا تجاه نعمة الذرية..
– قال ابن القيم رحمه الله: وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله، وترك تأديبه، وإعانته على شهواته، وهو بذلك يزعم أنه يكرمه وقد أهانه، ويرحمه وقد ظلمه، ففاته انتفاعه بولده وفوت على ولده حظه في الدنيا والآخرة، ثم قال رحمه الله: وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قبل الآباء.
– فعلى الوالدين أن يلزموا أنفسهم أولا بالأخلاق التي يسعون إلى تأديب الأطفال عليها، فلا يليق مثلا أن ينهى الوالد ولده عن خلق قبيح ثم يأتيه هو؛ لذلك قال عتبة بن أبي سفيان لعبد الصمد مؤدب ابنائه: ليكن أول ما تبدأ به من إصلاحك بَنِيَّ إصلاحك نفسك، فإن أعينهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما استحسنت، والقبيح عندهم ما استقبحت؛ تاريخ دمشق.
– قال عبدالله بن عمر رضى الله: «أدِّب ابنَكَ؛ فإنك مسؤول عن ولدك ماذا أدَّبْتَه، وماذا علَّمْتَه، وإنه مسؤول عن بِرِّكَ، وطواعيته لك» أخرجه البيهقي.
– هذا ولقد أرشد الإسلام إلى قواعد عامة في الفضائل والآداب سبق بها كل ما عرفته أرقى المجتمعات، تتمثَّل في آيات القرآن الكريم، وعمل الرسول ﷺ وعمل أصحابه رضي الله عنهم، ودعا الآباءَ والأمهات إلى أن يأخذوا أطفالهم بها لينشئوهم جيلاً صالحاً، ومثالياً فتسعد بهم الأمة، وتكون كما أرادها الله خيرَ أمة أخرجت للناس؛ قال تعالى على لسان لقمان عليه السلام: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾(لقمان: ١٦-١٩)، وعن عمر بن أبي سلمة أنه كان غلاماً صغيراً في حجر رسول الله ﷺ وكانت يده تطيش في الصحفة إذا أكل، فقال رسول الله ﷺ: «يا غلام سمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكل مما يليك»رواه أبو دواد والترمذى.
أيها المسلمون: إن دعاء الأبوين من أعظم ما ينتفع به الأبناء؛ فعن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: «ثلاث دعوات مستجابات، لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده» رواه أحمد والترمذى.
– ولقد كان من دعاء الخليل إبراهيم عليه السلام: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ﴾(إبراهيم:٤٠)، ومن دعاء المسلم إذا بلغ الأربعين: ﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾(الأحقاف: ١٥)، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ضمَّني رسول الله ﷺ وقال: «اللهم علِّمْهُ الكتاب» رواه البخارى.
وفي رواية أحمد قال: «اللهم فقِّهه في الدين، وعلمه التأويل»، ودعا ﷺ لأنس بن مالك فقال: «اللهم أكْثِرْ ماله وولده» رواه مسلم.
وفي رواية البخاري: «اللهم ارزقه مالًا وولدًا، وبارك له» فكان أكثر الأنصار مالًا، وبلغ أولاده وأحفاده المائة، وحلَّتِ البركة في عمره وفي ذريته.
– واحذروا عباد الله: أن تدعوا على أبنائكم، مهما كان الأمر؛ فرُبَّ دعوة أهلكتهم، ثم يكون الندم بعد ذلك. لذا نهى النبي ﷺ عن ذلك؛ فعن جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنه أن النبي قال: «لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خَدَمِكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقون من الله تعالى ساعةَ نيلٍ، فيها عطاءٌ، فيستجيب لكم» رواه مسلم.
فاتقوا الله عباد الله: واعلموا أن الله تعالى قد جعل بين أيديكم سلاحاً فعَّالاً لإصلاح أولادكم، فلا تبخلوا عليهم بالدعاء سرّاً وجهراً، في الصلاة وخارج الصلاة، وفى الأوقات التى يرجى فيها الإجابة، فالدعاء له أبلغ الأثر في صناعة الذرية الصالحة، فربَّ دعوة صادقة من الوالدين ردَّت شارداً، أو أصلحت فاسداً، أو كانت سبباً فى هدايته، أسأل الله تعالى أن يصلح ذرياتنا، وأن يجعلهم قرة عين لنا في الدنيا والآخرة، وأن يردَّهم إلى دينه ردّاً جميلاً،