السيد حسن كريت نقيب الأشراف والبطل الصوفي
adminaswan
26 سبتمبر، 2024
نماذج من جهاد أهل التصوف
31 زيارة
بقلم د / عمر محمد الشريف
قال عنه محمد البشير ظافر الأزهري في “اليواقيت الثمينة”: العلامة الأوحد، والعلم المفرد، شيخ الإِسلام والمسلمين، وأستاذ أساتذة الدين، الشريف الحسيني” .
وقال محمد مخلوف في “شجرة النور الزكية في طبقات المالكية” :”لعلامة الأوحد، والعلم المفرد، شيخ الإِسلام والمسلمين، وأستاذ أساتذة الدين، نقيب الأشراف، ودوحة الإنصاف. أخذ عن أعلام”.انتهى.
وهو السيد الشريف بدر الدين حسن بن الحاج محمد كريت المالكي مذهباً الخلوتي طريقة، نقيب الأشراف برشيد ، والمفتي المالكي، والبطل الصوفي الذي تصدى لحملة فريزر . وقد وقفت على حجة شرعية نعت فيها “بشيخ الإسلام، علامة الأنام، صدر المدرسين، عمدة المحققين، فخر الأشراف المعظمين “.
وهو قائد المقاومة الشعبية الذي تصدى لحملة فريزر على رشيد ،وكان له الدور الأكبر مع علي بك السلانكلي حاكم المدينة وحامية رشيد التي بلغت نحو ٥٥٠ جندياً بالإضافة لكل من حمل السلاح من أهالي رشيد، حيث وضعوا خطة دفاعية تقضي بأن تتراجع الحامية وتعتصم مع الأهالي داخل المدينة، وألا يبدأ الاشتباك مع الجنود الإنجليز إلا عند التأكد من توغلهم داخل المدينة. وعندما وصل الإنجليز إلى المدينة وجدوها خالية، كما لو كانت مدينة للأشباح فظنوا أن أهلها قد غادروها، فتفرقوا في الشوارع مطمئنين، ووضعوا أسلحتهم وأمتعتهم، وما هي إلا لحظات عندما دوى صوت المؤذن من فوق المئذنة وكانت هذه هي الإشارة المتفق عليها، وفي لمح البصر انهالت النيران من أفراد الحامية المختفين كالمطر على الغزاة، وعاونهم الأهالي بما وجدوه في بيوتهم من سلاح.
كان السيد حسن كريت يراسل السيد عمر عمر مكرم نقيب أشراف مصر لإرسال العون لصد العدوان فقد ذكر الجبرتي في تاريخه: ورد مكتوب من السيد حسن كريت نقيب الأشراف برشيد والمشار إليه بها يذكر فيه أن الانكليز لما وقع لهم ما وقع برشيد ورجعوا في هزيمتهم إلى الإسكندرية استعدوا وحضروا إلى ناحية الحماد قبلي رشيد ومعهم المدافع الهائلة والعدد ونصبوا متاريسهم من ساحل البحر إلى الجبل عرضا وذلك ليلة الثلاثاء ثامن عشرينه فهذا ما حصل أخبرناكم به ونرجو الاسعاف والامداد بالرجال والجبخانة والعدة والعدد وعدم التأني والإهمال فلما وصل ذلك الجواب قرأه السيد عمر النقيب على الناس وحثهم على التأهب والخروج للجهاد فامتثلوا ولبسوا الأسلحة وجمع إليه طائفة المغاربة واتراك خان الخليلي وكثير من العدوية والأسيوطية وأولاد البلد وركب في صبحها إلى كتخدا بك وأستاذنه في الذهاب فلم يرض وقال: حتى يأتي افندينا الباشا ويرى رأيه في ذلك فسافر من سافر، وبقي من بقي.
ثم وردت مكاتبة أخرى من رشيد وعليها امضاء السيد حسن كريت يخبر فيها بأن الإنكليز محتاطون بالثغر ومتحلقون حوله ويضربون على البلد بالمدافع والقنابر وقد تهدم الكثير من الدور والأبنية ومات كثير من الناس وقد أرسلنا لكم قبل تاريخه نطلب الإغاثة والنجدة فلم تسعفونا بإرسال شيء وما عفرنا لأي شيء هذا الحال وما هذا الإهمال فالله الله في الإسعاف فقد ضاق الخناق وبلغت القلوب الحناجر من توقع المكروه وملازمة المرابطة والسهر على المتاريس ونحو ذلك من الكلام وهي خطاب للسيد عمر النقيب والمشايخ. انتهى.
ولا ينسب الفضل في صد الحملة على مصر إلا لأهالي رشيد والحامية والسلانكلي وكريت ومن انضم لهم من طرف عمر مكرم والأهالي. وبعد النصر فتك جنود محمد علي بأهالي رشيد وما حولها ، وفرض محمد علي باشا عليهم الضرائب الباهظة ، فكان حسن كريت أول من رفع عقيرته باسم الشعب محتجاً على هذه المهازل ، فأضمر له محمد على كل سوء كما فعل بعمر مكرم.
وذكر الجبرتي في تاريخه أنه في سنة ١٢٢٢ هـ وهي نفس السنة التي تحقق فيها النصر: “أحاطت العساكر ورؤساؤهم برشيد وضربوا على أهلها الضرائب وطلبوا منها الأموال والكلف الشاقة وأخذوا ما وجدوه بها من الأرز للعليق فخرج كبيرها السيد حسن كريت إلى حسن باشا وكتخدا بك وتكلم معهما وشنع عليهما وقال:
أما كفانا ما وقع لنا من الحروب وهدم الدور وكلف العسكر ومساعدتهم ومحاربتنا معهم ومعكم وماقاسيناه من التعب والسهر وانفاق المال ونجازي منكم بعدها بهذا الأفاعيل فدعونا نخرج بأولادنا وعيالنا ولا نأخذ معنا شيئا ونترك لكم البلدة افعلوا بها ما شئتم فلاطفوه في الجواب وظهروا له الإهتمام بالمناداة والمنع وكتب المذكور أيضا مكاتبات بمعنى ذلك وارسلها إلى الباشا والسيد عمر بمصر فكتبوا فرمانا وارسلوه إليهم بالكف والمنع”.انتهى.
ويذكر محمد البشير ظافر أنه لما أراد الحج توجه حسن كريت من رشيد الى مصر ونزل ضيفا على السيد المحروقي شاه بندر التجار بمصر ففي ليلة حضوره توعك ولم يزل المرض يشتد به إلى أن أصبح متوفياً ( مسموما شهيدا ) سنة ١٢٣١هـ ، فجهز بما يليق به وبمضيفه وشيعت جنازته بالاحتفال اللازم لمثله ودفن بحوش السيد احمد المحروقي المذكور ووضعت على قبره رخامة نقش عليها اسمه وبلده وتاريخ وفاته ولم يعقب المترجم ذكورا بل ترك بنتين فقط.
وفي رواية أخرى ذكرها محمد زيتون أنه لما قدم السيد حسن في وفد من أهل رشيد والتقى بالباشا ، رحب به الباشا وأظهر له التقدير ، وأجابه إلى طلباته، ثم أقام له وليمة حتى إنه لم يكد ينتهى من الطعام حتى حمل الشيخ على الأعناق فاقد النطق ، فقد فارق الحياة ، وشيعت جنازته رسميا دون إخطار أهله ؛ ويؤكد أهله أن محمد علي قد دس له السم في الطعام فمات . وليس أدل على خشية محمد علي من شدة نفوذ الشيخ حسن، من أنه بعد الاحتجاج الذي قدمه ضد الفضائح التي كان يرتكبها جنوده ، من أنه أمرهم بالخروج من رشيد ليعسكروا بعيدا عنها ، على ألا يدخلوها إلا بالملابس المدنية وبتصريح خاص من الشيخ حسن كريت.
والحقيقة أنه لا يمكن غض الطرف عن الكلام المثار والروايات المذكورة حول موته مسموماً وأصابع الاتهام المشارة لمحمد علي باشا ، ولا يستبعد أن يكون قد تخلص منه في حملته للقضاء على الزعماء الشعبيين لأنه كان لا يود أن يسمع صوتا شعبيا يعلو على صوته ، وهو الحاكم.
لم يكن دور السيد حسن كريت في رشيد دوراً عسكريا فقط، فقد كانت له الثروة الواسعة والكرم الزائد والفضل الكثير خصوصا على اهل العلم فنجد أنه في سنة عام ١٢٢١هـ أوقف خزانة كتب كاملة بلغت نحو مائتي كتاب على طلبة العلم برشيد وجعل مقره مسجد المحلي، وشرط النظر عليها للسيد على زبادة مفتى الشافعية بالثغر، كما أوقف أراضي زراعية بغرب رشيد ناحية الجدية، وثلاث حوانيت بخط زغلول قبلي رشيد ووكالة الكريتلي وذلك للصرف منها على المسجد، ومرافقه وخدماته ومنها المكتبة.
وممن أخذ عن حسن كريت :
-أبو إسحاق إبراهيم بن مصطفى بن محمَّد الرشيدي الشهير بشبابك: الإِمام العالم المستحضر في الفقه المطلع على عويصات مسائله، كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب لأن بصره كان ضعيفاً جداً، أخذ عن الشيخ حسن كريت والشيخ علي كريت والشيخ محمود بن رجب نور وأخذ الطريقة الشاذلية عن الشيخ محمَّد البهي. قال الشيخ محمَّد البشير: تلقيت عنه شرح الأزهرية بحاشية العطار وأخذت عنه الطريقة الشاذلية. توفي سنة ١٢٨٦هـ، عن نحو خمس وثمانين سنة.
-والشيخ عبد القادر الشهير بابن عبد الله سقط بن مصطفى بن أبي محمد عبد القادر بن عبد الله المشرفي الغريسي الراشدي المعسكري الجزائري.
ومرفق صورة من إجازة السيد حسن كريت للشيخ المشرفي في الطريقة الخلوتية.
وكتبه : عمر محمد الشريف.
١٣ شوال ١٤٤٥هـ.