يحكى: عن أبي الحسن السّراج أنه قال: خرجت حاجا إلى بيت الله الحرام، فبينما أنا أطوف، وإذا بامرأة قد أضاء حُسنُ وجهها، فقلت: والله ما رأيت إلى اليوم قط نضارةً وحسناً مثلَ هذه المرأة، وما ذاك إلا لقلة الهمّ والحزن!
فسمعت ذلك القول مني، فقالت: كيف قلت هذا يا رجل؟!
والله إني لوثيقة بالأحزان، ومكلومة الفؤاد بالهموم والأشجان، ما يشركني فيها أحد.
فقلت: وكيف ذاك؟!
فقالت: ذَبَح زوجي شاة ضحّينا بها، ولي ولدان صغيران يلعبان، وعلى ثديي طفل يرضع، فقمت لأصنع لهم طعاما، إذ قال ابني الكبير للصغير: ألا أريك كيف صنع أبي بالشاة؟ قال: بلى، فأضجعه وذبحه وخرج هارباً نحو الجبل فأكله الذئب، فانطلق أبوه في أثره يطلبه فأدركه العطش فمات، فوضعت الطفل وخرجت إلى الباب أنظر ما فعل أبوهم، فدبّ الطفل إلى البرمة وهي على النار فوضع يده فيها فصبّها على نفسه وهي تغلي فانتثر لحمُه عن عظمه، فبلغ ذلك ابنة لي كانت عند زوجها فرمت بنفسها إلى الأرض فوافقت أجلها! فأفردني الدهرُ من بينهم.
فقلت لها: كيف صبرُك على هذه المصائب العظيمة؟!
فقالت: ما من أحد ميّزَ بين الصبر والجزع، إلا وجد بينهما منهاجاً متفاوتاً، أما الصبر بحسن العلانية: فمحمود العاقبة، وأما الجزع: فصاحبه غير معوّض.
ثم أعرضت عني وهي تنشد:
صبرت وكان الصبرُ غيرَ معوّل *** وهل جزَعٌ يُجـدي عليَّ فأجـزعُ
صبرتُ على مَنْ لو تحمَّلَ بعضَه *** جِبـالٌ شُـرُودٌ أصبحت تتصدَّعُ
ملكتُ دموعَ العين حتى رددتهـا *** إلى ناظريَّ فالعين في القلب تدمعُ