سيدي الحارث بن أسد المحاسبي، أبو عبد الله، رضي الله عنه
الحارث بن أسد المحاسبي، أبو عبد الله: من أكابر الصوفية. كان عالما بالأصول والمعاملات، واعظا مبكيا، وله تصانيف في الزهد والرد على المعتزلة وغيرهم. ولد ونشأ بالبصرة، ومات ببغداد. وهو أستاذ أكثر البغداديين في عصره.
ذكره السبكي في طبقاته فقال : «لو لم يكن في أصحاب الشافعي في الفقه والكلام والأصول والقياس والزهد والورع والمعرفة إلا الحارث المحاسبي، لكان مغبّراً في وجوه مخالفيه».
وقال عنه أبو نعيم في حلية الأولياء : كان لألوان الحق مشاهدا ومراقبا ، ولآثار الرسول – عليه السلام – مساعدا ومصاحبا ، تصانيفه مدونة مسطورة ، وأقواله مبوبة مشهورة ، وأحواله مصححة مذكورة ، كان في علم الأصول راسخا وراجحا ، وعن الخوض في الفضول جافيا وجانحا ، وللمخالفين الزائغين قامعا وناطحا ، وللمريدين والمنيبين قابلا وناصحا ، وقيل : إن فعل ذوي العقول الأخذ بالأصول ، والترك للمفضول ، واختيار ما اختاره الرسول – صلى الله عليه وسلم.
وضع عدداً كبيراً من الرسائل و الكتب، منها: «الزهد» و«أصول الديانات» و«الرد على المخالفين من المعتزلة والرافضة وغيرهما» و«الدماء» و«الرعاية لحقوق الله» و«البعث والنشور» و«الفكر والاعتبار» و«شرح المعرفة» و«التوّهم» و«الوصايا» أو «النصائح»
قال : ترك الدنيا مع ذكرها صفة الزاهدين ، وتركها مع نسيانها صفة العارفين.
قال : الظالم نادم ، وإن مدحه الناس ، والمظلوم سالم وإن ذمه الناس ، والقانع غني وإن جاع ، والحريص فقير وإن ملك.
يقول : إن أول المحبة الطاعة ، وهي منتزعة من حب السيد – عز وجل – إذ كان هو المبتدئ بها ، وذلك أنه عرفهم نفسه ، ودلهم على طاعته وتحبب إليهم ، على غناه عنهم ، فجعل المحبة له ودائع في قلوب محبيه ، ثم ألبسهم النور الساطع في ألفاظهم من شدة نور محبته في قلوبهم ، فلما فعل ذلك بهم عرضهم -سرورا بهم- على ملائكته ، حتى أحبهم الذين ارتضاهم لسكنى أطباق سمواته ، نشر لهم الذكر الرفيع عن خليقته ، قبل أن يخلقهم مدحهم ، وقبل أن يحمدوه شكرهم ، لعلمه السابق فيهم أنه يبلغهم ما كتب لهم ، وأخبر به عنهم ، ثم أخرجهم إلى خليقته وقد استأثر بقلوبهم عليهم.
يقول : ” يا معشر الأدلاء ، من أتاكم عليلا من فقدي فداووه ، وفارا من خدمتي فردوه ، وناسيا لأيادي ونعمائي فذكروه ..