خطبة بعنوان ( حقوق الأولاد في الإسلام ) للدكتور محمد جاد قحيف
adminaswan
15 ديسمبر، 2024
خطب منبرية, د/ محمد جاد قحيف
376 زيارة

خطبة الجمعة القادمة .
الحمد لله الذي أبدع الكون بقدرته،وشمل العباد برحمته، وسوى خلقهم بحكمته، وأنعم عليهم بنعمته ، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله،اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ، واجزه عنا خير ما جزيت نبيا عن أمته، واجعلنا من اتباع هديه وسنته وارزقنا جواره و شفاعته اللهم آمين وبعد:
فالْأَبْنَاءُ هُمْ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ، وَهُمْ أُنْسُ الْبُيُوتِ وَسِرُّ سَعَادَةُ الْأُسَرِ ، وَهُمْ أَمَلُ الْآبَاءِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ..
قَالَ الله جل في علاه : ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴾ [الكهف: 46]..
و ومن بديع ما قيل عن الأولاد : هم فلذات أكبادنا ، وثمار قلوبنا ، وعماد ظهورنا ، و هم زَهرةُ الحياةِ الزوجيَّة، ومتعةُ النَّفسِ البشريَّة، وعِمادُ الحياةِ، وعصَب المجتمع ؛ لذلك اهتم دين الإسلام بإعدادهم صحيا ودينيا وخلقيا..
العنصر الأول : حسن الإعداد والتنشئة للأولاد ..
لقد اهتمَّ دين الإسلام بالأسرة وجعَلَها مكانَ السّكنِ، والمَودَّةِ، والرّحْمَةِ، والحُبِّ.
قال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21]..
و اعتنى الإسلام بالطفل مبكرا قبْلِ وجوده، فحَثَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المرأةَ وأهلَها على قبول الرجلِ الصالحِ إذا تقدَّمَ لِخِطبتها، فقال: “إذا خَطَبَ إليكم من ترضوْن دينَه وخُلقَه فزوِّجوه، إلَّا تفعلوا تكنْ فتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ عريضٌ أخرجه الترمذي وسنده حسن”.
وَالسَّعْيُ لِلزَّوَاجِ مِنْ ذَاتِ الدِّينِ لِتَكُونَ أُمًّا مُرَبِّيَةً تَقِيَّةً طَاهِرَةً عَفِيفَةً، تُعِينُ أَبْنَاءَهَا عَلَى التَّرْبِيَةِ الصَّالِحَةِ لِقَوْلِ الرَّسُولِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ: “تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ”.
وَمِنْ هُنَا يَرَى عُلَمَاءُ التَّرْبِيَةِ أَنَّ دَوْرَ الْأُمِّ فِي تَرْبِيَةِ الطِّفْلِ يَسْبِقُ دَوْرَ الأَبِ؛ وَذَلِكَ لِكَثْرَةِ مُلَازَمَتِهَا لِلطِّفْلِ مُنْذُ تَكْوِينِهِ جَنِينًا فِي بَطْنِهَا حَتَّى يَكْبَرَ، وَصَدَقَ الشَّاعِرُ حَافِظ إَبْرَاهِيم إِذْ يَقُولُ:
الْأُمُّ مَدْرَسَةٌ إِذَا أَعْدَدْتَهَا *** أَعْدَدْتَ شَعْبًا طَيِّبَ الْأَعْرَاقِ
وقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ؛ فَانْكِحُوا الْأَكْفَاءَ، وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِمْ”(أخرجه الحاكم وسنده صحيح)..
وإذا تم عَقْدُ النكاحِ وأرادَ الرجلُ أنْ يأتيَ زوجتَه فقدْ أُمِرَ بالدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيثُ قال عليه الصلاة والسلام: (لَوْ أنَّ أحَدَكُمْ إذا أرادَ أنْ يَأْتِيَ أهْلَهُ، فقالَ: باسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنا الشَّيْطانَ وجَنِّبِ الشَّيْطانَ ما رَزَقْتَنا، فإنَّه إنْ يُقَدَّرْ بيْنَهُما ولَدٌ في ذلكَ لَمْ يَضُرُّهُ شيطانٌ أبَدًا).أخرجه الإمام البخاري واللفظ لأبي داود .
فإذا تكوَّنَ الطفلُ في الرَّحِم أعَدَّ اللهُ له فائقَ الرِّعايةِ والعناية، وحرَّمَ الاعتداءَ عليه، وأجازَ لأُمِّهِ أن تُفطِرَ في رمضان أثناءَ حَمْلِها؛ رحمةً بها، وحتى تتهيأ للطفل ظُروفُ النُّمُو، فإذا حَلَّ الطفلُ بأرضِ الحياةِ، جعلَه اللهُ بَهْجَةً وزينةً في قلوب مَنْ حولَه: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾.
ومن السنة : استحبابُ البِشارةِ بالطفل؛ لقوله – تعالى -: ﴿ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ﴾ [هود: 71]، ولقوله – تعالى -: ﴿ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ﴾ [الصافات: 101].
ومن السنة أيضا : الأذانُ في أذُنِ الطفلِ اليمنى ، وإقامة الصلاة في الأذن اليسرى ..
عن أبي رافعٍ رضي الله عنه قال: “رأيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أذَّن في أُذُنِ الحَسَنِ بنِ عليٍّ حين ولدَتْه فاطمةُ بالصَّلاةِ” أخرجه أبو داود ..
فيكونَ أوَّل ما يقرعُ سمعَه كلماتُ الآذانِ التي تُثبتُ الكبرياءَ والعظمةَ للهِ، والشهادةُ هي أوَّل ما يَدخلُ به الإنسانُ الإسلامَ، وبذلك يَزدادُ الشيطانُ منه بُعدًا.
وسنة الاذان عند الولادة والصلاة على الميت عند الوفاة دليل قصر الحياة الدنيا ..
وصدق القائل:
آذانُ المرءِ حين الطفل يأتي .. وتأخيرُ الصلاةِ إلى الممات دليل أن مَحياه قصيرٌ كما بين الأذان إلى الصلاة ..
ومن حق الطفل: أن يَرضَع من لبن أمِّه؛ لقول الله جل وعلا: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ﴾ [البقرة: 223].
وقد ثبتت قيمةُ هذه الرَّضَاعةِ وأثرُها على الطفل صِحِياً ونَفْسِياً،
وَمِنْ حُقُوقِ الطِّفْلِ عَلَى أَبِيهِ: حُسْنُ التَّسْمِيَةِ، فَعَلَى الْأَبِ اخْتِيَارُ الِاسْمِ الْحَسَنِ لِأَبْنَائِهِ وَبَنَاتِهِ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ حسن الأَثَرٍ ..
قال رسولُ اللهِ – صلَّى الله عليه وسلَّم -: (إنَّكم تُدْعونَ يومَ القيامةِ بأسمائِكم وبأسماءِِ آبائِكم فأحْسِنوا أسماءَكم) أخرجه الإمام أبو داود في بمجموع طرقه سنده حسن .
وقال – عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ -: ((إنَّ أحبَّ أسمائِكم إلى اللهِ – عزَّ وجلَّ -: عبدُ اللهِ، وعبدُ الرحمنِ) أخرجه الإمام مسلم .
وكذلك أسماء الرسل والأنبياء والمعاني الطيبة في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، من الأسماء الحسنة المطلوبة لأولاد المسلمين..
والأسماء القبيحة تكون مادة للسخرية والاستهزاء .
قال الإمامُ عليٌّ: “إنَّ للولدِ على والدِه حقًّا: أنْ يُحسِنَ اسمَه، وأنْ يُحسِنَ أدبَه، وأنْ يُعلِّمه القرآنَ”.
(ميزان الحكمة).
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: “بَيْنَ الِاسْمِ وَالْمُسَمَّى عَلَاقَةٌ وَرَابِطَةٌ تُنَاسِبُهُ، وَقَلَّمَا يَتَخَلَّفُ ذَلِكَ؛ فَالْأَلْفَاظُ قَوَالِبُ لِلْمَعَانِي، وَالْأَسْمَاءُ قَوَالِبُ الْمُسَمَّيَاتِ..
فَقُبْحُ الِاسْمِ عُنْوَانُ قُبْحِ الْمُسَمَّى، كَمَا أَنَّ قُبْحَ الْوَجْهِ؛ يَعْنِي: الْقُبْحَ الْمَعْنَوِيَّ، عُنْوَانُ قُبْحِ الْبَاطِنِ، وَمِنْ هَاهُنَا- وَاللهُ أَعْلَمُ- أَخَذَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ: “مَا اسْمُكَ؟ فَقَالَ: جَمْرَةُ، فَقَالَ: ابْنُ مَنْ؟ قَالَ: ابْنُ شِهَابٍ، قَالَ: مِمَّنْ؟ قَالَ: مِنَ الْحُرَقَةِ، قَالَ: أَيْنَ مَسْكَنُكَ؟ قَالَ: بِحَرَّةِ النَّارِ، قَالَ: بِأَيَّتِهَا؟ قَالَ: بِذَاتِ لَظًى، فَقَالَ عُمَرُ: أَدْرِكْ أَهْلَكَ؛ فَقَدِ احْتَرَقُوا”، فَكَانَ كَمَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-“(تحفة المودود بأحكام المولود ..
“وَفِي تَسْمِيَةِ الْمَوْلُودِ بِأَحَبِّ الْأَسْمَاءِ إِلَيْهِ وَتَكْنِيَتِهِ مَا يُنَمِّي فِيهِ شُعُورُ التَّكْرِيمِ وَالِاحْتِرَامِ، وَيُنَمِّي فِيهِ قُوَّةَ الشَّخْصِيَّةِ؛ لِاسْتِشْعَارِهِ أَنَّهُ بَلَغَ مَرْتَبَةَ الْكِبَارِ، وَفِيهَ -أَيْضًا- مُلَاطَفَتُهُ، وَإِدْخَالُ السُّرُورِ عَلَيْهِ، بِمُنَادَاتِهِ بِأَحَبِّ الْأَسْمَاءِ إِلَيْهِ”(كيف نربي أبناءنا تربية صالحة ).
ومن السنة كذلك: حَلْقُ رأسِه، وخِتانُه، والعقيقةُ عنه؛ لقول النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -: (الغلامُ مُرْتَهَنٌ بِعقِيقَتِه، فأَهْرِيقُوا عنهُ الدَّمَ، وأمِيطُوا عنهُ يومَ السَّابِعِ، ويُسَمَّى ويُحْلَقُ رأْسُهُ)، والعَقِيقَةُ: هي الذَّبِيحَةُ الَّتِي تُذبَحُ عن المولودِ، وإماطةُ الأذى عن طريق حَلْقِ رأسِه، ويُتَصَدَّقُ بوزن الشَّعَرِ ذهبًا أو فِضةً، والخِتانُ من سُننِ الفِطْرَة؛ كما قال النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: (الفِطْرَةُ خَمْسٌ، أَوْ خَمْسٌ مِنَ الفِطْرَةِ: الخِتَانُ، وَالِاسْتِحْدَادُ، وَنَتْفُ الإبْطِ، وَتَقْلِيمُ الأظْفَارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ).
العنصر الثاني: حسن التربية وفق أحكام الإسلام ..
من أهم حقوق الطفل في إسلامنا العظيم حقه في التربية..
وأساس التربية أن تنغرس كلمة الله أكبر في أعماقه، فينشأ عليها، وترسخ فيه شهادة أن لا إله إلا الله؛ فتكون مفتاح دخوله إلى الدنيا، وخاتمة خروجه منها، فيعيش موحدا، معظما لله، ذاكرا له أناء الليل وأطراف النهار..
وإنَّ من واجبات الأبوين نَحْوَ أولادِهم: تعليمهم القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والصلاة ، وسائر الفرائض ..
وَمِنْ هُنَا وَجَّهَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى التَّعْلِيمِ فِي هَذَا السَّنِّ؛ فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: “عَلِّمُوا أَوْلَادَكُمُ الصَّلَاةَ إِذَا بَلَغُوا سَبْعًا، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا إِذَا بَلَغُوا عَشْرًا، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ”( صَحِيحِ الْجَامِعِ)، وَقَوْلُهُ لِلْحَسَنِ: “كِخْ كِخْ أَلَا تَعْلَمُ أَنَّ آلِ مُحَمَّدٍ لَا يَأْكُلُونَ الصَّدَقَةَ؟!”..
قال الحافظ السيوطيُّ – رحمه الله : تعليمُ الصبيانِ القرآن أصلٌ من أصول الإسلام ،فينشاؤون على الفطرة، ويسبق إلى قلوبِهِم أنوارُ الحكمة قبل تمكن الأهواء منها ، وسوادها بأكدار المعصية والضلال .
(ملتقى أهل الحديث)..
كما أَنَّ الصَّحَابَةَ رضوان الله عليهم كَانُوا يُحَفِّظُونَ أَبْنَاءَهُمْ أَحَادِيثَ الرَّسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُنْذُ صِغَرِهِمْ؛ فَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: “كُنْتُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غُلَامًا، فَكُنْتُ أَحْفَظُ مِنْهُ مَا يَمْنَعُنِي مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا هَا هُنَا رِجَالًا هُمْ أَسَنُّ مِنِّي”.
بَلْ كَانَ السَّلَفُ يُعْطُونَ مُكَافَآتٍ لِأَطْفَالِهِمْ عَلَى حِفْظِ الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ وَعَلَى الصَّوْمِ وَالْقُرْآنِ، وَالْمُكَافَآتُ -حَقِيقَةً- أَمْرٌ تَرْبَوِيٌّ فِي التَّشْجِيعِ عَلَى التَّعْلِيمِ. ..
ومن حقوقهم تَعريفَهم أحكامَ الحلالِ والحرامِ عند بلوغِهم سِنَّ التكليف، وتربيتَهم على حُبِّ اللهِ تعالى وحُبِّ رسولِه – صلَّى الله عليه وسلَّم – وتعليمَهم التوحيدَ والسيرةَ النبويَّةَ، وغرْسَ التقوى والعُبوديَّةِ ومراقبةِ اللهِ في قلوبهم، وتربيتَهم على الرحْمةِ والأخوَّةِ والإيثارِ والعفوِ والجُرْأةِ مع التزامِ الأدبِ الحَسَن – كما يجب أيضًا تحذيرُ الأولادِ من الإسرافِ، والسَّرِقةِ والخِصامِ والسِّبابِ، والمُيوعَةِ والانحلالِ، والتشبُّهِ بالنساء، والاختلاطِ المُحرَّمِ والنظر إلى محارم الناس – ويَجبُ نَهيُ البنتِ عن السُّفورِ، وعن الاختلاطِ بغير محارمِها، ونهيُها عن التشبُّهِ بالرجال، كما يجبُ تعليمُها العفافَ والاحتشامَ، ويَجبُ إبعادُ الأولادِ عن جُلَساء السُّوء؛ فإنَّ الجليسَ هو المؤثِّرُ الأوَّلُ في حياة الطفل – وعلى الآباءِ أمرُ الأولادِ بمراعاةِ حقوقِ الأبوين، والأرحامِ، والمُعلِّمِ، والكبيرِ والصغير، ويجبُ تحذيرُ الأولادِ من المُخدِّرات بِشَتَّى أنواعِها، وإفهامُهم بأنَّها ضَررٌ في الدين والدنيا، وعلى الآباء أن يُعَوِّدوا أولادَهم على استعمالِ اليدِ اليُمني في الأخْذِ والعطاءِ والأكلِ والشُّرْبِ، وغيرِ ذلك، وأن يُحِذِّروا الأولادَ من الكَذِب وأنْ يُعوِّدوهم على قولِ الصِّدقِ، وعلى اللِّبْس الحَسَنِ الساتر..
يا إخوة الإسلام نحن نعيش في زمن كثرت فيه وسائل الإعلام الفاسدة والمفسدة المخربة للأخلاق، بشاشاتها الواردة من كل حدب وصوب؛ فماذا نفعل لنحمي أبناءنا من هولها؟.. إن الملاذ هو التمسك بهذا الدين.. هو إشباع الأبناء من الغذاء الروحي.. هو أن نحصنهم بدقة تعاملنا بشرع الله أمامهم.. بأن يعيشوا الألفة والمحبة الأسرية؛ حتى نقيهم الشرور المحيطة، وهذا حقهم علينا.
هيا بنا نقلب صفحات التاريخ الإسلامي الزاهر ، في اهتمامهم بحقوق الأولاد..
فمِن الآثارِ الرائعة في ذلك أنَّ عمرَ بنِ الخطَّابِ – رضي الله عنه – كان قدِ اختارَ رَجلاً كي يولِّيه الولايةَ مِن قِبلِه، وفي أثناءِ كتابتِه لكتابِ الوَلايةِ جاءَ ولدٌ من أولادِ عمرَ فجلَس في حجرِه فأخذَ عمرُ يُقبِّله ويُداعبُه، فقال الرجلُ المُرشَّحُ للوَلايةِ: أَتَفْعَلُ ذلك مع أولادِك يا أميرَ المؤمنين؟ قال: نعَم، فماذا تفعلُ أنتَ؟ قال الرجل: يا أميرَ المؤمنينِ، إذا دخلتُ بيتي سكَتَ الناطِقُ، وجلَس الواقِفُ، ولا أسمعُ همْسًا في البيتِ. فما كان مِن عمرَ إلاَّ أنْ أمسَكَ بكتابِ الوَلايةِ ومزَّقه وهو يقولُ: ما ذَنْبي إنْ كان اللهُ نزَع الرحمةَ مِن قلبِكَ، إنَّما يرحمُ اللهُ مِن عبادِه الرُّحماءَ، إذا لم يَرحمْ أولادَه، فكيف يَرحمُ الرعيّ؟!. (شبكة الألوكة).
وأثناء تتبع سيدنا عمر بن الخطاب القافلة سمع بكاء طفل فنبه أمه، فبكى ثانية نبه أمه، فبكى، فغضب: قال: أرضعيه، قالت ما شأنك بنا؟ إني أفطمه، قال: ولم؟ قالت لأن عمر لا يعطي العطاء إلا بعد الفطام، تروي الروايات أنه ضرب جبهته وقال ويحك يا بن الخطاب كم قتلت من أطفال المسلمين؟ وصلى الفجر في أصحابه لم يفهم أصحابه قراءته من شدة بكائه، لكنه دعا فقال يا رب هل قبلت توبتي فأهنئ نفسي أم رددتها فأعزيها؟..
وَالْيَوْمَ نَجِدُ الْغَرْبَ يحتفي و يَتَغَنَّى بِيَوْمِهِ الْعَالَمِيِّ لِلطُّفُولَةِ مُقْتَصِرًا عَلَى تَنْظِيرِهِ وَتَأْصِيلِهِ وَرَصْدِهِ وَتَقْوِيمِهِ، وَمُفْسِحًا الْمَجَالَ لِأَعْضَائِهِ فِي مُؤْتَمَرَاتِهِ لِلتَّنْظِيرِ عَنْ حُقُوقِ الطِّفْلِ وَالتَّعْبِيرِ عَنْهَا نَاسِينَ أَوْ مُتَنَاسِينَ مَا يَعِيشُهُ أَطْفَالُ الْعَالَمِ عَامَّةً، وَأَطْفَالُ افريقيا وفِلَسْطِينَ خَاصَّةً مِنَ انْتِهَاكَاتٍ سَافِرَةٍ لِأَطْفَالِهِمْ وَتَغْيِيبٍ كَامِلٍ لِأَبْسَطِ حُقُوقِهِمْ.
وَإِنَّ الِاحْتِفَالَ بِهَذَا الْيَوْمِ يَجْعَلُنَا نَتَسَاءَلُ: مَاذَا قَدَّمَ الْعَالَمُ الْغَرْبِيُّ لِأَطْفَالِ الْعَالَمِ الْمَنْكُوبِ عَبْرَ مُنَظَّمَاتِهِ الْحُقُوقِيَّةِ وَمُؤَسَّسَاتِهِ نَتِيجَةَ الْمَجَاعَاتِ الْفَتَّاكَةِ وَالْحُرُوبِ التي رَاحَ ضَحِيَّتَهَا الْمَلَايِينُ؛ الْآلَافُ مِنْهُمْ يَمُوتُونَ غَرَقًا وَالْمَلَايِينُ يَتَضَوَّرُونَ جُوعًا فِي مُخَيَّمَاتِ الْإِيوَاءِ وَأَمَاكِنِ النُّزُوحِ، وَعَشَرَاتُ الْآلَافِ يُزَجُّ بِهِمْ فِي الْحُرُوبِ وَالسُّجُونِ السِّرِّيَّةِ، وَمِثْلُهُمْ يَتَعَرَّضُونَ لِلِابْتِزَازِ وَالِاغْتِصَابِ.
فَيَا تِلْكَ الْمُنَظَّمَاتُ غَيْرُ الْمُنَظَّمَةِ، عَنْ أَيِّ حُقُوقٍ تَتَشَدَّقُونَ، وَحَيَاةُ مَلَايِينِ الْأَطْفَالِ في هدر ؟!..
أَيْنَ قَوَانِينُ الْأُمَمِ الْمُتَّحِدَةِ الْحِبْرِيَّةُ وَأَنْظِمَتُهَا الْهَشَّةُ مِنَ الْإِحْصَائِيَّاتِ الْمُذْهِلَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِأَطْفَالِ الْعَالَمِ عُمُومًا، وَالْمُسْلِمِينَ خُصُوصًا..
أَيُّهَا الْعَالَمُ الْمُتَحَضِّرُ:
لَقَدْ عَمِيتْ عُيُونُ الْغَرْبِ وَالْمُعْجَبِينَ بِهِ وَصُمَّتُ آذَانُهُمْ عَنْ مُخَلَّفَاتِ تِلْكَ الْأَسْلِحَةِ الْمُدَمِّرَةِ الَّتِي سَحَقَتِ الْحَجَرَ وَأَحْرَقَتِ الشَّجَرَ فَضْلًا عَنْ صِغَارِ الْبَشَرِ، وَالْمُتَابِعُ لِوَسَائِلِ الْإِعْلَامِ سَتَكْشِفُ لَهُ عَنْ ضَحَايَا بَشَرِيَّةٍ مُرْعِبَةٍ؛ أَجِنَّةٍ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ، وَأَطْفَالٍ خُدَّجٍ بَيْنَ أَحْضَانِهِنَّ، قَدِ اخْتَلَطَتْ دُمُوعُهُمْ بِدِمَائِهِمْ، وَجُلُودُهُمْ بِعِظَامِهِمْ، وَالنَّاجِي مِنْهُمْ نَزَحَ إِلَى الْمُخَيَّمَاتِ وَالْكُهُوفِ يُقَاسُونَ حَيَاةً لَا يَمْلِكُونَ فِيهَا الْحَدَّ الْأَدْنَى مِنْ مُقَوِّمَاتِهَا.
إِنَّ هَذِهِ الْمَأْسَاةَ لَا يَرْضَاهَا الْغَرْبُ لِكِلَابِهِ، فَضْلًا عَنْ بَنِي الْبَشَرِ والى الله المشتكى و المستعان ..(ملتقى الخطباء) ..
العنصر الثالث : العدل بين الأولاد في المعاملة والعطاء .
من الضروريات في تربية الأولاد العدل وعدم التفرقة بين الأولاد في المعاملة والعطاء ، فدين الإسلام يأمرُ بالعَدْلِ بيْن الأولادِ في المُعاملةِ وفي العطاءِ، وعدم تفضيل بعض الأولاد على بعض ، فلا يُفضّل الذَّكر على الأُنْثى، ولا الكبير على الصغير ، ولا الغني على الفقير ، ولا الأخير على غَيرِه، ولا المتحدث اللبق على من لا يجيد الكلام ، ولا يكتب أحد الوالدين شيئا من الممتلكات لأحدهم ويحرم الباقي ، ولا يكتب الآباء للذكور ويحرمون الإناث ؛ حتى ينمي فيهم الحب والمودة ويقطع أسباب الشقاق .
ومن أحاديث السنَّة النبوية أنَّ النُّعمانَ بنَ بَشيرٍ – رضي الله عنهما – كان محبوبًا لدَى والدِه، وكانَ صغيرًا، فأراد أنْ يُفضِّله على بقيَّة أولادِه فأبتْ زوجتُه، وقالتْ: لا أقبلُ حتى تُشهِدَ عليه رسولَ اللهِ – صلَّى الله عليه وسلَّم – فإنْ كان مُباحًا أجازَه، وإلاَّ منعكَ، فذهبَ بَشيرٌ إلى رسولِنا مُحَمَّدٍ – صلَّى الله عليه وسلَّم – فسألُه الرسولُ: ((أَكُلَّ ولدِكَ نَحلتَ مِثِلَ هذا؟)) قال: لا، فقال رسولُ اللهِ – صلَّى الله عليه وسلَّم -: (لا تُشهِدوني إذًا، لا أشهدُ على جَورٍ، لا أشهدُ على جَوْرٍ، لا أشهدُ على جَورٍ، أَشْهِدْ على ذلك غيري) أخرجه الإمام مسلم
وفي رواية الإمام البخاري في الصحيحين عن النُّعمان بن بشير قال: “أَعْطَانِي أبِي عَطِيَّةً، فَقالَتْ عَمْرَةُ بنْتُ رَوَاحَةَ: لا أرْضَى حتَّى تُشْهِدَ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأتَى رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: إنِّي أعْطَيْتُ ابْنِي مِن عَمْرَةَ بنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً، فأمَرَتْنِي أنْ أُشْهِدَكَ يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: أعْطَيْتَ سَائِرَ ولَدِكَ مِثْلَ هذا؟، قالَ: لَا، قالَ: فَاتَّقُوا اللَّهَ واعْدِلُوا بيْنَ أوْلَادِكُمْ، قالَ: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ” ..
إن كثيرا من المآسي الأخلاقية والقطيعة الاجتماعية ، قد يكون من أكبر أسبابها عدم العدل والتفرقة في العطاء والمعاملة بين الأولاد .
والأسرةُ الإسلاميَّةُ التي أقامَها الإسلامُ على المودَّةِ والرحمةِ والصفاءِ، إذا ما فُضِّل فيها واحدٌ مِن الأبناءِ على الآخرين، تحوَّلتِ العلاقةُ مِن مودَّةٍ إلى شقاقٍ، ومن رحمةٍ إلى قَسوةٍ، ومِن اطمئنانٍ وسُكونٍ إلى اضطرابٍ وهجْرٍ، ولعلَّ قصةَ سيِّدِنا يُوسُفَ – عليه السلام – خيرُ شاهِدٍ على ذلك؛ فيُوسُفُ – عليه السلام – يقولُ لأبيه: ﴿ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ﴾ [يوسف: 4]، فيعلمُ يعقوبُ – وهو نبيٌّ – مِن هذه الرُّؤيا أنَّ ابنَه سيكونُ نبيًّا مِن بعدِه، فيفرحُ به ويَميلُ بقلبِه إليه، فكان إذا دخَل عليه ابتسمَ له – ويعقوبُ نبيٌّ – لا يُمكن أنْ تقولَ: إنَّه يُفضِّلُ يوسفَ على غيره، ولكن الذي يَملِكُ القلبَ هو اللهُ، فقلبُه كان يميلُ إلى يوسفَ لِمَا ينتظرْه من النُّبوَّةِ، هذه الابتسامةُ جرَّتْ على يوسفَ الويلاتِ، جعلتْ الإخوةَ يَقولون: ﴿ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ ﴾ [يوسف:8 / 9].
وختاماً : نناشد الآباء والأمهات ، وكل من هو في موقع المسئولية الاهتمام بتربية الأولاد خاصة في عصرنا ، عصر التقدم التكنولوجي والانفتاح ، فالقنوات الفضائية وما تبثه من إغواء أو إغراء تخالف قيم المجتمع الإسلامي وتدعو إلى الفحش والرذيلة، والشبكة العنكبوتية وما تحمله في طياتها من مواقع إباحية أو عدائية ومقالات تدعو إلى مساوئ الأخلاق، وفي المقابل طرح خيارات فكرية ، تشوه الأفكار الإسلامية الصافية ، وتحارب مبادئه وقيمه الزكية، وتنوع مجالات الانفتاح وازديادها ، بحيث لا يمكن حجبها يزيد من صعوبة التربية في زمن الانفتاح، لقد أصبحنا من خلال الوسائل التكنولوجية الحديثة كالتلفاز والدش والمحمول والانترنت نستقبل أفكار الأمم وثقافتهم وما يبث من سموم وغزو فكري .
وخطورة ما يعرض على هذه الوسائل من أغاني و أفلام هابطة أو إعلانات وبرامج تافهة تصرح أو تلمح للعلاقة بين الرجل والمرأة، فيراها طفل لم يبلغ الخامسة أو السادسة، وهي تعمل على إثارة الشهوات وغرس الرذائل، مما له تأثير ضار في الإنسان، وخصوصًا فيمن هم في سن المراهقة.
ولا شك أنها تولُّد آثارا خطيرة في النفس من الصعب معالجتها ، وربما يتم إسقاطها على الواقع ، وعلى سبيل المثال لا الحصر :
(العلاقات الجنسية عبر النت، والعلاقات غير الشرعية مع المحارم، الممارسة المثلية…..الخ).
**قيام طفل صغير بتطبيق ما يرى على وسائل الإعلام مع أخته الصغيرة !!!.. وإلى الله المشتكى !!! ..
وفي ظل هذا الانفتاح تتضاعف جهود ومسؤولية الآباء و المربين والدعاة في تربية الأولاد ، وفي إعداد جيل يحمل مبادئ الإسلام وقيمه ..
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلْكَ فَرَجًا مِنْ عِنْدَكَ عَاجِلًا وَنَصْرًا مِنْ لَدُنْكَ قَرِيبًا.
اللَّهُمَّ هَبْ لَنَا مِنْ ذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَأَقِرَّ أَعْيُنَنَا بِصَلَاحِهِمْ وَعَافِيَتِهِمْ.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ ذُرِّيَّاتِنَا وَنِيَّاتِنَا وَسَرَائِرَنَا وَعَلَانِيَتَنَا ، واحفظ بلدنا مصر وسائر بلاد المسلمين ، واحقن دماء المسلمين في مكان يارب العالمين..