الصوفية المعاصرة وضرورة النقد الذاتي

بقلم الشيخ / ايهاب صالح

في الحقيقة أرى أن الصوفية المعاصرة في مأزق شديد، فحال الكثير منهم لا يسر عدوا ولا حبيبا.

وأرى أن النقد الذاتي أشد ما يحتاج إليه أهل التصوف الآن، للتصحيح وإعادة المسار والتنقية من الخبث، لما دخله من ادعاءات وخرافات، وأفكار شيعية، وأفعال تنتمي إلى السحر أكثر منها إلى شيء آخر، بالإضافة إلى إرث لا يفهمه الكثير منهم.

أولًا- التصوف الحق:

الله تعالى خلق الإنسان مركب من ثلاثة أجزاء، العقل والبدن والقلب، والتصوف يُعبر عن جانب التزكية الروحاني في الدين، فيُعنى بالجانب النفسي للإنسان، وهو الجانب القلبي، وهو الأخلاق والتزكية، ومقصوده ضبط المشاعر والباطن.

والتصوف الحق لا يخرج عن ثلاثة مقاصد، لها ميزان واحد:

1- للترقي والوصول إلى الإخلاص وتحقيق العبودية والتوحيد الخالص، كما في الحديث الشريف لتعريف الإحسان: “أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك”.

2- كثرة العبادات والترقي فيها، للقرب من الله، كما في الحديث القدسي: “وما زال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه”.

والعبادات تشمل الصلاة والصيام والقرآن والذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

3- مجاهدة النفس لطهارة القلب وتزكيته من الأمراض المذمومة، تحقيقا للآيات الكريمة (قَدْ أفلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) [الشمس:9-10] (قَدْ أفلَحَ مَن تَزكَّى (14) وَذَكرَ اسمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) [الأعلى:14-15]، ولقوله صلى الله عليه وسلم: “ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب”.

وميزان كل ذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم، اقتداء به، ومحبة له، واتباعا له، فهو صلى الله عليه وسلم الملجأ والمنبع والأسوة الحسنة، فهو صلى الله عليه وسلم ميزان الحق، الذي جاء بالشرع الشريف.

ثانيًا- الشيخ المربي:

الشيخ المربي له دور مهم في التصوف الحق، وهو التعليم والتربية، فالشيخ يعلم أنصاره الضروري من العلوم الشرعية، وتتجلى مهمته الأساسية في التربية القلبية، لتزكية القلب من الأمراض المذمومة، وكل مريد له عيوبه الخاصة، وطبيعة شخصية مختلفة، كما يعين الشيخ السالك إلى الله على طريقه، ويوضح له كيفية مجاهدة نفسه، ومداخل الشيطان، وطرق مواجهة ذلك، وكل ذلك بخبرته ومعرفته بالتربية والطباع والتقلبات والأحوال والمقامات القلبية.

مهمة الشيخ أنك كلما تعبت من الابتلاء صالحك على قضائك وقدرك، وأعانك على الصبر والمجاهدة.

فعمل الشيخ المربي كما يصفه الإمام الغزالي كفعل الفلاح، الذي يقلع النباتات الضارة ليحسن النبات، فالشيخ المربي بمثابة الحكيم الذي يعين على السير إلى الله، بخبرته وتجربته.

أما مسألة الطاعة العمياء للشيخ، وترديد مقولة: (أن تكون مع شيخك كالميت بين يدي مغسله) فهذا كلام تراثي أسيء فهمه، فالمقصود منه أن يطيعه الصغار وهو يربيهم، وأن يتبعه الكبار في توجيهاته، ولا يتركون للنفس فرصة للتمرد، ولا الشيطان أن يوسوس لهم، فالمجاهدة صعبة.

وأما مسألة أن يعطيك الشيخ الأنوار والأسرار والأفكار والأخبار لمجرد أن يأخذ منك العهد فهذه خرافة لا صحة لها، فالعلاقة بالشيخ ليست منفعة دنيوية، وتزكية النفس ليس بكلمة، وإلا لاستفدنا كلنا وحصلنا المنافع الدنيوية كلها لمجرد العهد فأين المجاهدة إذن؟.

ثالثًا- البدع والخرافات:

انتشر في التصوف الآن الكثير من البدع، نتيجة التأثر بآراء الشيعة من ناحية، والسقوط في الدجل والشعوذة من البعض من ناحية أخرى، ومنها:

1- فالمبالغات في القول بعصمة الأولياء من الأفكار الشيعية، فلا عصمة إلا للأنبياء.

2- والمبالغة في الكلام عن الباطن وعالم الباطن الموازي من أفكار الشيعة الباطنية أيضا.

3- والخرافات وحكايات الأولياء وكراماتهم مبالغ فيها أيضا، وليست مقصود التصوف من الأساس.

4- كما نجد كثيرا ما يتم نشر رسومات وجداول مكتوبة بالرموز والأحاجي وتداولها، بحجة الأسرار والأنوار والبركات، وهي التي يتم استعمالها في السحر. وكأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء بالألغاز والرموز والأحجيات.

5- أما الادعاء بضرورة أن يرث الابن الولاية من أبيه الولي، فهذا ادعاء غير صحيح، وهو من التأثر بالشيعة ونظام الإمامة عندهم، فالولاية لا تورث وإنما تكتسب بالمجاهدة.

6- كما نجد البعض الآخر لا يهتم إلا بالسمت والمظهر الخارجي، ولا يردد سوى: (مدد مدد مدد)، وهو لا يعرف عن تزكية القلب ولا العبادة شيئا.

وهذا ليس ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحابته الكرام.

والعجيب أننا نرى أشد أمراض القلوب فتكا عند الكثير ممن يدعون التصوف:

1- نجد الرياء وإظهار الفضل والعلو، وطلب المكانة عند الناس.

2- ونجد العُجب – بضم العين – وهو من الإعجاب بالنفس، ونسبة الفضل لها، والاغترار بها.

3- ونجد الكِبر – بكسر الكاف – وهو من التكبر والاستعلاء، واعتبار النفس أعلى من الآخرين، وأفضل منهم.

يا أهل الله

استفيقوا حتى لا تفتنوا الناس بدلا من هدايتهم

نحن في زمن فتن آخر الزمان

ملحوظة: لنا مع السلفية المعاصرة (الوهابية) وقفة إن شاء الله، لضرورة المراجعة والنقد الذاتي.

أسأل الله لنا وللجميع العفو والعافية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.