التصوف هو منهج الصحابة والتابعين
adminaswan
15 أبريل، 2025
التصوف المستنير
137 زيارة

بقلم الشيخ : عبد الرحمن محمد يحيى الكتاني الأزهري
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، اللهم صل على سيدنا محمد نور كل مكان ، وصل على سيدنا محمد نور كل زمان ، وصل على سيدنا محمد نور عرش الرحمن وعلى آله وصحبه وسلم
أما بعد: فلقد مُني الإسلام منذ انبثاق فجره بخصوم الداء، حاولوا تهديم أركانه، وتقويض بنيانه، بشتى الأساليب ومختلف الوسائل.
ونحن اليوم نعاني موجات إلحادية ، تدر إلينا من الشرق والغرب، تضلل شبابنا، تفسد أجيالنا، وتهدد مستقبلنا الفكري العقائدي بمصير أسود قاتم، وتنذر أمتنا بتدهور خطير، وشر مستطير، ولا يسعنا في هذا الجو المائج بالصراع الفكري، إلا ان نعتصم بحبل الله المتين، وننبذ الخلافات الفرعية الاجتهادية ونربط القلوب بالله تعالى، لنستمد منه القوة، والطمأنينة، والعزة، والكرامة.
إذا كنا نرى كل هذا في شتى العصور، فإن الذي يثير الانتباه، ويلفت الأنظار الطعنُ المقصود، والهجوم العنيف على التصوف الإسلامي، وما ذلك إلا لأنه جوهر الإسلام، وروحه النابض، وحيويته الفعالة، فلقد أرادوا المبطلون تشويه معالمه، وتصويره سَبحاً فلسفيا خيالياً، وضعفاً وعزلاً وانعزالاً، وابتداعاً خرافياً.
ولكن الله تعالى قد أذن لدينه بالحفظ والبقاء، فتحطمت اقلامهم، وذهبت الريح بدعواهم، وبقي التصوف منارة السالكين إلى الله تعالى، ومنهجياً إيجابياً لنشر الإسلام، وتدعيم بنيانه.
المسألة الأولى: التعريف بالتصوف وماهيته
أعلم أخي علمنا الله وإياك من علمه وأدبنا بأدبه، أن علم التصوف أجل العلوم وأشرفها، وأعلاها قدرا ومقاما، لتعلقه بالحق عز وجل وبالجناب النبوي الشريف، وهو قديم منذ خلق الله آدم ، لأن الحق تعالى اختار من خليقته أحباباً لذاته، وأفاض عليهم من أنوار أسمائه وصفاته.
فهو كما عرفه بعضهم: ” العلم الذى يعنى بإصلاح القلوب، وتزكية النفوس وتهذيبها، وبيان عللها وأوجه علاجها، على منهج النبي ، ومن تبعه بإحسان”.
وعرفوه أيضاً: ” بعلم أسرار الكتاب والسنة، وعلم الباطن، وعلم الحقائق، وأهله من اهل العلم بالله “
وهذا فيما ذكره العارف بالله الشيخ: إبراهيم العيسوي في كتاب ” نعيم الجنان في الاقتداء بأهل الإحسان “.
ويقرر الصوفية أن التصوف هو تحقيق مقام الإحسان الذى أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، فهو الركن الثالث من أركان الدين بعد ركني الإسلام والإيمان.
وقال صاحب (كشف الظنون): (هو علم يعرف به كيفية ترقي أهل الكمال من النوع الإنساني في مدارج سعاداتهم) إلى أن قال:
علم التصوف علمٌ ليس يعرفه إلا أخو فطنة بالحق معروف
وليس يعرفه من ليس يشهده وكيف يشهد ضوءَ الشمسِ مكفوفُ
المسألة الثانية: التصوف وصدر الإسلام
قد يتساءل الكثيرون عن السبب في عدم انتشار الدعوة إلى التصوف في صدر الإسلام، وعدم ظهور هذه الدعوة إلا بعد عهد الصحابة والتابعين؛
والجواب عن هذا : إنه لم تكن من حاجة إليها في العصر الأول، لأن أهل هذا العصر كانوا أهل تقوى وورع، وأرباب مجاهدة وإقبال على العبادة بطبيعتهم، وبحكم قرب اتصالهم برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكانوا يتسابقون ويتبارون في الاقتداء به في ذلك كله.
فالصحابة والتابعون وإن لم يسموا باسم المتصوفين كانوا صوفين فعلاً ، وإن لم يكونوا كذلك اسماً، وماذا يراد بالتصوف أكثر من أن يعيش المرء لربه لا لنفسه، ويتحلى بالزهد وملازمة العبودية، والإقبال على الله بالروح والقلب في جميع الأوقات ، وسائر الكمالات التي وصل بها الصحابة والتابعون من حيث الرقي الروحي إلى أسمى الدرجات قهم لم يكتفوا بالإقرار في عقائد الإيمان ، والقيام بفروض الإسلام ، بل قرنوا الإقرار بالتذوق والوجدان ، وزادوا على الفروض الإتيان ما استحبه الرسول صلى الله عليه وسلم من نواف العبادات ، وابتعدوا عن المكروهات فضلاً عن المحرمات حتى استنارت بصائرهم ، وتفجرت ينابيع الحكمة من قلوبهم، وفاضت الأسرار الربانية على جوانحهم.
وكذلك كان شأن التابعين وتابعي التابعين، وهذه العصور الثلاثة كانت أزهى عصور الإسلام وخيرها على الإطلاق، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله (خير القرون قرني هذا فالذي يليه والذي يليه) وقد أخرجه الإمام البخاري في صحيحه
يُتبع ان شاء الله…