اللطيفة العاشرة : مناجاة الله
كثيرة هي الدعوات التي نقلت عن الرسل والزهاد والعارفين والنابهين في كل عصر ومصر، إن كلمات الأدعية والمناجاة لا تتناهى حتى إن من يريد تأليف كتاب عنها لوجد حصيلة ضخمة منها، ولعجز عن جمعها، وإنك لتعجب من هذه اللذة التي تراها في مناجاة هؤلاء القوم، وإنك لزائد عجبا حين تراها تخترق قلبك قبل سمعك من حلاوتها، وجمال صياغتها، وروعة بيانها، وقبل كل ذلك الإخلاص الرائع فيها، واليقين الذي يطل من بين ثنايا كلماتها، فهو يخاطبه برحمته وقوته وفضله، ويثني على الله تعالى بكرمه وأنسه وحفظه.
إلهي كيف لا أدعوك وأنت وجهتي؟.
أم كيف أدعوكَ وأنت ذاتي ومهجتي؟.
أليَ فعل مع فعلك؟ أم لي وجودٌ مع وجودك؟ أم أنني عدمٌ لم أعلم حقيقتي؟.
يا أرحم الراحمين، يا صاحبي عند شدتي، يا مؤنسي في وحدتي، يا حافظي في نعمتي، يا ولييّ في نفسي، يا كاشف كربتي، يا مستمعَ دعوتي، يا راحمَ عبرتي، يا مقيلَ عثرتي، يا إلهي بالتحقيق، يا ركني الوثيق، يا مولاي الشفيق، يا رب البيت العتيق، يا فارج الهم، وكاشفَ الغم، ويا منزل القطر، ويا مجيبَ دعوة المضطرين، يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، يا كاشفَ كلِّ ضرٍ وبلية، ويا عالم كُلِّ خَفِيّة، يا أرحم الراحمين، أجبني في دعوتي، وقربني منك، واجعل حبك أكبر همي.
لله هذه القلوب التقية والألسنة الفصيحة البارعة التي توجهت إلى الله بصدق فنالت المنى والقرب، وأجابها بمنته، وأدناها منه في بساط الحب.
ولذا كانت القاعدة: توجه إليه بقلبك يتوجه إليك بإجابته، اعترف بعبوديتك، يعطك من صفات ربوبيته.