اللطيفة العشرون : التواضع والمذلة
إن التمييز بين المصطلحات أمر يروق للعقلاء، ويستنبطه ذوو الفهم منهم، فهناك كثير من الفروق الدقيقة بين المعاني يجب لحظها، والاهتمام بها، وبيان معناها، حتى لا يقع الغلط وتتداخل الأفكار فيها.
ومن المصطلحات التي تحتاج إلى تنبيه مصطلح التواضع، وهو مصطلح يخلط بعض الناس بينه وبين المذلة والصغار، فالتواضع الحقيقي له علامات يعرف بها صاحبه، فمن علامات التواضع أن ترضى بأدنى المجلس، وأن تبدأ من لقيت بالسلام، وألا تحب أن تمدح بالتزكية والبر، ومن علاماته أن يخرج الرجل من بيته فلا يلقى مسلما إلا وضع نفسه دونه لما يعلم منها حتى يرجع إلى بيته، والتواضع ألا يبغي أحد على أحد، ولا يفخر أحد على أحد.
ومن هنا كان التواضع تواضعين، أحدهما محمود، والآخر مذموم، أما التواضع المحمود فهو ترك التطاول على عباد الله والازدراء بهم، وترك الفخر والمباهاة، والرضا بالدون من المجلس، وألا يرى نفسه أفضل من أحد من عباد الله تعالى، فالفضل لله وحده، ولا يدري أحد مكانته عند الله عز وجل ولا مكانة غيره.
والتواضع المذموم هو تواضع لذوي الدنيا رغبة في دنياهم، كمن يتواضع لمرؤوسه بغية الوصول إلى منصب أو ترقية، والتواضع لغني لأجل نيل قدر من ماله، وهكذا في كل أمر، ولا يعني ذلك التطاول على هؤلاء لإظهار أنه رجل عفيف، فالتطاول غير مرغوب فيه مطلقا، ولكن المطلوب ألا يكون الإنسان ذليلا ولا صاغرا لأجل دنيا، أما إن كان متواضعا له حبا وتقديرا فهو أمر محمود.
إن بعض الناس ينافق ويلون ذلك بأنه نوع من التواضع، وقد كذب فالتواضع الحقيقي يأتي عن قدرة ومكنة وليس عن ضعف وهوان.