عوارض الشهوات
adminaswan
15 سبتمبر، 2024
الطريق إلى الله
39 زيارة
اللطيفة الثامنة عشر : عوارض الشهوات
إن القرب من الله تعالى دونه عثرات وعوارض، ويأتي على رأسها عارض الشهوة، فالشهوات حينما تطرأ تسيطر على القلب، وتملؤه بحب المباني، وتغلقه دون المعاني، فلا يرى الحكمة، ولا يفقه المعاني، ولا يلتذ بالعبادة، ويكون المرء فيها بهيميا أكثر منه آدميا، فالشهوة تغلق العقل مع القلب، وترى المرء لا يسعى في غير طلبها.
فلو تملكته شهوة المال لم يهدأ إلا برؤيته والتهالك في جمعه، ومتى عرضت له صبابة مال طار في طلبها، فيكون عبدا لماله، وعبدا لكل وسيلة تصل إليه، وقد تعس عبد الدرهم وعبد الخميصة، تعس وانتكس كما قال r في الحديث الصحيح.
ولو تملكته شهوة النساء، فسيكون عبدا لزوجته أو من يرغب في نيلها من النساء، ويظل حياته حريصا على رضاها، ملبيا طلبها، عبدا لرغباتها، فتشغله عن ربه، وتملك عليه نفسه وقلبه.
ومن هفت نفسه إلى منصب أو جاه، فسيظل حريصا عليه، لاهثا في طلب أسبابه، عبدا لمن يكون أمره بيديه، ينام ويصحو في طلبه، ويحلم ليل نهار بالوصول إليه، ولو وصل لتطلعت نفسه لما هو أعلى منه.
وهكذا في كل لون من ألوان الشهوات، ومن كان عبدا لماله أو زوجته أو منصبه أو أي لون من شهواته، فلا يكون عبدا لله أبدا، لأن القلب لا يتحمل غير الله فيه، ولا يحب الله شريكا في قلب عبده، فإن حل الشريك في القلب خلا من الله تعالى.
والحل هنا أن يصرف هذه العوارض، ويبتعد عن سهامها بقلبه، ليسلم ويكون خالصا لله وحده، أما كيف يكون ذلك فهذا ما نصح به العارفون مريديهم حين قالوا: اصرف عنك عوارض الشهوات بالحزن والندامة على الشهوات الماضية التي قد انقضت عنك لذتها، وبقيت عليك تبعتها، وألقِ من قلبك الهم تصديقا بوعد الله تعالى، وألزم قلبك الخوفَ، واحذر الوعيد لله تعالى، وتواضع له افتقارا إلى رحمته، واستصغارا لنفسك عند ذكر عظمته، وانفِ عنك التزين للناس إيثاراً لمحبتك، واستوجب اسم الشكر له على إحسانه إليك بالمحبة، واستوجب اسم الخوف منه بالكراهية منك لمعصيته، واستوجب نعمةَ معرفته بحبك لمراقبته، واستوجب اسم الحب لمراقبته بالأُنس به دون خلقه.
ولذا كانت القاعدة: إذا عرضت الشهوة انشغل القلب، وإذا انشغل خلا من الله، فطهر قلبك منها، تعش حرا من شهواتك عبدا لله وحده.
بقلم / أ.د/ حسين عبد المجيد أبو العلا
أستاذ الفقة المقارن – ووكيل كلية الشريعة والقانون بأسيوط سابقا