بقلم / أ.د/ حسين عبد المجيد أبو العلا
أستاذ الفقة المقارن – ووكيل كلية الشريعة والقانون بأسيوط سابقا
إن الله عز وجل جعل لكل شيء بداية ونهاية، فما من أول إلا وله آخر، وما من شيء يبدأ إلا ويأتي عليه زمان ينتهي، والمغرور من يظن دوام الحال، فمن كان على صحة سيمرض، ومن كان على عقل فسينتهي حتما، ومن كل على نعمة فمصيرها إلى الزوال مهما دامت، وإن لم تزل في حياته زالت عنه بموته، والنعمة الوحيدة الباقية التي لا تحول ولا تزول نعمة الإيمان ورضا الله تعالى على المرء، فإن الله إذا رضي عن العبد فقد نال السعادة الأبدية التي لا شقاء بعدها.
ومن هنا كان إلى الله المنتهى، فاجعل نهايتك وغاية عملك هو الله وحده تنل الرحمة والمغفرة، والسداد وتمام النعمة، ولتبدأ بتصحيح النية في الانطلاق إلى الله تعالى، ولتعد قلبك لكي يرحل إلى خالقه جل وعلا، فالقلب يرتحل إلى الله عز وجل، حتى يصل إلى سدرة المنتهى إن كان له طريق، فإن حبس في الطريق فللتهمة احتبس، ولسوء الأدب منع وانسد الطريق..
ومتى صلحت النية وتبعها العمل انفتح أمامك باب الرضا وباب المحبة ، فسرت في طريق الله حتى تصل إليه، وإنما تصل إلى الله تعالى بالرضا والمحبة، ولذا قال أحد العارفين: وليس فوق حال الرضا مقام يُعرف، ولا فوق مقام المحبة حال يوصف، وهما موجب المعرفة، ومنتهاها المعروف، وقرارها المألوف، وإن إلى ربك المنتهى، إلى ربك يومئذ المستقر، فليس للرضا نهاية، إذ ليس للمحبوب غاية، وإن الرضا مزيد أهل الجنة في الجنة، وليس للحب نهاية، لأنه عن الوصف ولا غاية للصفات، وليس لطلب المحب حد لأنه عن القرب ولا غاية للقرب، ويتزايد الرضوان في الرضا درجات حسب تعاليهم في علو المشاهدات، ويتعالى أهل عليين في العلو غايات على قدر أنصبتهم من قوة الإيمان وصفاء اليقين.
أيها الحبيب: أدعوك للنظر في نفسك وحالك منذ ولدت، وأدعك تتساءل معي: كم تنعمت؟ وكم تألمت؟ كم صحوت؟ وكم غفوت؟ كم نمت؟ وكم استيقظت؟ كم أكلت وشربت من نعم؟ وكم لبست من زينة؟ وكم تمتعت بما أعطاك الله من متاع؟ وماذا بعد؟ هل دام لك حال؟ هل بقي لك نعيم لم يزل؟ هل دام معك شيء إلا الله؟
إنك راجع إلى ربك يوما مهما طال العمر، ومهما امتد الأجل، فخذ من يومك لغدك، واجعل مالك وعملك وصحتك مقدمة لك إلى ربك، اجعل كل ذلك أمامك إلى الله، ولا تجعلها خلفك فتزول أنت وتبقى هي لغيرك يتمتع بها وتحاسب عليها، سوف يأتي يوم يفر فيه المرء من أمه وأبيه، وأخته وأخيه، وزوجته وأبنائه، لن ينفع أحد أحدا، فلا تجمع من حرام لتحاسب عليه، ولا تمنع حق الله فتهلك به، إنهم سيتمتعون خلفك بما تركت، وقد لا يذكرونك ولو بدعوة، لن يبقى لك إلا ما قدمت، ولن يظل معك في قبرك إلا عملك الصالح، فأقدم على الله تعالى بوجه خير لا بوجه شر، بعمل صالح لا بعمل طالح، واجعل الدنيا أقل همك، واجعل الآخرة أكبر همك، وإليها مبتغاك، فإنك إن فعلت كل ذلك كان إلى الله المنتهى، وهذه هي الغاية.
قال الأصمعي: بعث إلي هارون الرشيد وقد زخرف مجالسه وبالغ فيها وفي بنائها، ووضع فيها طعاما كثيرا، ثم وجه إلى أبي العتاهية، فأتاه، فقال: صف لنا ما نحن فيه من نعيم هذه الدنيا؛ فأنشأ يقول:
عش ما بدا لك سالما … في ظل شاهقة القصور
فقال: أحسنت! ثم ماذا؟ فقال:
يُسعى عليك بما اشتهيت … لدى الرواح وفي البكور
فقال: أحسنت أيضا! ثم ماذا؟ فقال:
فإذا النفوس تقعقعــــت … في ضيق حشرجة الصدور
فهنـاك تعلــم موقنا … ما كنــتَ إلا في غـــــــرور
فبكى هارون، فقال الفضل بن يحيى: بعث إليك أمير المؤمنين لتسره فأحزنته! فقال هارون: دعه؛ فإنه رآنا في عمى فكره أن يزيدنا عمى.
نسأل الله عز وجل حسن الختام لنا ولجميع المسلمين والمسلمات، إنه ولي ذلك والقادر عليه.