أما الذكر بالاسم المفرد [الله] فجائز بدليل قول الله تعالى:
{واذْكُرِ اسمَ ربِّكَ وتبتَّلْ إليه تبتيلاً} وقوله تعالى: {واذْكُرِ اسمَ ربِّكَ بكرةً وأصيلاً}
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : “لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله، الله” ([1]) فهذا اسم مفرد ورد ذكره مكرراً في هذا الحديث.
وفي رواية أخرى عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لا تقوم الساعة على أحدٍ يقول: الله، الله” ([2])
قال العلامة علي القاري في شرح هذا الحديث: (أي لا يُذكَرُ الله فلا يبقى حكمة في بقاء الناس، ومن هذا يُعرَفُ أن بقاء العالم ببركة العلماء العاملين والعُبَّاد الصالحين وعموم المؤمنين، وهو المراد بما قال الطيبي رحمه الله: معنى حتى لا يُقالَ [الله، الله]: حتى لا يُذكَرَ اسمُ الله ولا يُعبَد) ([3])
ثم إن الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي رَغَّبَتْ في الذكر جاءت عامة ومطلقة لم تخصص ذكراً معيناً، ولم يرد نص شرعي يُحَرِّمُ الذكرَ بالاسم المفرد [الله ]
ومن هنا يظهر خطأ بعض المتسرعين بالاعتراض على الذكر بالاسم المفرد بحجة أنه لم يَرِدْ به نص في الكتاب والسنة، مع أن النصوص المذكورة آنفاً ظاهرة جلية كما بينا.
ولقد نص جمهور العلماء على جواز الذكر بالاسم المفرد [الله]، وإليك بعض أقوالهم:
يقول العلامة ابن عابدين في حاشيته الشهيرة عند شرح البسملة وبحثه عن لفظة [الله]: (روى هشام عن محمد عن أبي حنيفة أنه [أي الله] اسم الله الأعظم، وبه قال الطحاوي، وكثير من العلماء وأكثر العارفين حتى إنه لا ذكر عندهم لصاحب مقام فوق الذكر به([4])
وقال العلامة المحدث المناوي شارحاً حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : “إن الله تعالى يقول: أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه” ([5]) فهو مع من يذكره بقلبه، ومع من يذكره بلسانه، لكن معيته مع الذكر القلبي أتم، وخص اللسان لإفهامه دخول الأعلى بالأوْلى، لكن محبته وذكره لما استولى على قلبه وروحه وصار معه وجليسه. ولزوم الذكر عند أهل الطريق من الأركان الموصلة إلى الله تعالى، وهو ثلاثة أقسام: ذكر العوام باللسان، وذكر الخواص بالقلب، وذكر خواص الخواص بفنائهم عن ذكرهم عند مشاهدتهم مذكورهم، حتى يكون الحق مشهوداً لهم في كل حال.
قالوا: وليس للمسافر إلى الله في سلوكه أنفع من الذكر المفرد القاطع من الأفئدة الأغيارَ، وهو [الله] وقد ورد في حقيقة الذكر وتجلياته ما لا يفهمه إلا أهل الذوق) ([6])
وقال الإمام الجنيد رحمه الله:” ذاكر هذا الاسم [الله] ذاهب عن نفسه، متصل بربه، قائم بأداء حقه، ناظرٌ إليه بقلبه، قد أحرقت أنوار الشهود صفات بشريته ” ([7])
وقال سيدي أبو العباس المرسي رحمه الله: ليكن ذكرك [الله، الله]، فإن هذا الاسم سلطان الأسماء، وله بساط وثمرة، فبساطه العلم، وثمرته النور، وليس النور مقصوداً لذاته؛ بل لِما يقع به من الكشف والعيان، فينبغي الإكثار من ذكره، واختياره على سائر الأذكار لتضمنه جميع ما في [لا إله إلا الله] من العقائد والعلوم والآداب والحقائق… إلخ ([8])
وقال العارف بالله ابن عجيبة: فالاسم المفرد[الله] هو سلطان الأسماء، وهو اسم الله الأعظم، ولا يزال المريد يذكره بلسانه ويهتز به حتى يمتزج بلحمه ودمه، وتسري أنواره في كلياته وجزئياته… إلى أن قال: فينتقل الذكر إلى القلب ثم إلى الروح ثم إلى السر، فحينئذ يخرس اللسان ويصل إلى الشهود والعيان) ([9])
([2]) أخرجه مسلم في صحيحه والإمام أحمد في مسنده.
([3]) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح” لملا علي القاري ج5/ص226
([4]) “شرح التحرير” لابن أمير حاج ,حاشية ابن عابدين ج1/ص5
([6]) “فيض القدير شرح الجامع الصغير” للعلامة المناوي ج2/ص309