اللطيفة الرابعة والعشرون : سعادة البداية والنهاية
تقول الحكمة: من أشرقت بدايته أشرقت نهايته، ومن أظلمت بدايته أظلمت هايته.
إنها حكمة تلخص لك القدر المكتوب على الوجوه التي تراها والنفوس التي تقابلها، فقد خير الله تعالى الأرواح في الأزل، فاختارت ما أحبت، فكتب الله تعالى عليها ما اختارت لنفسها، فمنها من اختارت ألا تختار فجعلها الله تعالى ملائكة، ومنها من اختارت الله تعالى فجعلها أنبياء وأولياء، ومنها من اختارت حسنة الدنيا والآخرة، فكانت من المؤمنين، ومنها من اختارت السوء والجحود وكل الذنوب، فكانت من الكفار والعياذ بالله تعالى.
فمن اختار الله تعالى أو اختار الإيمان فقد أشرقت بدايته، ومن أشرقت بدايته أشرقت نهايته، ومن كانت بدايته محرقة كانت نهايته محرقة، وظهرت على ملامحه تلك الغباوة وهذا الجحود، فإنها تلك الشقوة التي كتبت عليهم.
وإنك لواجد في هذه الحياة الأصناف من الناس حسب اختيارها، فمن الناس من تراه مضيء الوجه، طيب النفس، خفيف الروح، جميل المحيا، يشع نور الله تعالى ونور الحسنة من وجهه، فتقبله حين تراه، وتهيم روحك معه، وتجد نفسك حين تجده، فتسعد بجواره، وترى القبول في علمه وعمله.
وهناك أناس مظلمة وجوههم من قبيح فعلهم، بغيضة أخلاقهم، يبغضهم الله تعالى، ويبغض أعمالهم وآثار وجوههم، فترى الشقاوة مرسومة على وجوههم، كل أعمالهم لا تدور إلا في المكر والخداع، وتدل على سوء الطباع، ونهايتهم محتومة، وذنوبهم محاطة معلومة.
وقد يقول قائل: فهل أترك العمل رضا بما كتبه القدر وما اختارته روحي من الأزل؟.
وأقول لك إنك لو اعتقدت هذا فقد كنت من أهل الشقاوة، لأن كل امرئ ميسر لما خلق له، فلو يسر الله لك العمل الطيب فهو من حسن طالعك، ومن السعادة التي اخترتها واختارتها روحك من الأزل، وكتبها الله لك، ولو اعتمدت على أن كل شيء مقدر مكتوب، فتركت العمل، فهو من سوء الطالع ومن الشقاوة التي كتبت على المرء حتى جعلته يترك العمل ويحبط من إتيان الحسنات، فتكون عاقبته السوء والعياذ بالله تعالى.
وكل واحد من الاثنين تظهر عليه علامات النهاية، فتجد صاحب الإشراق سعيدا مطمئن البال، حتى ولو أصابه المرض، أو عضه الفقر، فهو شاكر صابر على كل حال، يرى المنع عطاء، والمحنة لونا من المنح، ويختم له بخير، فتكون نهايته سعيدة.
وتجد الآخر صاحب كدر، إن أُعطي لم يشكر، وإن مُنع لم يصبر، بل هو ساخط على ربه، وسخط الله عليه، فوجهه مظلم، وأخلاقه قبيحة، وإنفاقه وصلاته رياء، لا خير فيها، ولا طائل من ورائها، ويختم له بشرٍّ، وتكون نهايته سيئة والعياذ بالله.
ولذا كانت القاعدة: سعادة البداية راحة النهاية، وشقاء البداية تعب النهاية.