اللطيفة الثالثة والعشرون : مجلبة السكينة

اللطيفة الثالثة والعشرون : مجلبة السكينة

إن هدوء النفس وراحة القلب لا تقدر بثمن، ومهما بحث الإنسان عن السعادة فلن يجدها في أفضل من السكينة، إنها انسجام الأعضاء مع القلب وهو سيدهم، إنها توافق الأعضاء التام معه، وانضباطها في سير صاحبها اليومي نهارا وليلا مع الله تعالى، تتلقى الأنوار واللطائف فتسعد بها، وترتقي في الملأ الأعلى مع الملائكة فيتغذى العقل بنور المعرفة، وتتغذى الروح بلطائف المعارف، فتستريح وتهدأ، وتطمئن النفس وتحدث السكينة التي لا يمكن للمال ولو كان وفيرا أن يجلبها.
وإنما يكون أول السكينة بالزهد في الدنيا بأن يملكها المرء في يديه، ولا تملك عليه قلبه، لأنه لا يتزين العباد لله تعالى بأبلغ من الزهد في الدنيا، فإنها زينة المتقين، عليهم منها لباس يعرفون به من السكينة والخشوع.
ومن طرق الوصول إليها محبة العلم ومجالسة العلماء، فإن رؤيتهم تجلب للقلب الراحة، وهي تجلب للجسد كله السكينة والهدوء، ولذا جاء في الحديث: (ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله تعالى، ويتدارسونه فيما بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله تعالى فيمن عنده).
والسكينة هي محركة النفس، فعن طريقها يكون الهدوء ويكون الانزعاج، فإن جالس العلماء استنار قلبه بنور المعرفة، فنزلت عليه السكينة، وإن نزلت السكينة وهي مزيد الإيمان سكنت النفس عن الهوى بإذن منفسها، وإن حجب القلب بالغفلة وهي علامة على الافتقار والتضرع تحركت النفس بطبعها، وإذا أنزل عليه السكينة وأواه بالأنس في القرب، استوى نومه وسهره، وعطاؤه ومنعه، فالكل من عند الله جميل وسعادة، ويعيش في دنياه هادئ البال، مطمئن النفس، فأعز ما نزل من السماء هو السكينة المنزلة في قلوب المؤمنين.
ونظرا لعظمة هذه السكينة فإن الله عز وجل يجعلها على الشاكر من الناس، ويسقيه المعرفة التي توجب السكينة في القلب، كما أن العلم يوجب السكون، فمن ازدادت معرفته ازدادت سكينته.
ومتى عرف الإنسان فعلم فعمل كان باب السكينة أمامه مفتوحا، فولج فيه بيسر، لأن الصالحات لا تكون إلا بعلم، ولا تتم إلا بعمل، ومتى كانت بعلم وتبعها العمل كانت مقدمة لنزول السكينة من الله تعالى.
ولذا كانت القاعدة: الصالحات تجلب السرور، والسرور يجلب اللطف، واللطف يجلب الراحة والسكينة.

 بقلم / أ.د/ حسين عبد المجيد أبو العلا

أستاذ الفقة المقارن – ووكيل كلية الشريعة والقانون بأسيوط سابقا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.