اللطيفة السادسة والعشرون : من علامات الإيمان

إن لتقوى الله عز وجل علامات في الوجه والخلق، وأمارات تظهر من خبايا النفس، ومهما كانت براعة الرجل في إخفاء ما فيه فإنه يظهر على فيه، ومهما كانت فيه من خليقة يخال أنها يخفيها على الناس تظهر من فعاله، ومن أنعم الله عليه وأحبه جعل لروحه قبولا، ولوجهه نورا، وتجده ممن يألف ويؤلف، ويلقى له القبول في الأرض، وتظهر عليه علامات القبول، فيتصف بصفات الله عز وجل ويكون له من اسمها نصيبا، فهو رحيم ودود قريب من الناس، لطيف معهم، طيب المعشر، سهل هين لين، وجماع كل ذلك أن تجده رحيما لا قاسيا ولا فظا.

وقد كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أرحم الخلق بالناس، وكان

صلى الله عليه وسلم ألين الناس وأكثرهم عطفا ولينا وشفقة، ]فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ[([1])، وأرشد الناس إلى الرحمة وأنها الباب الأصلي لتلقي رحمة الله تعالى، فقد قال صلى الله عليه وسلم  : (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء).

والرحمة لطيفة نورانية تكون في قلب المؤمن الصادق الخالي من الأغيار والأكدار والآثار، يستطيع بها أن يرحم الخلائق، فيكون نعمة لمن يتواصل معه، يرى في قلبه الشفقة، وفي نصحه الإخلاص، وفي وقوفه بجانب الضعيف قوة، وبجانب القوي رحمة ودرعا من الوقوع في المظالم، فهو ينصر المظلوم بالإعانة، وينصر الظالم بالأخذ على يديه.

والرحمة لا يمكن وجودها إلا من قلب مؤمن صادق خال من الكدورات، بعيد عن الشهوات وحظوظ الدنيا والمنافسة فيها، وهي نعمة لا يؤتاها كل إنسان، لأنها الوسيلة لنيل العلوم، فالقلب الخالي من الرحمة لا يستقر فيه علم، ولا تنمو فيه أخلاق، ولا يزدهر فيه نور، وكيف تنمو هذه اللطائف في قلب مظلم جثمت الدنيا عليه، وأصبح مغلقا مغلفا بأكياس من المطامع والشهوات، وجبال من الكبر والمداهنة والنفاق، وكيف ينتظر مثل هذا الشخص أن ينظر الله إليه بعين الرحمة وهو ينظر إلى عباده بعين الغلظة والكبر والظلم والقسوة.

وقد جعل الله تعالى جزاء الرحمة أن يُرحم المؤمن في الدنيا والآخرة، وهل هناك جزاء أفضل مما ورد في هذا الحديث، فقد روي عنه r قال: (إن العبد ليقف بين يدي الله تعالى فيطول وقوفه حتى يصيبه من ذلك كرب شديد، فيقول: يا رب ارحمني اليوم، فيقول له: هل رحمت شيئا من خلقي من أجلي فأرحمك).

وليس هذا فقط بل إن الله تعالى عجل جزاء ذلك في الدنيا، فإن كل إنسان يحصل فيها من جنس عمله، فمن رحم يرحم، ومن كان فظا غليظ القلب ينال من الأمر نفسه، ويشرب من الكأس ذاته، فعن عبدالله بن عمرو بن العاص عن النبي r أنه قال وهو على المنبر: (ارحموا ترحموا، واغفروا يغفر الله لكم، ويل لأقماع القول، ويل للمصرّين الذين يصرّون على ما فعلوا وهم يعلمون).

وقال r: (إنما يدخل الجنة من يرجوها، وإنما يجنب النار من يخافها، وإنما يرحم الله من يرحم).

وإذا أراد الله بعبد سوء نزع من قلبه الرحمة، وأبدله بها شدة وغلظة، فتراه قاسي القلب، بغيضا إلى نفوس الناس، بعيدا عن قلوبهم، يعاملونه مراءاة فإذا ذهب من عندهم صحبته اللعنات والدعاء عليه بالسوء، وشر الناس من يخافه الناس اتقاء شره، ومن عجب أن البعض يسعد بخوف الناس منه، ويحسب أن ذلك هيبة تعينه على تحصيل الدنيا، ولم يدر أنها بغضة أنزلها الله تعالى في قلوب عباده لعبد السوء هذا تلعنه أقوالهم في الدنيا، وتبغضه قلوبهم، وتنتظره من الله لعنة أكبر وعذاب أعظم.

ولذا كانت القاعدة: كيفما تفعل تلقى، من يَرحم يُرحم، ومن يسلط على الناس سيف القسوة يذق منه، ومن يشقق عليهم يشقق الله عليه في الدنيا والآخرة.

 بقلم / أ.د/ حسين عبد المجيد أبو العلا

أستاذ الفقة المقارن – ووكيل كلية الشريعة والقانون بأسيوط سابقا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.