اللطيفة الثامنة : ماذا للعبد من أمره ونهيه
أمر مدهش ومضحك أن ترى المرء مصليا مدعيا العبادة والخضوع لله تعالى، وتراه في الوقت نفسه يمسك بتلابيب الأسباب ويلهث في طلبها، ويظنها إلها مع الإله، لا شك أن هذا المرء مخبول، ولا يدرك في فقه الحياة ولا في فقه الدين شيئا، بل أخذ ببعض المظاهر على ما رأى غيره دون أن يستقر الإيمان في قلبه.
إن الله عز وجل إذا أراد أمرا يسر له كل الأسباب، وألان له كل القلوب، وجاءه النصر من حيث لا يتوقع، لقد حبس سيدنا يوسف عليه السلام سنين، وجاء الفرج عن طريق رؤيا للملك، ليخرجه الله من سجنه معززا بعد فترة ألم لم يجزع فيها لحظة، ولم يخضع لغير الله قيد أنملة، فصبر على فتنة الشهوة، وصبر على فتنة السجن، وجاء النصر لسيدنا إبراهيم عليه السلام عن طريق بعوضة أذلت عدوه النمرود، وانتصر المسلمون في غزوات عديدة وهم أقل بكثير من عدوهم، ولكن كان سلاحهم اليقين بالله وهو الأقوى، فلما عبدوا الأسباب من دونه ونسوا ربهم في هذا الزمان فاز الأقوى فيها، وكان عدوهم سيدا لهم.
وهكذا في كل الحياة، إن أراد الله شيئا كان وبأضعف الأسباب، فلله جنود خفية لا تراها ولا تعرفها، فإن ظُلمت أو أُهنت أو أردت من الله شيئا فاطلب، ولا تسأل طريقة الإجابة ولا تتوقعها، فلله جنوده وحكمته التي تظهر في وقتها، فقط كن لله عبدا يكن لك ناصرا، {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} .
ولذا كانت القاعدة التي جاءت في دعوات الصالحين: إلهي ما أقرب التكوينَ بكلمتك، وما أسرعَ الانفعالاتِ بأمرك، فماذا للعبد من أمرك ونهيك؟ وما الحيلة إذا لم يخضع لقدرتك؟.