الوصول إلى المعاني والأسرار

اللطيفة الخامسة : الوصول إلى المعاني والأسرار

إن الدنيا كلها تدور حول المباني والمعاني والأسرار:

فالمباني تشمل كل ما ظهر في عالم الملك، وهو عالم الزمن الذي نعيش فيه، ويشمل الأموال بأنواعها، والزوجة والأولاد.

وأما المعاني: فتشمل كل ما بطن في عالم الملكوت وليس لها وجود مادي ملموس، مثل السعادة والشقاوة، والفرح والحزن، والكرم والبخل، والإسراف والتقتير، وهي كامنة في نفس الإنسان لو أراد الله عز وجل أن يظهرها على المباني تجلى عليها، فتظهر على الإنسان، فيقال: فلان كريم أو بخيل، رحيم أو فظ، سعيد أو حزين، أو غير ذلك من الأوصاف، لكثرة فعله لهذه الأشياء التي تجلى الله بها عليه.

وأما الأسرار: فيقصد بها ما بطن في المباني والمعاني من الأمور اللطيفة، فالأسرار أرق من الأنوار، والأسرار للذات العلية، والأنوار للصفات الجلية، لأنها أثرها، فالذات الإلهية بعد التجلي تكون أنوارا ظاهرة على المباني، وأسرارا باطنة في المعاني، لذلك اختص عالم الجبروت وهو عالم الله بالأسرار، واختص عالم الملكوت بالمعاني والأنوار، واختص عالم الملك بالمباني والأواني، والأغيار والأكدار.

وهنا يقال لولا المباني ما ظهرت المعاني في الوجود الحسي، ولولا المعاني ما كان هناك قيمة للمباني، وعمل المرء في حياته الوصول إلى المعاني والانعتاق من أسر المباني، فمن كانت الدنيا أو المباني أكبر همه جعل الله فقره بين عينيه، ومن كانت المعاني أكبر همه جعل الله غناه في قلبه، ولم ير في هذه المباني سعادة، بل وسيلة إلى الله، فمن ذاق المعاني لم يعد للمباني قيمة، ولم يكن لها في نفسه مكانة.

ولذا كانت القاعدة: من وصل إلى المعاني هانت عليه المباني، ومن وصل إلى الأسرار هان عليه كل شيء إلا الواحد القهار.

 بقلم / أ.د/ حسين عبد المجيد أبو العلا

أستاذ الفقة المقارن – ووكيل كلية الشريعة والقانون بأسيوط سابقا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.