من محدثات الصحابة والبدعة المحمودة2
adminaswan
11 ديسمبر، 2020
شبهات حول قضايا التصوف
1,064 زيارة
صلاة سيدنا بلال بعد كل طهور :
رَوَى الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ (1149): “بَابُ فَضْلِ الْطُّهُورِ بِاللَّيْلِ وَالْنَّهَارِ وَفَضْلِ الْصَّلَاةِ عِنْدَ الْطُّهُورِ بِاللَّيْلِ وَالْنَّهَارِ”: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ الْنَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ قَالَ لِبِلَالٍ عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ: “يَا بِلَالُ، حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الْإِسْلَامِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ”؟!. قَالَ: مَا عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي أَنِّي لم أتطهر طهوراً فِي سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ إِلَّا صليت بذلك الطهور مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: دَفَّ نَعْلَيْكَ، يَعْنِي: تَحْرِيكَ.
قَالَ حَافِظُ الْدُّنِيَا اِبنُ حَجَر الْعَسْقَلاَنِي (ت:852هـ): ((وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ جهاز الاجتهاد فى توقيت العبادة ، لِأَنَّ بِلَالًا تَوَصَّلَ إِلَى مَا ذَكَرْنَا بِالِاسْتِنْبَاطِ فَصَوَّبَهُ الْنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ…عِنْدَ الْتِّرْمِذِيِّ وابْن خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ فِي نَحْوِ هَذِهِ الْقِصَّةِ: “مَا أَصَابَنِي حَدَثٌ قَطُّ إِلَّا تَوَضَّأْتُ عِنْدَهَا” وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِهِ: “مَا أَحْدَثْتُ إِلَّا تَوَضَّأْتُ وَصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ” فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُعْقِبُ الْحَدَثَ بِالْوُضُوءِ، وَالْوُضُوءُ بِالْصَّلَاةِ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ))(1)
وَفِي عَمَلِ هَذَا الْصَّحَابِي الْـجَلِيل مِنْ الاِقْرَارَاتِ، مَا يَلِي:
(أ) الاِجْتِهَادُ فِي الْتَّوْقِيتِ لِعِبَادَةٍ مُطْلَقَةٍ لَـمْ يَرِد بِالْتَّوْقِيتِ لَهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْـمُحْدَثِ، مِنْ دَلِيلٍ خَاصٍّ، غَيْر عُمُومَاتِ الْنُّصُوصِ الْدَّالَّةِ عَلَى مُطْلَقِ الاِجْتِهَادِ فِي الْعِبَادَةِ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ الْنَّهْيِ.
(ب) الْتِزَامُ كَيْفِيَّةٍ فِي الْعِبَادَةِ لَـمْ يَلْتَزِمْ صُورَتَهَا سَيِّدُ الْـخَلْقِ وَحَبِيبُ الْـحَقِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.
فَإِنْ قِيلَ: لَكِن حَضْرَة الْـمُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم أَقَرَّ سَيِّدنَا بِلاَلاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى الْفِعْلِ، وَإِقْرَارهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم سُنَّةٌ، وَهَذَا لاَ يَتَأَتَّى لِغَيْرِهِ مِمَّن لَـمْ يَطَّلِع الْحَبِيبُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم عَلَى مُحْدَثَاتِهِم لِيُقِرَّ أَوْ يُنْكِرَ؟! فَمُحْدَثَاتهُم تَشْرِيعٌ فِي الْدِّين وَبِالْتَّالِي: بِدْعَةٌ ضَلاَلَةٌ؟!
فَالْجَوَابُ أَنْ يُقَال: أَنَّ الْـمُصْطَفَى صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَقَرَّ سَيِّدنَا بِلاَلاً عَلَى:
(أ) عَيْن الْفِعْل، وَهُوَ: الْعِبَادَة
(ب) إِحْدَاث تَوْقِيتٍ لِهَذِهِ الْعِبَادَة الَّتِي تَرَكَ الْتَّوْقِيت لَهَا بِهَذِهِ الْصُّورَة الْـمُصْطَفَى صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ
فَالْشَّاهِدُ هُوَ إِقْرَاره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم عَلَى إِقْدَامِ هَذَا الْصَّحَابِي بِالْعَمَلِ بِـمَا أَدَّاهُ إِلَيْهِ اجْتِهَادهُ مِنْ إِحْدَاث تَوْقِيتٍ لِلْعِبَادَةِ مِنْ دُونِ الْرُّجُوعِ إِلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم لِلْاِسْتِفْسَار عَنْ عَيْنِ هَذَا الْفِعْل. فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ هَذَا الْصَّحَابِي قَدْ فَهِمَ مِنْ الْـمُعَلِّمِ الْأَوَّلِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم أَنَّ الْـمُحْدَث لاَ يُرَدُّ بِإِطْلاَقٍ بَلْ يُرَدُّ مِنْهُ مَا يُخَالِفُ الْأُصُول الْشَّرْعِيَّةِ.
نَعَمْ؛ فَلَوْ كَانَ كُلُّ مُحْدَثٍ: “بِدْعَةٌ ضَلاَلَةٌ” هَكَذَا بِإِطْلاَقٍ لَسَارَعَ الْحَبِيبُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم بِإِعْلاَنِ الاِنْكَارِ عَلَى إِحْدَاثِ سَيِّدِنَا بِلاَلٍ قَائِلاً: “مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا منْهُ لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ” وَ: “لَوْ كَانَ خَيْراً لَسَبَقْتكُم إِلَيْهِ وَأَمَرتُكُم بِهِ؟!”، وقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ: “تَأْخِير الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْـحَاجَةِ لاَ يَجُوزُ وَالْسُّكُوت فِي مَعْرِضِ الْـحَاجَةِ بَيَانٌ”، فَالْـمُحْدَثَاتُ إِذًا تُعْرَضُ عَلَى الْشَّرِيعَةِ الْغَرَّاءِ فَمَا وَافَقَ الْأُصُول قُبِلَ وَمَا عَارَضَهَا رُفِضَ.
إِذًا، فَلاَ يُشْتَرَطُ فِي الاِجْتِهَادِ فِي الْعِبَادَة وُجُودَ دَلِيلٍ خَاصٍّ مَا دَامَ الأَمْر يَنْدَرِجُ تَحْتَ الْأُصُول الْشَّرْعِيَّةِ الْعَامَّةِ وَلاَ يُعَارِضُ الْقَوَاعِدَ، وَلَيْسَ كُلُّ مَا لَـمْ يَفْعَل صُورَتهُ الْـمُصْطَفَى صَلَّى الله عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَالْإِتْيَانُ بِهِ بِدْعَةٌ ضَلاَلَةٌ وَتَرْكهُ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ؟!، فَلاَ يَقُولُ عَاقِلٌ أنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ اِسْتَقْصَى فِعْلَ كُلِّ صُوَرِ الْـمُسْتَحَبَّاتِ الَّتِي تَنْدَرِجُ تَحْتَ الْنُّصُوصِ الْعَامَّةِ؟! وَإِلاَّ لَـمَا وَسِعَهُ الْعُمْر فِي الْتَّبْلِيغِ وَلَبَطُلَت عِنْدَئِذٍ فَائِدَة هَذِهِ الْنُّصُوصِ الْعَامَّة فِي الْشَّرْعِ؟!، وَحَدِيثُ سَيِّدنَا بِلاَلٍ هَذَا خَيْر دَلِيلٍ عَلَى أَحَقِّيَّةِ هَذَا الْفَهْمِ، لِأَجْلِ هَذَا قَالَ الْإِمَام الْحَافِظ شِهَابُ الْدِّين أَبُو شَامَة (ت:665هـ): ((وَمِنْ هَذَا الْبَابِ [الْبِدَعِ الْحَسَنَةِ]: إِقْرَاره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ بِلَالًا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى صَلَاتِهِ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ كُلِّ وُضُوءٍ، وَإِنْ كَانَ هُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ لم يشرع خصوصية ذلك بقول ولا فعل وَذَلِكَ لِأَنَّ بَابَ التطوع بالصلاة مفتوح إِلَّا فِي الْأَوْقَاتِ الْـمَكْرُوهَةِ))(2)…
___________________
(1) فَتْحُ الْبَارِي بِشَرْحِ صَحِيحِ الْبُخَارِي لِلْحَافِظ اِبْن حَجَر الْعَسْقَلاَنِي (3 /34-35)، الْمَطْبَعَةُ الْسَّلَفِيَّةِ.
(2) الْبَاعِث عَلَى إِنْكَارِ الْبِدَعِ وَالْحَوَادِث (ص:22)، طَبْع وَنَشْر: مَطْبَعَةُ الْنَّهْضَةِ الْـحَدِيثَة بِـمَكَّة، الْطَّبْعَة الْثَّانِيَة: 1401هـ-1981م.