خطبة بعنوان (الحياء وأنواعه ونماذج منه وخطورة فقده) للشيخ يسري عبد الرحمن
adminaswan
24 نوفمبر، 2024
خطب منبرية
287 زيارة

خطبة الجمعة القادمة إن شاء الله:
[[الحياء وأنواعه ونماذج منه وخطورة فقده]]
جمع وترتيب الشيخ / يسري عبد الرحمن محمد – أوقاف أسيوط
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وسلم، وبعد:
أخي! اجعل مراقبتك لمن لا تغيب عن نظره،
واجعل شكرك لمن لا تنقطع عنك نعمه
واجعل طاعتك لمن لا تستغني عنه،
وخضوعك لمن لا تخرج عن ملكه وسلطانه.
أسألة مستحقة!!
– لماذا تكشف عدد من النساء الحجاب عن وجوههن وشعورهن؟
– لماذا يلبسن الثياب الضيقة والشفافة؟
– لماذا تنطلق الكلمات البذيئة من ألسنة الكثيرين وتنهال الألفاظ التي تخدش الحياء في المجالس والأماكن العامة، وفي قارعة الطريق والمحلات؟
– لماذا يعامل بعض الذين يستلفون النقود من يستلفون منهم بصلافة ووقاحة، ويرفضون رد الدين، أو يجعلونهم يجرون وراءهم كالشحاذين مع أنهم أصحاب الحق؟
– لماذا يقع الاختلاط بين الرجال والنساء ويمضي بشكل طبيعي حتى يحادث الرجل الأجنبي المرأة الأجنبية كأنه محرم لها؟
– لماذا تخرج الفتاة مع الشاب الأجنبي في سيارة أو مكان في خلوة ونحوه؟
– لماذا يكشف اللاعبون عن أفخاذهم ولا يتحفظ الناس من ستر عوراتهم؟ لماذا .. ولماذا كل هذه المشاهد والأفعال المتكررة وغيرها؟؟؟
السبب أيها الإخوة.. هو فقدان خلق عظيم من أخلاق الإسلام، موضوعنا اليوم عن هذا الخلق العظيم ، وهو خلق يبعث على فعل كل جميل ويمنع من فعل كل قبيح، وهو صفة من صفات الله عز وجل، وصفة من صفات أنبياء الله عليهم السلام، وهو أيضاً من صفات أوليائه، وأشد هذه الأمة تخلقا به هو نبينا محمد ﷺ حديثنا اليوم عن خلق الحياء..
تعريف الحياء:
أ- لغة: مأخوذ من مادة حيي التي تدل على الاستحياء الذي هو ضد الوقاحة، ويقال: استحيت بياء واحدة، وأصله استحييت، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً} [البقرة:26].
ويقال: رجل حيي، أي: ذو حياء، ويقال: امرأة حيية، والحياء جميل في الرجال ولكنه في النساء أجمل.
ب- اصطلاحاً: فهو تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به، وقيل: بل هو انقباض النفس عن القبائح وتركها،
فضل الحياء:
1- الحياء صفة من صفات الله تبارك وتعالى، وحياء الله تبارك وتعالى لا تكيفه الأفهام ولا تحيط به العقول، فالله حيي ستير، يستحيي أن يعذب عبده المؤمن بعدما شاب في الإسلام، ويستحي من عبده الذي يرفع إليه يديه أن يردهما صفراً خائبتين، ويستر على العاصي والجاني ولا يفضحه.
* ابن القيم: إن الله حيي يحب أهل الحياء، جميل يحب الجمال، رحيم يحب الرحماء، كريم جواد يحب الجود، قوي يحب المؤمن القوي قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً} [البقرة:26].
وقال ﷺ: (إنَّ اللَّهَ حيِىٌّ كريمٌ يستحي إذا رفعَ الرَّجلُ إليْهِ يديْهِ أن يردَّهما صفرًا خائبتينِ). صحيح الترمذي
2- خلق الاسلام: عن معاذ بن جبل قال ﷺ: (لكلِّ دينٍ خُلقٌ وخلقُ الإسلامِ الحياءُ ، من لا حياءَ له لا دينَ له). صحيح ابن ماجه
3- وجوده زين وفقده شين :عن أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ” مَا كَانَ الْفُحْشُ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا شَانَهُ، وَلَا كَانَ الْحَيَاءُ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا زَانَهُ ” أخرجه أحمد وبن ماجة
4- شُعبة من شُعب الإيمان عن أبي هريرة قال ﷺ: (الإيمانُ بضعٌ وسبعون شعبةً ، أعلاها قولُ لا إله إلا اللهُ ، وأدناها إماطةُ الأذى عن الطريقِ والحَياءُ شُعبةٌ منْ شُعبِ الإْيِمَانِ). أخرجه مسلم
أقسام الحياء(بن قيم)
1- حَياءُ الجِنايَةِ
حياء ناشئ عن المعصية، فإذا عصى العبد ربه وعلم أن الله ناظر إليه ومطلع عليه استحيا من ربه، مثل حياء آدم عليه السلام لما أكل من الشجرة وفر في الجنة، فقال له الله عز وجل: يا آدم أمنِّي تفرّ؟ قال: لا يا رب، ولكن حياءً منك!
والإمام أحمد دخل عليه أبو حامد القلقاني فقال له: ما تقول في الشعر؟ قال: مثل ماذا؟ قال: مثل قول القائل:
إذا ما قال لي ربي أما استحييت تعصيني ..؟
وتُـخفي الذنبَ عن خلقيَ وبالعصيانِ تأتيني
فكيف أجيبُ يا ويحي ومن ذا سوف يحميني؟
سأسأل ما الذي قدمت في دنياي ينجيني
فكيف إجابتي من بعد ما فرطت في ديني
ويا ويحي ألــــم أسمع كلام الله يدعوني؟؟
ألــــم أسمع بما قد جاء في قاف ويسِ
فيا ربــــاه عبدُ تــائبُ من ذا سيؤويني ؟
سوى رب غفور واسعُ للحقِ يهدييني
أتيتُ إليكَ فارحمني وثقــّـل في موازيني
وخفَفَ في جزائي أنتَ أرجى من يجازيني
فَجَرَّ الإمام أحمد ثوبه وأخذ نعله، ثم أغلق عليه باب الدار وسمع نحيبه من خلف الباب، وهو يقول: يردد هذه الابيات..
2- حياء التقصير
– كحياء الملائكة الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون، فإذا كان يوم القيامة قالوا: سبحانك! ما عبدناك حق عبادتك.
وكان إمام الأنبياء سيدنا محمد ﷺ يقضي عمره وأنفاسه وقفاً على الدعوة إلى الله عز وجل، وكان يقوم الليل حتى تتورم قدماه.. وبرغم ذلك كان دعاءه ﷺ بعد التحلل من الصلاة: (أستغفرُ الله أستغفرُ الله أستغفرُ الله)، يعني: كأن هذه العبادة قاصرة عن مقام الله العظيم.
ونوح عليه السلام بعد أن قضى في الدعوة ألف سنة إلا خمسين عاماً يقول: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا} [نوح:28].
وكذلك حياء الصالحين من الله عز وجل ورؤيتهم لتقصيرهم في حقه، وأن جنابه عزيز كريم. وكأنهم ما قدروا الله حق قدره.
وقد كان الصحابة الكرام يمدون صلاتهم طيلة الليل، فإذا كان السَّحَرِ وقرب الفجر أنزلوا أنفسهم منزلة العصاة وكأنهم أسرفوا طيلة ليلهم في الجرائم، قال تعالي: {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} [آل عمران:17]،
بل إنهم يستغفرون حتي بعد الموت في عَرَصَاتِ القيامة فهم يقولون: {رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا} [التحريم:8].
حياء الإجلال والتعظيم:
وهذا يكون على قدر العلم والمعرفة، كحياء سيدنا عمرو بن العاص من رسول الله ﷺ ، فقد قال: إنه لم يكن شخص أبغض إلي من النبي ﷺ ، فلما أسلمت لم يكن شخص أحب إلي منه ولا أجل في عيني منه، ولو سئلت أن أصفه لكم ما استطعت؛ لأني لم أكن أملأ عيني؛ إجلالاً له.
حياء الكرم
وحياء الكرم، كحياء النبي ﷺ لما صنع وليمة في عرس زينب وأتى الناس إليه وأطالوا عنده الجلوس، فاستحيا ﷺ أن يأمرهم بالانصراف حتى عاتبهم الله عز وجل بقوله: {وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ} [الأحزاب:53].
وأنت لا تستغل كرم أخيك وتضيع له وقته، كما أتى جماعة إلى عابد من العباد وأطالواعنده الجلوس فقال لهم: إن ملك الشمس يسوقها، فمتى تريدون القيام.
حياء الحشمة
حياء الحشمة، وهذا ارتفع تماماً من دنيا الناس إلا من رحم الله؛ بسبب التلفاز ومواقع التواصل ، ومن حياء الحشمة حياء سيدنا علي من رسول الله ﷺ قال: (كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً وكُنْتُ أسْتَحْيِي أنْ أسْأَلَ النبيَّ ﷺ لِمَكَانِ ابْنَتِهِ فأمَرْتُ المِقْدَادَ بنَ الأسْوَدِ فَسَأَلَهُ فَقالَ: يَغْسِلُ ذَكَرَهُ ويَتَوَضَّأُ.).
– فلا يجلس الرجل يتكلم مع اصحابه ويحكي النكت أو يتحدث في الكلام المتعلق بالفراش، وفي هذا الوقت من تمام الإيتكيت أن العريس يأخذ عروسه إلى المسرح ويرقص معها،
ويأتي إليك شاب طويل وعريض وهو مكروب مهموم، فتسأله: ما لك يا أخي! هل أنت تعد خطة حربية مثلاً للاستيلاء على مدينة وضاعت منك في آخر لحظة؟ فيقول لك: لا، وإنما في هذا اليوم يمكن أن صلاح لم يأخذ جائزة أحسن لاعب ..
حياء الشرف والعزة
– فالنفوس الكبيرة إذا صدر منها ما هو أقل من قدرها تأنف، مثل رجل اعتاد أن يعطي لإخوانه مثلاً من (100 جنيه)، ثم مر على إخوانه فأعطى كل رجل منهم ذات يوم 20 جنيها فإنه يخجل؛ لأنه قد عودهم على الشيء الكبير العظيم، فكيف يعطيهم التافه؟ فيخجل وكأنه هو الآخذ لا المعطي، فتجده عندما يعطي إخوانه يستحيي منهم، ولا يستطيع أن يرفع نظره إلى إخوانه، فهذا حياء شرف النفس وعزتها.
مَنِ الذين يُستحيا منهم؟
1- الحياء من الله تعالى
وذلك بالخَوفِ منه ومُراقبتِه، وفِعلِ ما أمَر واجتنابِ ما نهى عنه، وأن يستحيَ المؤمِنُ أن يراه اللهُ حيثُ نهاه، وهذا الحَياءُ يمنَعُ صاحِبَه من ارتكابِ المعاصي والآثامِ؛ لأنَّه مرتَبِطٌ باللهِ، يراقِبُه في حِلِّه وتَرْحالِه.
وهو أعلى صُوَرِ الحَياءِ مكانةً، وبه يَصِلُ الإنسانُ إلى مرتبةِ الإحسانِ التي دلَّ عليها قولُ الرَّسولِ ﷺ عندما سأله جبريلُ عن الإحسانِ، فقال:”أن تعبُدَ اللهَ كأنَّك تراه، فإنْ لم تكُنْ تراه فإنَّه يراك”
وقال أبو عبدِ اللهِ المَرْوَزيُّ: (ينبغي للعاقِلِ أن يستحيَ من اللهِ تعالى أن يراه كثيرَ الحَياءِ من الخَلقِ، قليلَ الحَياءِ من اللهِ تعالى، فلْيَكُنِ الغالِبُ عليه الحَياءَ من اللهِ)
وقال عُبَيدُ بنُ عُمَيرٍ: (آثِروا الحَياءَ من اللهِ على الحَياءِ من النَّاسِ)
وأشد آية باعثة على الحياء قال تعالي: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق:14].
وقال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق:16] أي: وملائكتنا أقرب إليه من حبل الوريد، وهذا بإجماع علماء التفسير.
وقال تعالي: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف:80].
وقال تعالي : {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [الملك:13].
وقال : {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:19].
– عن بن مسعود أن النبي ﷺ قال: (استحيوا من اللهِ تعالى حقَّ الحياءِ ، من اسْتحيا من اللهِ حقَّ الحياءِ فلْيحفظِ الرأسَ وما وعى ، ولْيحفظِ البطنَ وما حوى ، ولْيذكرِ الموتَ والبِلا ، ومن أراد الآخرةَ ترك زينةَ الحياةِ الدنيا ، فمن فعل ذلك فقد استحيا من اللهِ حق الحياءِ)
– (فلْيحفظِ الرأسَ وما وعى)، فالرأس وما فيه من جوارح تحفظها لله عز وجل،
(ولْيحفظِ البطنَ وما حوى) يعني: لا يدخل في بطنه وفي جوفه إلا الحلال،
(ولْيذكرِ الموتَ والبِلا)، فمن ذكر الموت هانت عليه شهواته.
(ومن أراد الآخرةَ ترك زينةَ الحياةِ الدنيا)، فيستحي من الله عز وجل أن يراه ملتفتاً إلى
وموقفك بين يدي الله عز وجل،
– عن عدي بن حاتم الطائي قال: قال ﷺ: (ما منكم من أحدٍ إلا سيُكلِّمُه اللهُ يومَ القيامةِ ، ليس بينه وبينه تَرجمانُ ، فينظرُ أيْمنَ منه ، فلا يرى إلا ما قدَّم ، وينظرُ أشأَمَ منه ، فلا يرى إلا ما قدَّم ، وينظرُ بين يدَيه ، فلا يرى إلا النَّارَ تِلقاءَ وجهِه ، فاتَّقوا النَّارَ ، ولو بشِقِّ تمرةٍ ، ولو بكلمةٍ طيِّبةٍ).البخاري ومسلم
الحياء من الملائكة
ذلك عندَما يَستشعِرُ المؤمِنُ أنَّ الملائكةَ معه يُرافِقونه في كُلِّ أوقاتِه، ولا يُفارِقونه إلَّا عندَما يأتي الغائِطَ، وعندما يأتي أهلَه. فنحن مطالبون أن نستحيي من الملائكة، قال تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ} [الانفطار:10] أي: فاستحيوا منهم.{كِرَامًا كَاتِبِينَ} [الانفطار:11] فلا ألأم ممن لا يستحي من الكرام.
الحياء من الناس
وهو دليلٌ على مروءةِ الإنسانِ؛ فالمؤمِنُ يستحي أن يؤذيَ الآخَرينَ، سواءٌ بلِسانِه أو بيَدِه، فلا يقولُ القبيحَ ولا يتلفَّظُ بالسُّوءِ، ولا يطعَنُ أو يغتابُ أو يَنمُّ، وكذلك يستحي من أن تنكَشِفَ عوراتُه فيطَّلِعَ عليها النَّاسُ.
فهذه مريمُ عليها السَّلامُ تتمنَّى الموتَ من فَرطِ حيائِها من النَّاسِ؛ قال تعالى: “فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا * فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا [مريم: 22-23]
قال الثَّعالبيُّ: (فلمَّا أحسَّت بذلك وخافت تعنيفَ النَّاسِ، وأن يُظَنَّ بها الشَّرُّ انتبَذَت، أي: تنَحَّت مكانًا بعيدًا؛ حَياءً وفِرارًا على وَجهِها) .
فمريمُ (تمنَّت أنْ لو كانت ماتت قبلَ هذا الوقتِ الذي لَقِيَت فيه ما لَقِيَت؛ حَياءً من النَّاسِ وخوفًا من لائمَتِهم، أو كانت شيئًا لا يُعتَدُّ به ولا يخطُرُ ببالِ أحدٍ
– حَياءُ الفقيرِ والمحتاجِ:
من سُؤالِ النَّاسِ مع حاجتِه وفاقتِه؛ لتعفُّفِه وصَونِ نَفسِه عن السُّؤالِ
قال تعالى: وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ للسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [الذاريات: 19].
-حَياءُ المرأةِ من الإفصاحِ عن رغبتِها في النِّكاحِ.إذا تقدَّم إليها من يخطُبُها، لا سيَّما إن كانت بِكرًا، عن عائشةَ قالت: يا رسولَ اللهِ، إنَّ البِكرَ تَستحي؟ قال: رِضَاهَا صَمْتُها .
أفضل الحياء وأكمله.
ونهاية الحياء وكماله ألاَّ تستحيي من الحق، وقدم الحياء من الله عز وجل على الحياء من الناس، عن أبي سعيد الخدري قال ﷺ: (لا يمنعنَّ رجلًا هيبةُ الناسِ أن يقولَ بحقٍّ إذا رآه أو شهِدَه فإنه لا يقرِّبُ من أجلٍ ولا يباعِدُ من رزقٍ أو يقولَ بحقٍّ أو يُذكِّرَ بعظيمٍ) الترمذي فالحياء الشرعي لا يمنعك من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،.
نماذج من الحياء
وانظر إلى حياء كليم الرحمن سيدنا موسى عليه السلام، عن أبي هريرةَ قال ﷺ: كان موسى عليه السلامُ رجلاً حييًّا , قال: فكان لا يُرى مُتجرِّدًا ,قال :فقال بنو إسرائيل : إنه آدَرُ , قال :فاغتسلَ عند مُويهٍ ,فوضع ثوبَه على حجرٍ ,فانطلق الحجرُ يسعى واتَّبعَهُ بعصاهُ يضربُه : ثوبي حجرُ ! ثوبي حجرُ ! حتى وقفَ على ملأٍ من بني إسرائيلَ ؛ونزلت : يا أيها الذين أمنوا لا تكونوا كالذين أذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها [الأحزاب / 69 ]).مسلم
وانظر إلى حياء المرأة في قوله تعالى: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} [القصص:25] وكأن الأرض حياء وهي تمشي عليها.
وانظر إلى حياء النبي ﷺ فقد جاء عن بعض الصحابة: (كان ﷺ أشد حياء من العذراء في خدرها، فإذا رأى شيئاً كرهه عرفناه في وجهه).
وقد استحيا من ربه بعد أن سأله التخفيف أكثر من مرة، فقال له موسى عليه السلام: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فقال: (لقد استحييت من ربي، ولكني أرضى وأسلم).
حياء الزهراء: قالت لأسماء بنت عميس: “إني لأستحي أن أخرج غدًا على الرجال من خلف هذا النعش إذا حملت فيه”. فقالت لها أسماء: أولا نصنع لك شيئًا رأيتُه يُعمل بالحبشة ويحمل فيه النساء؟ قالت: “أجل، فاصنعيه”.
فصنعت لها النعش، ثم أخذت من الجريد الرطب فقوسته عليه، ثم جعلت الثوب عليه، فلما رأته قالت: “سَتَرَكِ اللهُ كما سترتني”، وكانت أول من صُنع لها غطاء على نعشها بوصيتها
حياء عائشة: تقول: كنت أدخل البيت الذي دفن فيه ﷺ وأبي واضعة ثوبي، وأقول: إنما هو زوجي وأبي، فكانت تتخفف من بعض ثيابها، قالت: فلما دفن عمر كنت أدخل مجموعة معدودة علي الثياب حياء من عمر بعد موته.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ومعذرة إن كنت قد أطلت عليكم.
الخطبة الثانية
الآثار الوخيمة المترتبة على فقدان الحياء
1- المجاهرة بالمعاصي
وهذه المجاهرة وخيمة الآثار، وخطيرة العواقب؛ لأنها تجرئ الذي لم يكن جريئاً، وتشجع الذي كان متردداً، وتنزع الحياء عمن كانت عنده بقية من الحياء، فيفتخرون بمعاصيهم، ولا يأبهون بأوامر الله عز وجل فضلاً عن أن يأبهوا للبشر ولأذواق الناس
2- فساد الذوق العام وانقلاب الموازين
– لقد صار المعروف منكراً، والمنكر معروفاً، وماتت الغيرة في النفوس، وفسدت الأذواق، وصرنا في أول الأمر نقول: الوجه، ثم الشعر، ثم النحر، ثم الذراع، ثم الساق، والله أعلم ما يأتي من بعد ذلك.
3- فساد الحياة كلها
– ألسنا نرى اليوم آباء يصرخون من عقوق الأبناء؟ ما وقع ذلك إلا بسبب فقد الحياء.
– ألسنا نرى اليوم معلمين يشكون من طيش التلاميذ، ومن سوء أدبهم، ومن قلة حيائهم؟
– ألسنا نرى مدير الدائرة يشكو من لامبالاة موظفه؟
– ألسنا نرى الرعية يشكون من الحاكم والحاكم يشكو من عدم مبالاة الرعية؟
4- فقدان الحياء موت للمجتمع
وما قيمة مجتمع تموت فيه الفضائل، وتقتل فيه الأخلاق، وتنعدم فيه الأذواق،
ولذلك نرى اليوم في الصحف والمجلات أموراً عجيبة، يختلفون في بعض الأفلام – هذه الأفلام الماجنة- هل تجيزها الرقابة أو لا تجيزها، والذي يختلفون عليه من الفظائع والكبائر،
– والحوار على صفحات هذه المجلات بصورة مقززة تدل على انعدام الحياء،
– أصبح الأب لا يستحيي أن يشاهد في منزله أفلام الفيديو مع أبنائه وبناته، ويرون فيها المشاهد الفاضحة، لا يتغير وجهه ولا يتمعر،
الدعاء: اللهم عليك بسائر أعداء الدين، اللهم عليك بالطغاة والمتجبرين، اللهم عليك بالكفرة والملحدين، اللهم زلزل الأرض تحت أقدامهم، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، وعظيم سطوتك، اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، اللهم لا ترفع لهم راية، واجعلهم لمن خلفهم آية، دمر قوتهم، واستأصل شأفتهم، ونكس رايتهم، اللهم أذل أعناقهم، وسود جباههم، اللهم أرنا فيهم يوماً أسود قريباً، اللهم اجعل الدائرة عليهم، اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم يا قوي يا عزيز، يا منتقم يا جبار، يا من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، اللهم رحمتك بالفتية اليتامى، والنسوة الثكالى، اللهم رحمتك بالأطفال الرضع، والشيوخ الركع، اللهم رحمتك بعبادك المستضعفين، اللهم رحمتك بالمشردين والمعذبين، اللهم رحمتك بالمسلمين والمضطهدين، اللهم فك أسرهم وأطلق سراحهم، اللهم إنهم عراة فاكسهم، جياع فأطعمهم، خائفون فأمنهم، مشردون فسكنهم.
اللهم سكن لوعتهم، وامسح عبرتهم، وأقل عثرتهم، اللهم اجمعهم على الحق، اللهم ثبتهم على الإيمان، اللهم صبرهم على قضائك، اللهم واجعل لهم فرجاً قريباً، اللهم يا أرحم الراحمين من عدى واعتدى على عبادك المؤمنين فأرنا فيه عجائب قدرتك يا رب العالمين.
اللهم إنا نسألك أن تنصر إخواننا المجاهدين، اللهم ثبت خطوتهم، وسدد رميتهم، ووحد كلمتهم، وأعل رايتهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين.