اللطيفة الحادية والعشرون : ملاذ النعمة
adminaswan
29 سبتمبر، 2024
الطريق إلى الله
26 زيارة
اللطيفة الحادية والعشرون : ملاذ النعمة
يئن كثير من الناس بالشكوى، ويتبرم من ضيق الحياة ونكد العيش، وأنه لا يكاد يجد رزق يومه، وإذا وجده فلا يجد فيه البركة، وأنه يعيش في الحياة بلا رضا، ويسير فيها بلا سعادة، ولا يدري أن النعمة تلوذ بمن يحبها ويبذلها، لا من يضن بها.
إن النعمة والبركة متعددة أطيافها، مختلفة ألوانها، متنوعة صنوفها، ولا تأتي من فراغ، ولا تلوذ بأحد لا يستحقها، وإنما تلوذ بمن كان لله حامدا شاكرا، إن أعطي شكر، وإن لم يعط صبر.
ولا يحسبن أحد أن النعمة كثرة مال أو سعة عطاء، فبعض الكفرة والفجرة لديهم من الأموال الطائلة ما لا يحصى عددا، وإنما النعمة الحقيقية أن تعرف كرم الله عليك، وسعة عطائه لك، فتحمده على كل حال، فتجد السعادة غامرة قلبك، تفيض على جسدك نورا، وعلى بدنك راحة، فتعيش في جنة المعارف، وتتمتع بالمعاني قبل أن تدخل جنة المكارم.
وإنما يحدث ذلك إذا شكر الله حق شكره، وهو يكون بشدة التحفظ فيما بقي من العمر، ومواثبة الطاعة بالجد والاجتهاد، واستقلال كثير الطاعة، واستكثار قليل النعمة، مع رقة القلب وصفائه وطهارته، ودوام الحزن فيه وكثرة البكاء على ما سلف من ذنوب، والتفويض إلى الله تعالى في جميع الأمور، والتبري إليه من الحول والقوة، ثم الصبر بعد ذلك على أحكام الله عز وجل، والرضا عنه في جميعها، والتسليم لأموره كلها.
ومن علامة الشكر معرفة النعمة بالقلب أنها من الله لا من غيره، والحمد عليها باللسان، وألا يستعان بها على شيء مما يكره المنعم.
روى أحمد بن حنبل رحمه الله عن ابن عيينة t قال: لما أصاب أيوب عليه السلام الذي أصابه أرسل إلى أصحابه، فقال: تدرون لأي شيء أصابني هذا؟ قالوا: أما نحن فلم يظهر لنا منك شيء نعرفه، إلا أن تكون أسررت شيئا ليس لنا به علم، فقاموا من عنده، وذهبوا، فلقوا إنسانا دونهم في العلم، فقال: لأي شيء دعاكم نبي الله عليه السلام؟ فأخبروه قال: فأنا أخبره بم أصابه هذا، فأتاه، فسأله، فقال: لأنك شربت شربة لم تحمد الله عليها، ولم تشكر النعمة، ولعلك استظللت في ظل لم تشكر النعمة.
ولذا كانت القاعدة: اعرف النعمة تكن من أهلها، فالنعمة تلوذ بشاكرها، وشكرها ببذلها، وبذلها يديمها، ودوامها شفاء وسعة للصدر.
بقلم / أ.د/ حسين عبد المجيد أبو العلا
أستاذ الفقة المقارن – ووكيل كلية الشريعة والقانون بأسيوط سابقا