بقلم الشيخ / احمد عزت حسن
باحث فى الشريعة الإسلامية
وفِي نهاية المطاف أُوجهُ كلمة إلى أولياء الأمور:
يا من تُحبون أبناءكم، وتحرصون على فلذات أكبادكم بتوفير ما لذَّ وطاب من الطعام والشراب، والمسكن والملبس وغيره، فهذا مطلبٌ طيبٌ ومحمودٌ، لكن ذلك كله لا يُغنِي عن الاهتمام بهم من العناية بالجانب التربوي، وليكن ذلك من بداية العام الدراسي الجديد بتعهُّدهم ومتابعتهم، والوقوف على ما يُصلحهم ويرتقي بهم تربويًّا وعلميًّا، مركزين على الجوهر أكثر من المظهر، انصحوا أبناءكم وبناتكم باحترام معلميهم، والجد والمثابرة، والاجتهاد الدائم المتوازن؛ ليَسعدَ الجميعُ في دنياهم وأخراهم.
يا أيها الآباء فكونوا عونًا لأبنائكم على الخير حثوهم على العلم ورغبوهم في الجد وحاسبوهم على التخلف، حولوا بينهم وبين السفهاء من الناس، علقوهم بمعالي الأمور وجنبوهم سفاسفها، اشكروهم على الصواب وصوبوا لهم الخطأ تابعوا دروسهم واسألوا عن أحوالهم زوروا مدارسهم فإن من الآباء من لا يأتي إلى المدرسة إلا إذا استدعي أو إذا أراد أن يسجل ابنه فيها.
ومن الآباء -في بداية العام الدراسي- من يبالغ ويسرف في المظاهر والأشكال والأدوات فيوفر لابنه ألوانًا من غرائب الأدوات وعجائب الحاجات مما لا حاجة للطالب به بل ربما كسر به قلوب الفقراء والمساكين ثم تجد هذا الأب في جانب المتابعة والإشراف على ابنه صفرًا.
همسة عتاب
أيها الأب: لا تساعد ابنك على إهانة معلمه، ولا تسمح له أن ينتقص منه أمامك، ومن باب أةلى لا تساعده في الاجتراء على معلمه؛ بوقفك في صف ابنك بالحق والباطل …. بإهانتك للمعلم واستخدام سلطانك ونفوذك في شكايته فليس معنى أنك ذو نفوذ أو فلوس أن تتكبر على معلميك و….
وما أجمل أن أذكر موقف هارون الرشيد مع الكسائي عندما دخلَ يوماً على الكسائي -وهو لا يراه-، وكان الكسائي معلماً لولديه الأمين والمأمون، فقام الكسائي لينتعل حذاءه، فنهضَ الأميران كل واحدٍ منهما ليقدم له الحذاء، ثم اصطلحا على أن يحمل كل منهما فردة حذاء ويلبساه.
ويرى هارون ذلك فيرسل للكسائي ويسأله عن أفضل شخصٍ في هذه المملكة؟ فيجيبه الكسائي: بأنه أمير المؤمنين أعزه الله، فيقول الرشيد: لا، بل أعز شخص في هذه المملكة من إذا قام ونهضَ تسابق ولدي أمير المؤمنين على حمل حذائه، ثم يصطلحا على أن يحمل كل منهما فردة حذاء ويلبساه إياها. فيحاول االكسائي الاعتذار، وأنه لم يأمر بذلك، فيقول الرشيد: ما يسرني أنك طلبت!!
أي أنه كان سعيدًا؛ لأن أبناءه فعلا ذلك من تلقاء نفسهما. وهذا تعزيز الأسرة لدور المعلم
وننبه –من باب إعطاء كل ذي حقٍ حقه- أن تلك المنزلة التي وصلها الكسائي لم تكن من فراغ بل نتاج إخلاص في عمله، وزرع حصده.
فمعنا هنا ثلاثية ناجحة: معلم مخلص – طالب يعرف حق معلمه – أسرة تعزز هذه القيم.
وهكذا يكون احترام وتقدير العلماء والمعلمون، وأما ما ظهر -في الآونة الأخيرة- من شرذمة قليلون، يسبون العلماء وينتقصونهم لا بارك الله فيهم ولا كثرهم.
بل انظر إلى عظمة هارون الرشيد في هذا الموقف فقد دخل الرشيد على ولديه (الأمين والمأمون) وعندهما الإمام الكسائي يؤدبهما ويعلمهما فوجدهما يصبان الماء على رجله للوضوء وهو مشتغل بغسلها ودلكها، فخرج دون أن يعقب، وبعدها دخل عليه الكسائي فقال له: لعلك يا أمير المؤمنين غضبت مما رأيت؟
فكان غضب الرشيد ليس لأنهم يصبون على رجله الماء، بل قال له: هلا أمرت أحدهما بصب الماء، والآخر بغسل رجلك كما كنت تؤدبني أنا وأخي الهادي ونحن مثلهما؟!
أيها الآباء.. أيها الطلاب.. أيها المعلمون.. أيها الإداريون.. أيها المشرفون .. تعلمون جيداً أن التعليم اليوم في ضعف شديد وانحطاط أكيد فأنقذوا المدارس وأصلحوا التعليم وليقم كل منكم بواجبه على وجه الوفاء والتمام فإن ضعف التعليم يترتب عليه ضعف الأمة وقوة التعليم يترتب عليه قوة الأمة، واعلموا أن كل منكم على ثغرٍ من ثغور الإسلام فليحذر أحدكم أن يُؤتى الإسلام من قِبلَه”