قال الإمام عليّ بن الحسين رضى الله عنه :
يا يزيد ، إئْذَنْ لي أن أصعد هذه الأعواد “أي المنبر” فأتكلّم بكلماتٍ للهِ فيهنّ رضىً و لهؤلاء الجلساء فيهن أجرٌ و ثواب.
فأبى يزيد عليه ذلك ، فقال الناس : إئذَنْ له فَلْيصعد المنبر ؛ فلعلّنا نسمع منه شيئاً !
فقال يزيد : إن صَعِد لم ينزل إلاّ بفضيحتي و بفضيحة آل أبي سفيان !!
فقيل له : و ما قَدْرُ ما يُحسِن هذا ؟! فقال يزيد : إنّه مِن أهل بيتٍ قد زُقُّوا العلمَ زقّاً.
قال الراوي : فما يَزالون به حتّى أذِن له ، فصعد المنبر ، فحَمِد الله و أثنى عليه ، ثمّ خطب خطبةً أبكى منها العيون ، و أوجل منها القلوب .. ثمّ قال :
ايها الناس أُعطينا ستاً و فُضّلنا بسبعٍ ، أعطينا العلم و الحلم و السماحة و الفصاحة و الشجاعة و المحبة في قلوب المؤمنين ، و فضلنا بأن منا النبي المختار محمداً و منا الصديق و منا الطيار و منا أسد اللَّه و أسد رسوله و منا سبطا هذه الأمة و منا مهديها ، من عرفني فقد عرفني و من لم يعرفني أنبأته بحسبي و نسبي.
أيها الناس أنا إبن مكة و مِنى أنا ابن زمزم و الصفا أنا ابن من حمل الركن بأطراف الردا أنا ابن خير من ائتزر و ارتدى أنا ابن خير من انتعل و احتفى أنا ابن خير من طاف و سعى أنا ابن خير من حج و لبى أنا ابن من حُمل على البراق في الهواء أنا ابن من أُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى أنا ابن من بلغ به جبرئيل إلى سدرة المنتهى أنا ابن من دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قاب َقَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى أنا ابن من صلى بملائكة السماء أنا ابن من أوحى إليه الجليلُ ما أوحى أنا ابن محمد المصطفى.
أنا ابن علي المرتضى أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتى قالوا لا إله إلا اللَّه أنا ابن من ضرب بين يدي رسول الله سيفين و طعن برمحين و هاجر الهجرتين و بايع البيعتين و قاتل ببدرٍ و حنين و لم يكفر باللَّه طرفة عين أنا ابن صالح المؤمنين و وارث النبيين و قامع الملحدين و يعسوب المسلمين و نور المجاهدين و زين العابدين و تاج البكاءين و أصبر الصابرين و أفضل القائمين من آل ياسين رسول رب العالمين أنا ابن المؤيد بجبرائيل المنصور بميكائيل أنا ابن المحامي عن حرم المسلمين و قاتل المارقين و الناكثين و القاسطين و المجاهد أعداءه الناصبين و أفخر من مشى من قريش أجمعين و أول من أجاب و استجاب للَّه و لرسوله من المؤمنين و أول السابقين و قاصم المعتدين و مبيد المشركين و سهم من مرامي الله على المنافقين و لسان حكمة العابدين و ناصر دين اللَّه و وليّ أمر اللَّه و بستان حكمة اللَّه و عيبة علمه ، سمحٌ سخي بهي بهلول زكي أبطحي رضي مقدام همام صابر صوام مهذب قوام قاطع الأصلاب و مفرق الأحزاب أربطهم عنانا و أثبتهم جنانا و أمضاهم عزيمة و أشدهم شكيمة أسد باسل يطحنهم في الحروب إذا ازدلفت الأسنة و قربت الأعنة طحن الرحى و يذروهم فيها ذرو الريح الهشيم ليث الحجاز و كبش العراق مكي مدني خيفي عقبي بدري أحدي شجري مهاجري من العرب سيدها و من الوغى ليثها وارث المشعرين و أبو السبطين الحسن و الحسين ذاك جدي عليٌ بن أبي طالب.
ثم قال: انا ابن عديمات العيوب أنا ابن فاطمة الزهراء أنا ابن سيدة النساء انا ابن الطهر البتول انا ابن بضعه الرسول ، أنا ابن خديجة الكبرى
أنا ابن المقتول ظلماً
أنا ابن محزوز الرأس من القفا
أنا ابن العطشان حتى قضى
أنا ابن طريح كربلاء
أنا ابن مسلوب العمامة والرداء
أنا ابن من بكت عليه ملائكة السماء
أنا ابن من ناحت عليه الجن في الأرض و الطير في الهواء
أنا ابن من رأسه على السنان يهدى
أنا ابن من حرمه من العراق إلى الشام تسبى
فلم يزل يقول: أنا ، أنا ، حتى ضج الناس بالبكاء و النحيب ، و خشي يزيد أن تكون فتنة ، فأمر يزيد المؤذن مع أنه لم يكن وقت الصلاة فقطع عليه الكلام.
فلما قال المؤذن: اللَّه أكبر
قال علي بن الحسين: لا شيء أكبر من الله ، كبرت كبيراً لا يقاس
فلما قال المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله
قال علي بن الحسين: شهد بها شعري و بشري و عظمي و لحمي و دمي
فلما قال المؤذن: أشهد أن محمداً رسول الله
إلتفت من فوق المنبر إلى يزيد و قال : محمداً هذا جدي أم جدك يا يزيد؟!
فإن زعمت أنه جدّك فقد كذبت و كفرت ، و إن قلت: إنه جدّي فلم قتلت عترته؟!
اللهم صل على سيدنا علي زين العابدين و على إبنه سيدنا زيد الشهيد و سلم تسليماً كثيرا
و صل اللهم و سلم و زد و أنعم و بارك على سيدنا الحبيب المصطفى و آله