بقلم الشيخ / ايهاب صالح
5- مسائل وضوابط في اعتبار البدعة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المسألة الأولى: هل النهي يكون عمّا لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم؟ أم يكون عما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم؟
كما تم ذكره في منشور سابق فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل أفعالًا عديدة، ولم يقل أحد من العلماء المعتبرين أنها بدعة أو حرام، فالنهي لا يكون إلا عمّا نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وليس النهي عمّا لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، والدليل الآية الكريمة (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) [الحشر:7] وليس: ما لم يفعله فانتهوا عنه.
فائدة: العبرة في رد العمل ليس عدم سبق فعله، وإنما العبرة في رده أن يصادم نصًا أو أصلًا من أصول الشريعة.
فلا بد من الاحتياج لوجود الفعل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان متوفرًا وفي الإمكان فعله، ولم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم. ومثال ذلك: مكبرات الصوت، وفرش المساجد بالسجاد، وبناء المآذن، واستعمال الأدوات الكهربائية، وفي الدنيا: المخترعات الحديثة، كرصف الطرق والطائرة والسيارة، فكلها إما لم يحتج إليه، أو كانت ضرورية ولكن لم يكن في الإمكان صنعها في ذلك الوقت.
إضافة الشاطبي للضوابط: أن تكون بقصد العبادة، وليس وسيلة للعبادة، وهذه إضافة في غاية الأهمية، لتحديد الفارق الدقيق بين المصلحة والبدعة، ومثالها مكبرات الصوت والمآذن والخطوط الأرضية التي تنظم الصفوف في المساجد، فهذه الخطوط لم يصنعها النبي صلى الله عليه وسلم وكان يقدر على صنعها، ولكنها ليست عبادة، وإنما وسيلة للعبادة، وسيلة لتنظيم العبادة.
المسألة الثانية: هل كل مخالفة للشرع بدعة؟
هل عدم الصلاة بدعة؟ هل شرب الخمر بدعة ؟ هل كل مخالفة للشرع بدعة؟ هذا السؤال يطرحه محمد عبد الله دراز، وبالتأكيد ليس كل مخالفة للشرع بدعة، فمخالفة الشرع بفعل المنهي عنه أو عدم فعل المأمور به، معصية وذنب وصاحبها آثم، ولكن تكون بدعة في حالتين:
1- الأولى أن يجعلها صاحب المخالفة دينًا، عندما ينسبها للدين تصبح بدعة، لأنه أضاف للدين ما ليس منه، ألبسها ثوب الشرع وهي ليست منه.
2- الثانية في تغيير درجة الحكم، أن يجعل الفرض سنة، ويقلب السنة فرضًا، فيفرض السنة على الناس، ويزعم أن من لا يفعلها آثم مبتدع في النار.
المسألة الثالثة: ماذا عن كيفية التعامل مع نصوص الشرع الشريف؟
نجد أصحاب الفكر الجامد لا يأخذون من الشرع الشريف إلا بجزء من اثني عشر جزءا، وبيان ذلك:
الشرع الشريف يتكون من ثلاثة أقسام: الأول: مصادر التشريع، والمصادر المتفق عليها القرآن والسنة والإجماع والقياس، والثاني: كيفية الاستفادة منها، وهي القواعد الضابطة للاستنباط، والثالث: حال المستفيد، وهو المجتهد وعلوم الآلة التي يجب عليه إتقانها.
وهؤلاء أضاعوا الثلث الخاص بالمجتهد المتخصص وشروطه، وصار كل أحد يتكلم في الشرع ويفتي بغير علم، ثم أضاعوا الثلث الثاني الخاص بكيفية الاستفادة من المصادر وضوابط الاستنباط وعلوم الآلة، فلا يعتبرون اللغة ولا القواعد الفقهية والأصولية، ثم أضاعوا نصف الثلث الثالث الخاص بالمصادر، فلم يعتبروا الإجماع وشذوا عنه بحجة اتباع الدليل، ولم يفهموا القياس ولم يستعملوه إلا حسب أهوائهم، فأخطأوا في استخدامه، فلم يتبق لهم إلا نصف الثلث، وهو القرآن والسنة، والنصوص لها منطوق ولها مفهوم، وهؤلاء رفضوا المفهوم، واعتبروا المنطوق فقط، وبذلك أضاعوا أحد عشر جزءًا من الشرع الشريف، ولم يأخذوا إلا بجزء واحد، فضيقوا على الناس، وأساءوا إلى الشرع الشريف.
يليه الجزء السادس والأخير