خطبة بعنوان ( الطفولة بناء وأمل ) للشيخ عادل التونى

إعداد الشيخ / عادل عبدالكريم توني إبراهيم

إمام وخطيب ومدرس بوزارة الأوقاف

 

الجمعة 19 من جمــادى الآخر 1446هـ  لموافق 20 من ديسمـــــــبـر 2024م

عناصر الخطبة :

١- الأولاد نعمة تستوجب الشكر .

٢- الأولاد أمانة ومسئولية عظيمة .

٣- حقوق الأولاد علي الوالدين .

٤- قواعد وأسس التربية .

الخطبة الأولي. :

الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله هو خير الخلق وحبيب الحق ورحمة الله للخلق أجمعين .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين

أما بعد أيها المسلمون :

(١) – الأولاد نعمة تستوجب الشكر .

يقول الله تعالي : ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ۚ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ ﴾ [النحل: 72].

إن من أعظم نعم الله على عباده التي تلتقي مع فطرهم وغرائزهم نعمة الأولاد ، ولهذا ذكر الله من مننه على خيار خلقه الأزواج والذرية فقال سبحانه : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [الرعد: 38]

وقال تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف:46].

والنفس البشرية جبلت على حب الأولاد والذرية الصالحة ، قال تعالى عن زكريا عليه السلام: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء}. [آل عمران: 38].

وقال تعالى حين ذكرَ صفات عباد الرحمن :{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74]

والأولاد ذُخرٌ لآبائهم ورفع لدرجاتهم في الآخرة ، إذا أحسن الآباء تربيتهم ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ، قَالَ: (( إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ )).(رواه مسلم (1631)

وقال تعالى {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الطور: 21]

– وينبغي علي العبد أن يشكر الله تعالى علي ما وهبه من نعمة الأولاد سواء كانوا بنين أو بنات فالله تعالي هو الوهاب الرزاق وله الحكمة في العطاء والمنع ، قال تعالى: ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ﴾ [الشورى: 49، 50].

فقد كان في الجاهلية إذا رزق الرجل بالبنت ظلَّ وجهُهُ مسودًا، وكانوا يتخافتون ويسخرون من بعضهم إذا رُزق أحدهم وبشِّر بالأنثى: ﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ [النحل: 58، 59].

فكانوا يدفنون الإناث أحياءً والله يقول: ﴿ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ﴾ [التكوير: 8، 9]، بمعنى لماذا تقتلونها؟ لماذا تفضِّلون الذكور على الإناث؟ لماذا الاعتراض على حكم الله واختيار الله؟

كان أبو حمزة رجل من السابقين كانت له زوجةٌ صالحة أنجبت له بنتًا وراء بنت، حتى أصبحت ذريته من البنات، فترك بيتها وأصبح يبيت عند جيرانه، فقالت زوجته تناديه بكل أدبٍ واحترام وبكلماتٍ رائعة مهذبةٍ وبدُرر ذهبية ثمينة، فقالت:

ما لأبي حمزة لا يأتينا؟

يظل في البيت الذي يلينا

غضبان ألا نلد البنينا

تالله ما ذلك في أيدينا

وإنما نأخذ ما أعطينا

ونحن كالأرض لزارعينا

ننبت ما قد زرعوه فينا .

***

(٢) – الأولاد أمانة ومسؤولية عظيمة .

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾[ سورة التحريم: 6]

قال ابْن عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- : اعْمَلُوا بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَاتَّقُوا مَعَاصِيَ اللَّهِ، ومُروا أَهْلِيكُمْ بِالذِّكْرِ، يُنْجِيكُمُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ.

وقال قَتَادَة -رحمه الله- : يَأْمُرَهُمْ بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَيَنْهَاهُمْ عَنْ مَعْصِيَتِهِ، وَأَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ بِأَمْرِ اللَّهِ يَأْمُرَهُمْ بِهِ وَيُسَاعِدَهُمْ عَلَيْهِ، فَإِذَا رَأَيْتَ لِلَّهِ مَعْصِيَةً رَدَعْتَهُمْ عَنْهَا، وَزَجَرْتَهُمْ عَنْهَا.

وقَالَ الضَّحَّاكُ وَمُقَاتِلٌ: حَقٌّ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يُعَلِّمَ أَهْلَهُ، مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَمَا نَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْهُ.( تفسير الطبري (23/ 103) وتفسير ابن كثير (8/ 167)

يقول الغزالي -رحمه الله- : “الصَّبِيُّ أَمَانَةٌ عِنْدَ وَالِدَيْهِ ، وَقَلْبُهُ الطَّاهِرُ جَوْهَرَةٌ نَفِيسَةٌ سَاذَجَةٌ خَالِيَةٌ عَنْ كُلِّ نَقْشٍ وَصُورَةٍ، وَهُوَ قَابِلٌ لِكُلِّ مَا نُقِشَ فيه ، فَإِنْ عُوِّدَ الْخَيْرَ وَعُلِّمَهُ نَشَأَ عَلَيْهِ وَسَعِدَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَشَارَكَهُ فِي ثَوَابِهِ أَبَوَاهُ وَكُلُّ مُعَلِّمٍ لَهُ وَمُؤَدِّبٍ، وَإِنْ عُوِّدَ الشَّرَّ وَأُهْمِلَ إِهْمَالَ الْبَهَائِمِ شَقِيَ وَهَلَكَ، وَكَانَ الْوِزْرُ فِي رَقَبَةِ الْقَيِّمِ عَلَيْهِ.”

وقد صرح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأهمية الوالدين في تربية الأولاد ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- : (( كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ )).( رواه البخاري (1385) ومسلم (22 )

ولقد اشتد حرص السلف على مباشرة هذه المهمة الجسيمة، حتى أن المنصور بعث إلى مَن في الحبس من بني أمية، يقول لهم: ما أشدُّ ما مَرَّ بكم في هذا المحبس؟ ، فقالوا: ما فقدنا من تربية أولادنا. محو الأمية التربوية (1/ 19)

فالأولاد أمانة عند الوالدين كلفهم الله بحفظها ورعايتها وهم أولى الناس بالبر وأحقهم بالمعروف، فكما أنك إذا أطعمتهم وكسوتهم وقمت بتربية أبدانهم فأنت قائم بالحق مأجور عليه. فكذلك بل أعظم منه إذا قمت بتربية قلوبهم وأرواحهم بالعلوم النافعة والمعارف الصادقة والتوجيه للأخلاق الحميدة والتحذير من ضدها.

وينشأُ ناشئُ الفتيـانِ منـَّا

. .على ما كان عوَّدهُ أبـوه

وما دان الفتى بحجىً ولكن

. .عوِّدُه التدينَ أقربـوه

– إنها المسؤولية الثقيلة

إن مهمة تربية الأولاد مهمة عظيمة يجب على الآباء أن يحسبوا لها حسابها ويعدوا العدة لمواجهتها ، خصوصا في هذا الزمان الذي تلاطمت فيه أمواج الفتن واشتدت غربة الدين وكثرت فيه دواعي الفساد حتى صار الأب مع أولاده بمثابة راعي الغنم في أرض السباع الضارية إن غفل عنها أكلتها الذئاب. ( تذكير العباد بحقوق الأولاد (ص: 4)

قَالَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- لِرَجُلٍ: يَا هَذَا أَحْسِنْ أَدَبَ ابْنِكَ فَإِنَّكَ مَسْئُولٌ عن أَدَبِهِ وَتَعْلِيمِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ بِرِّكَ وطاعته لك.

وعَنِ الْحَسَنِ البصري -رحمه الله- ، قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ مَنْ وَعَظَ نَفْسَهُ وَأَهْلَهُ فَقَالَ: يَا أَهْلِي صَلَاتَكُمْ صَلَاتَكُمْ ، زَكَاتَكُمْ زَكَاتَكُمْ ، جِيرَانَكُمْ جِيرَانَكُمْ ، مَسَاكِينَكُمْ مَسَاكِينَكُمْ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَرْحَمَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَثْنَى عَلَى عَبْدٍ كَانَ هَذَا عَمَلهُ فَقَالَ: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} [مريم: 55].( النفقة على العيال لابن أبي الدنيا (1/ 506)

فعلى الآباء أن يستشعروا أهمية هذه التربية المنوطة بهم ، وأنه من الإساءة للأبناء والإخلال بالأمانة التي استودعها الله لهم أن يتركوهم بدون تربية وتوجيه.

يقول الشاعر :

ليس اليتيمُ مَن انتهى أبواه مِنْ ..

.. هَـمِّ الحياةِ وخلَّـفاه ذلـيلا

إنَّ اليــتــيمَ الــذي تَـلْــقَى لــه ..

.. أُمَّاً تَخَلَّتْ أو أَبًا مَشْغُولا

أحمد شوقي، انظر: الشوقيات، 1/ 183.

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- ، أَنَّهُ: سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: (( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا،…. فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)).( رواه البخاري (893) ومسلم (1829)

وعَنْ أَنَس بن مالك -رضي الله عنه- ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (( إِنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ، أَحَفِظَ ذَلِكَ أَمْ ضَيَّعَ؟ حَتَّى يُسْأَلَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ)).( رواه النسائي (9129)

وعن مَعْقِل بْن يَسَارٍ الْمُزَنِيّ -رضي الله عنه- قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: (( مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ)).(رواه مسلم (142)

وفي رواية: (( فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ، إِلَّا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ)).(. رواه البخاري (7150 )

وعن عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو -رضي الله عنهما- ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: (( كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ)).(رواه النسائي (9131)

***

.(٣)- هذه بعض الحقوق كما بينها القرآن الكريم ، ووضحتها السنة النبوية المطهرة :

– التربية على الإيمان والعقيدة الصحيحة:

خير ما يُربى عليه الأبناء، وآكد وأوجب ما يُراعى في تربية الأبناء : التربية الإيمانية، فأول ما يغرس الوالدان في قلب الولد الإيمان بالله عز وجل الذي من أجله خلق الله خلقه وأوجدهم: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] .

أن يتعرف الأبناء على ربهم عز وجل وعلى نبيهم -صلى الله عليه وسلم-، وعلى دينه الذي رضيه لهم، فهذه العقيدة وصى بها يعقوب عليه السلام بنيه عند الموت فقال: {يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 132] وقال لقمان عليه السلام لولده الوصية الجامعة التي جمعت الأصول والفروع معلمًا إياه كما قال الله: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]

فأول ما ابتدأ به وأول ما دله عليه في وعظه ونصحه وتوجيهه، أن ذكرهُ بحق الله جل جلاله، وبين له أن ضياع هذا الحق هو الظلم العظيم؛ لأن الظلم وضع الشيء في غير موضعه.(فقه الأسرة (4/ 9)

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لابن عباس -رضي الله عنهما- (( إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ )).(رواه الترمذي (2516) وصححه الألباني في صحيح الجامع (2/ 1318)

– تنمية المراقبة الذاتية في نفوس الأولاد.

لقد ركز منهج الإسلام في التربية على تنمية جانب المراقبة لله عزَّ وجلَّ في النفس الإنسانية خصوصًا الأبناء، قال الله تعالى عن لقمان الذي أرشد ولدَه إلى هذه المراقبة: { يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} [لقمان: 16]

وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- ، قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا، فَقَالَ: (( يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ )).(رواه الترمذي (2516) وصححه الألباني في صحيح الجامع (2/ 1318)

– تعليمهم وسائر الواجبات ، قال الله تعالى عن لقمان يأمر ولدَه ﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾

[ لقمان: 17]

قال الله تعالى لنبيه -صلى الله عليه وسلم- وللمؤمنين تبعا له{ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه: 132]

وأثنى الله على نبيه إسماعيل عليه السلام :{ وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} [مريم: 55]

وعَنْ عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : (( مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ)).(رواه أبو داود (495) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2/ 1022)

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- : (( علموا أولادكم الصلاة إذا بلغوا سبعا واضربوهم عليها إذا بلغوا عشرا وفرقوا بينهم في المضاجع)).(رواه البزار (9823) وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته (2/ 744)

قال البيهقي -رحمه الله- في السنن الكبرى: باب ما على الآباء والأمهات من تعليم الصبيان أمر الطهارة والصلاة. ثم ساق بسنده الحديث المتقدم.(السنن الكبرى للبيهقي (3/ 83))

– تدريبهم علي الصوم إذا أطاقوه ، عن الربيع بنت معوذ بن عفراء قالت : “أَرْسَلَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إلى قُرَى الأنْصَارِ، الَّتي حَوْلَ المَدِينَةِ: مَن كانَ أَصْبَحَ صَائِمًا، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، وَمَن كانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا، فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَومِهِ. فَكُنَّا، بَعْدَ ذلكَ نَصُومُهُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ منهمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَنَذْهَبُ إلى المَسْجِدِ، فَنَجْعَلُ لهمُ اللُّعْبَةَ مِنَ العِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ علَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إيَّاهُ عِنْدَ الإفْطَارِ ” . (أخرجه البخاري (1960)، ومسلم (1136).

قال ابن حجر -رحمه الله- : واستحب جماعة من السلف منهم ابن سيرين والزهري، وقال به الشافعي أنهم يؤمرون به للتمرين عليه إذا أطاقوه.(فتح الباري لابن حجر (4/ 200)

– تعليم الأولاد القرآن الكريم .

عَنْ عُثْمَانَ بن عفان -رضي الله عنه- ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (( خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ )).( رواه البخاري (5027)

وللأبوين الأجر العظيم إذا صبرا على تعليم ولدهما القرآن ، عن بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ -رضي الله عنه- ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : (( مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَتَعَلَّمَهُ وَعَمِلَ بِهِ أُلْبِسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَاجًا مِنْ نُورٍ ضَوْءُهُ مِثْلُ ضَوْءِ الشَّمْسِ، وَيُكْسَى وَالِدَيْهِ حُلَّتَانِ لَا يَقُومُ بِهِمَا الدُّنْيَا فَيَقُولَانِ: بِمَا كُسِينَا؟ فَيُقَالُ: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ )).(رواه الحاكم(1/ 756)

قال السيوطي -رحمه الله- : تعليم الصبيان القرآن أصل من أصول الإسلام، فينشأون على الفطرة، ويسبق إلى قلوبهم أنوار الحكمة قبل تمكين الأهواء منها، وسوادها بأكدار المعصية والضلال.

يقول أبو بكر بن العربي -رحمه الله- : وللقوم فيالتعليم سيرة بديعة وهي أن الصغير منهم إذا عقل بعثوه إلى المكتب.(أحكام القرآن (4/ 349)

قال البخاري -رحمه الله- في صحيحه : بَابُ تَعْلِيمِ الصِّبْيَانِ القُرْآنَ.

ثم ساق أثر ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول – مفتخرًا بما مَنّ الله عليه -: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَنَا ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ، وَقَدْ قَرَأْتُ المُحْكَمَ.(رواه البخاري (5035)

قال الشَّافِعِيّ -رحمه الله- : حَفِظْت الْقُرْآنَ وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ، وَحَفِظْت الْمُوَطَّأَ وَأَنَا ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ.( طرح التثريب في شرح التقريب )

– التربية علي الحلال والحرام والورع أيضاً، وحفظ أسرار البيت والأسرة، وهذا مما تعلمه أنس رضي الله عنه، كما في الصحيحين وغيرهما، قَالَ: انْتَهَى إِلَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا فِي غِلْمَانٍ، فَسَلَّمَ عَلَيْنَا، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدَيَّ، فَأَرْسَلَنِي بِرِسَالَةٍ، وَقَعَدَ فِي ظِلِّ جِدَارٍ أَوْ فِي جِدَارٍ حَتَّى رَجَعْتُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا أَتَيْتُ أُمَّ سُلَيْمٍ، قَالَتْ: مَا حَبَسَكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِرِسَالَةٍ، قَالَتْ: وَمَا هِيَ؟ قُلْتُ: إِنَّهَا سِرٌّ، قَالَتْ: «احْفَظْ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ»، فَمَا أَخْبَرْتُ بِهِ بَعْدُ أَحَدًا قَطُّ . فهذا مما فهمه أنس أو قال له النبي صلى الله عليه وسلم إنه سرّ، كما جاء في بعض الروايات: «أَسَرَّ إِلَيَّ نَبِيُّ اللَّهِ سِرًّا»، بل وأكدت عليه أمه، أم سليم، قَالَتْ: «احْفَظْ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ»،

وعن أبي هُرَيْرَةَ قال: أَخَذَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيَ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ، فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ : «كَخ كَخ، ارْمِ بِها، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّا لاَ نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ؟».(أخرجه البخاري ومسلم)

– تعليمهم الآداب الشرعية

تعليم الأبناء الآداب الإسلامية وتدريبهم عليها: كتشميت العاطس، وآداب الطعام والشراب، وآداب السلام ورده وآداب الإستئذان وغير ذلك، فإذا تدرب الولد على هذه الآداب والأخلاق، منذ الصغر ألفها وأصبحت سجية له.

قال الله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ۚ مِّن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ۚ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ ۚ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ ۚ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [ سورة النور: 58]

وعن عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ، يَقُولُ: كُنْتُ غُلاَمًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «يَا غُلاَمُ، سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ» فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ. (البخاري(5376)، مسلم (2022).

– قال علي بن المديني -رحمه الله- : توريث الأولاد الأدب، خيرٌ لهم من توريث المال، الأدب يكسبهم المال، والجاه والمحبة للإخوان، ويجمع لهم خيري الدنيا والآخرة.(منهج التربية النبوية. ص(289).

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية :

الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

أما بعد إخوة الإسلام :

(٥)- من قواعد وأسس تربية الأولاد تربيتهم بالقدوة الفعلية .

تعتبر القدوة من أهم وأبرز ما يعين على غرس الصلاح والاستقامة في نفوس الأبناء.

قال عمرو بن عتبة ينبه معلم ولده لهذا الأمر : ليكن أول إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك، فإن عيونهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما صنعت، والقبيح عندهم ما تركت. تأديب الناشئين.

ودخل أحدهم مع أولاده على إبراهيم الحربي -رحمه الله- ، فسأله إبراهيم: هؤلاء أولادك؟ فقال الرجل نعم، قال إبراهيم: احذر أن يروك حيث نهاك الله فتسقط من أعينهم .

فالوالدان مطالبان بتطبيق أوامر الله تعالى وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- سلوكًا وعملاً ، والاستزادة من ذلك ما وسعهم، لأن أبناءهم في مراقبة مستمرة لهم صباحًا مساء وفي كل آن.

فإذا أردت أن يصلح الله أبناءك فعليك فصلاح نفسك أولًا ، قال الله تعالى {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} [الكهف: 82] فهذا يدل على أن الله يحفظ الصالح في نفسه وفي ولده.

– حثهم علي حسن اختيار الأصحاب والأصدقاء ومَن يجالسون .

فقد بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أثر الرفيق والصاحب إيجابًا وسلبًا في حديث أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- ، قَالَ: (( إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ، وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً )).(رواه البخاري (5534) ومسلم (2628)

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : (( الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ )).(رواه الترمذي (2378)

وقد قيل:

عَنْ الْمَرْءِ لَا تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ …

فَكُلُّ قَرِينٍ بِالْمُقَارَنِ يَقْتَدِي

إذَا كُنْت فِي قَوْمٍ فَصَاحِبْ خِيَارَهُمْ …

وَلَا تَصْحَبْ الْأَرْدَى فَتَرْدَى مَعَ الرَّدِي

( أدب الدنيا والدين (ص: 166)

قال الغزالي -رحمه الله- : وَأَصْلُ تَأْدِيبِ الصِّبْيَانِ الْحِفْظُ مِنْ قُرَنَاءِ السُّوءِ.(موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين (ص: 184)

– ومن قواعد التربية مراعاة الرفق و الرحمة في تربية الأولاد ومراعاة حاجة الطفل النفسية للعب واللهو :

فما بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلا بالرحمة؛ قال الله تعالى : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}، الأنبياء 107، فلا يصلح شيء من التوجيه والتربية ، ولا يفلح ، إلا بالرحمة، ففي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: «قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَعِنْدَهُ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسًا، فَقَالَ الْأَقْرَعُ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ: مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ».

وكان صلى الله عليه وسلم يداعب الأطفال رحمة بهم، كما في صحيح البخاري : (عَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَتْ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – مَعَ أَبِى وَعَلَىَّ قَمِيصٌ أَصْفَرُ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « سَنَهْ سَنَهْ » . قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَهْىَ بِالْحَبَشِيَّةِ حَسَنَةٌ . قَالَتْ فَذَهَبْتُ أَلْعَبُ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ ، فَزَجَرَنِي أَبِي . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « دَعْهَا » . ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « أَبْلِى وَأَخْلِقِي ، ثُمَّ أَبْلِى وَأَخْلِقِي ، ثُمَّ أَبْلِى وَأَخْلِقِي » . قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَبَقِيَتْ حَتَّى ذَكَرَ . يَعْنِى مِنْ بَقَائِهَا)، ومعنى أبلي وأخلفي.. دعاء بطول البقاء للمخاطب فتطول حياته حتى يبلى الثوب ويخلف غيره وهكذا. وقد خفف صلى الله عليه وسلم الصلاة مرة من أجل بكاء طفل ، كي لا يشق على أمه ،فقد روى البخاري : (أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « إِنِّي لأَدْخُلُ فِي الصَّلاَةِ وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالَتَهَا ، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِىِّ ، فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ » ،وحمل صلى الله عليه وسلم أمامة بنت ابنته زينب في الصلاة وهو إمام، فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها، ففي البخاري (عَنْ أَبِى قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – كَانَ يُصَلِّى وَهْوَ يحمل أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَلأَبِي الْعَاصِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا ، وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا . وكان صلى الله عليه وسلم يُجلس أسامة بن زيد على فخذه ،والحسن بن علي على فخذه الآخر، ثم يقول: «اللَّهُمَّ ارْحَمْهُمَا فَإِنِّي أَرْحَمُهُمَا»، كما في البخاري (عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ – رضى الله عنهما كَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَأْخُذُنِي فَيُقْعِدُنِي عَلَى فَخِذِهِ ، وَيُقْعِدُ الْحَسَنَ عَلَى فَخِذِهِ الأُخْرَى ، ثُمَّ يَضُمُّهُمَا ثُمَّ يَقُولُ « اللَّهُمَّ ارْحَمْهُمَا فَإِنِّي أَرْحَمُهُمَا » ،
وكان أبو عمير أخو أنس رضي الله عنه، له عصفور يلعب به، فمات ذلك العصفور، فكان يداعبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول له: «يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟» ، فقد روى البخاري : (عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا ، وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ – قَالَ أَحْسِبُهُ فَطِيمٌ – وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَالَ « يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ » . نُغَرٌ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ ، فَرُبَّمَا حَضَرَ الصَّلاَةَ وَهُوَ فِي بَيْتِنَا ، فَيَأْمُرُ بِالْبِسَاطِ الَّذِى تَحْتَهُ فَيُكْنَسُ وَيُنْضَحُ ، ثُمَّ يَقُومُ وَنَقُومُ خَلْفَهُ فَيُصَلِّى بِنَا) ، فما أصلحت القسوة أمراً قط ، وما كان هناك خير من الرحمة والرفق واللين وإن تأخرت النتائج، وفي صحيح مسلم : (عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلاَّ زَانَهُ وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ شَانَهُ »

– واعلموا أنَّ من أهمِّ القواعدِ في التعاملِ مع الأبناءِ أنَّ نوقِن أنَّ الهدايةَ ليست بأيدينا، بل بيد اللهِ وحدهُ، وأنَّهُ ليس بأيدينا إلا النصحَ والإرشادَ فقط، ﴿ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾ [البقرة: 272]، ﴿ فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ ﴾ [الشورى: 48]، فلا نوحٌ عليه السلام استطاعَ أن يَهدِيَ ابنه، ولا إبراهيمُ عليه السلامُ استطاعَ أن يهدِيَ أباهُ، ولا لوطٌ عليه السلام استطاعَ أن يهدِيَ زوجته، ولا نبينا صلى الله عليه وسلم استطاع أن يهدي عمهُ وصناديدَ قومِه، ومهما أوتينا من الوسائل والامكانيات، فإننا لا نملك من الأمر شيئًا، بل الأمرُ كله للهُ وحدهُ، هو مالك القلوب، ومقلبُها كيف يشاء، وما نحن إلا مجردُ أسبابٍ شرعها الله عزَّ وجلَّ، فإن أذِن سبحانه حدثَ التغييرُ، وإلا فالأمر؛ كما قال جل وعلا: ﴿ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [التكوير: 29]، هذه هي سنةُ اللهِ الكونيةِ التي كرَّر ذكرها في كتابه العزيز: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل: 125].

وهذا هو دورنا والمطلوبُ مِنَّا فقط، وهو ما ينبغي أن نتذكرهُ جيدًا؛ وعلينا التضرِّعِ والاجتهاد بالدعاء، فهو وحدهُ تعالى الهادِي والمصلُحُ، وقلوبُ العبادِ جميعًا بين إصبُعين من أصابعهِ سبحانهُ، فمن شاءَ أقامهُ، ومن شاءَ أزاغهُ، ولقد قال الله تعالى لخير خلقهِ وأحكمِهم في الدعوة: ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [القصص: 56]، وليجعل الدَّاعِي بين يدي دُعائهِ صدقةٌ طيبة، ينوي بها هداية وصلاح المنصوح، ففي الحديث الصحيح: “داووا مرضاكم بالصدقة”.

فقد دعا إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام؛ حيث قال: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} [إبراهيم: 35]، وقال: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} [إبراهيم: 40]، ودعا زكريا عليها السلام حيث قال {وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} [مريم: 6]

ودعت امرأة عمران : {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ ۖ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ .}

(آل عمران:36)

هذه دعوات الأنبياء والصالحين لأولادهم فاقتدوا بهم في ذلك.

وإياكم والدعاء عليهم فإنهم إذا فسدوا وانحرفوا فإن الوالدين أول من يكتوي بذلك، ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم-: ” لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لَا تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ، فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ”(مسلم (3009) .

اللَّهُمَّ أَصلِح نِيَّاتِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا، واحفظ لنا أولادنا وأقر أعيننا بصلاحهم وفلاحهم ، رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِن أَزوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعيُنٍ وَاجعَلْنَا لِلمُتَّقِينَ إِمَامًا، اللَّهُمَّ اهْدِ شَبَابَ المُسلِمِين، اللَّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِك، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار.

اللهم أعزَّ الإسلام وانصر المسلمين، واخذُل الطُّغاةَ والملاحِدَة والمُفسِدين، اللهم انصُر دينَك وكتابَك، وسُنَّة نبيِّك، وعبادَك المؤمنين.

اللهم مَنْ أرادَ الإسلامَ والمُسلمين ودينَهم وديارَهم بسُوءٍ فَأَشْغِلْهُ بنفسِه، ورُدَّ كيدَه في نَحرِه، واجعَل دائرةَ السَّوء عليه يا رب العالمين.

اللهم انصُر المُجاهدِين في سبيلِك في فِلسطين، وفي كل مكانٍ يا رب العالمين، اللهم فُكَّ حِصارَهم، وأصلِح أحوالَهم، واكبِت عدوَّهم، اللهم حرِّر المسجدَ الأقصَى من ظُلم الظالمين، وعُدوان المُحتلِّين، واجعله شامخا عزيزا إلى يوم الدين.

اللهم اجعل بلدنا مصر أمنا أمانا سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين ، اللهم انشُر الأمنَ والرخاءَ في بلادِنا وبلادِ المسلمين، واكفِنا شرَّ الأشرار، وكيدَ الفُجَّار. (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201].

ربَّنا اغفِر لنا ذنوبَنا، وإسرافَنا في أمرِنا، وثبِّت أقدامَنا، وانصُرنا على القومِ الكافِرين، اللهم اغفِر ذنوبَنا، واستُر عيوبَنا، ويسِّر أمورَنا، وبلِّغْنَا فيما يُرضِيك آمالَنا، اللهم اغفِر لنا ولوالدِينا ووالدِيهم وذُريَّاتهم، وأزواجِنا وذريَّاتِنا، إنك سميعُ الدعاء، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات.

عِبَادَ اللَّه: اُذكُرُوا اللَّهَ ذِكرًا كَثِيرًا، وَسَبّحُوهُ بُكرَةً وَأَصِيلًا، وصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعَالَمِين، اللَّهُمَّ صَلّ وَسَلّم عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ أَجمَعِين.وَآخِرُ دَعوَانَا أَنِ الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.