فقد استحبها أكثر الفقهاء، وسموا تلك الصلاة: صلاة الغفلة ـ وذلك أن هذا الوقت هو وقت غفلة الناس عن الصلاة واشتغالهم بما سواها،
وقد وردت أحاديث كثيرة في هذا الباب منها ما هو صحيح، ومنها ما هو ضعيف منكر، فمن الصحيح ثبوتها من فعله صلى الله عليه وسلم، من دون تقييد بعدد معين، ولا بثواب محدد، بل يستفاد منها فضيلة التنفل المطلق في هذا الوقت، ومشروعية إحيائه بالصلاة.
فعن حذيفة ـ رضي الله عنه ـ قال: «أتيت النبي صلى الله عليه وسلم: فصليت معه المغرب، فصلى إلى العشاء». قال المنذري: رواه النسائي بإسناد جيد .
قال ابن حجر: الركعتان بين المغرب والعشاء سنة، فقد صرح الماوردي والروياني بندب صلاة الأوابين قالا وتسمى: صلاة الغفلة لحديث بذلك، وأكملها عشرون، لخبر: «أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يصليها عشرين ويقول: هذه صلاة الأوابين فمن صلاها غفر له» (ضعيف). وكان السلف الصالح يصلونها، قال الروياني والأظهر عندي أنها دون صلاة الضحى في التأكيد. أ.هـ.
قال الشوكاني في نيل الأوطار: والأحاديث في الباب تدل على مشروعية الاستكثار من الصلاة ما بين المغرب والعشاء، والأحاديث وإن كان أكثرها ضعيفا فهي منتهضة بمجموعها لا سيما في فضائل الأعمال، قال العراقي: وممن كان يصلي ما بين المغرب والعشاء من الصحابة عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمرو، وسلمان الفارسي، وابن عمر، وأنس بن مالك، في ناس من الأنصار، ومن التابعين الأسود بن يزيد، وأبو عثمان النهدي، وابن أبي مليكة، وسعيد بن جبير، ومحمد بن المنكدر، وأبو حاتم، وعبد الله بن سخبرة، وعلي بن الحسين، وأبو عبد الرحمن الحبلي، وشريح القاضي، وعبد الله بن مغفل، وغيرهم، ومن الأئمة سفيان الثوري. أ.هـ
وهذا الوقت لمن جرب استغلاله، والمداومة على المرابطة فيه، وانتظار الصلاة، فإنه يحصل به من صفاء النفس، ورقة الروح، وذهاب الهم وعناء البدن، بحيث لا يمكنه التفريط فيه بعد ذلك.
يقول المناوي: واحياء مَا بَين العشاءين سنة مُؤَكدَة، وانما رغب فِي هَذِه الاحاديث على الصَّلَاة بَين العشاءين؛ لأنه اذا وَاصل بَينهمَا بِالصَّلَاةِ ينغسل عَن بَاطِنه آثَار الكدورة الْحَاصِلَة فِي أَوْقَات النَّهَار من رُؤْيَة الْخلق ومخالطتهم، وَسَمَاع كَلَامهم، فان لذَلِك كُله أثرا وخدشا فِي الْقلب، حَتَّى النّظر اليهم يعقب كدرا فِي الْقلب، يُدْرِكهُ من صفا قلبه، ورق حجابه، وبالمواصلة بَين العشاءين بِالْعبَادَة يُرْجَى ذهَاب ذَلِك الأثر.
وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ في قوله تعالى: ((تتجافى جنوبهم عن المضاجع)) ـ نزلت في انتظار الصلاة التي تدعى العتمة. رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح
غريب، وأبو داود.
إلا أنه قال: كانوا يتنفلون ما بين المغرب والعشاء يصلون، وكان الحسن يقول: قيام الليل. وفي هذا آثار عن السلف.