أصل التصوف وبداية ظهوره
adminaswan
23 يناير، 2025
التصوف المستنير
70 زيارة

بقلم فضيلة الشيخ الدكتور : فواز الطباع الحسني
شيخ الطريقة الرفاعية العلية بالأردن
كثرت الأقوال في اشتقاق كلمة التصوف عند المسلمين على عدة أقوال ومنها :
1- أنه مأخوذ من كلمة الصِّفة : وهو إتصاف بمحاسن الأخلاق والصفات ، وترك المذموم منها .
2-أنه مأخوذ من كلمة الصُفَّة : لأنَّ صاحبه تابعٌ لأهل الصُفَّة الذين هم الرعيل الأول من رجال التصوف (وهم مجموعة من المساكين الفقراء كانوا يقيمون في المسجد النبوي الشريف ويعطيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصدقات والزكاة ما يكفيهم ) .
3- أنه مأخوذ من كلمة الصوفة : لأن الصوفي مع الله تعالى كالصوفة المطروحة، لإستسلامه لله تعالى .
4- أنه مأخوذ من كلمة الصف : فكأنهم في الصف الأول بقلوبهم من حيث حضورهم مع الله تعالى؛ وتسابقهم في سائر الطاعات .
5- أنه مأخوذ من كلمة الصوف : لأنهم كانوا يؤثرون لبس الصوف الخشن للتقشف والاخشيشان ، وعلامة دالة على الزهد في الدنيا .
6- أنه مأخوذ من الصفاء .
قال الشاعر :
تنازع الناس في الصوفي واختلفوا وظنه البعض مشتقاً من الصوف
ولست أمنح هذا الإسم غير فتى صفا فصوفي حتى سمي صوفي
بداية ظهور التصوف :
قال الإمام أبو القاسم القشيري في رسالته :
اعلموا أن المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يَتَسمَّ أفاضلهم في عصرهم بتسمية سوى صحبة الرسول عليه الصلاة والسلام، إذ لا أفضلية فوقها، فقيل لهم الصحابة ، ثم اختلف الناس وتباينت المراتب، فقيل لخواص الناس ـ ممن لهم شدة عناية بأمر الدين ـ الزهاد والعُبَّاد، ثم ظهرت البدعة ، وحصل التداعي بين الفرق، فكل فريق ادعوا أن فيهم زهاداً، فانفرد خواص أهل السنة المراعون أنفسهم مع الله سبحانه وتعالى، الحافظون على قلوبهم من طوارق الغفلة بإسم الصوفية ، واشتهر هذا الإسم لهؤلاء الأكابر قبل المائتين من الهجرة .
قال الشيخ محمد صديق الغماري :
ويعضد ما ذكره ابن خلدون في تاريخ ظهور اسم التصوف ما ذكره الكِنْدي ـ وكان من أهل القرن الرابع ـ في كتاب “ولاة مصر” في حوادث سنة المائتين: إنه ظهر بالاسكندرية طائفة يسمَّوْن بالصوفية يأمرون بالمعروف. وكذلك ما ذكره المسعودي في “مروج الذهب” حاكياً عن يحيى بن أكثم فقال: إن المأمون يوماً لجالس، إذ دخل عليه علي بن صالح الحاجب، فقال: يا أمير المؤمنين! رجل واقفٌ بالباب، عليه ثياب بيض غلاظ، يطلب الدخول للمناظرة، فعلمت أنه بعض الصوفية. فهاتان الحكايتان تشهدان لكلام ابن خلدون في تاريخ نشأة التصوف. وذُكر في “كشف الظنون” أن أول من سمي بالصوفي أبو هاشم الصوفي المتوفى سنة خمسين ومئة (150 هـ ) .
أقوال الأئمة و العلماء في مفهوم التصوف :
قال الإمام أحمد الرفاعي رضي الله تعالى عنه : التصوف كلّه أخلاق فمن زاد عليك بالاخلاق ، زاد عليك بالتصوف .
قال الإمام أبي القاسم الجنيدي : التصوف استعمال كل خلق سني، وترك كل خلق دني .
قال الشيخ أحمد زروق في كتابه قواعد التصوف : التصوف علم قصد لإصلاح القلوب وإفرادها لله تعالى عما سواه .
قال الشيخ زكريا الانصاري : التصوف علم تعرف به أحوال تزكية النفوس، وتصفية الأخلاق وتعمير الظاهر والباطن لنيل السعادة الأبدية .
قال الإمام أبن عجيبة الحسني في كتابه معراج التشوف إلى حقائق التصوف : التصوف هو علم يعرف به كيفية السلوك إلى حضرة ملك الملوك ، وتصفية البواطن من الرذائل ، وتحليتها بأنواع الفضائل ، وأوله علم ، ووسطه عمل ، وآخره موهبة .
قال الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه :
حبب الي من دنياكم ثلاث : ترك التكلف ، وعشرة الخلق بالتلطف ، والإقتداء بطريق أهل التصوف .
قال الإمام الرازي في كتاب اعتقادات فرق المسلمين والمشركين :
والمتصوفة قومٌ يشتغلون بالفكر ، وتجرد النفس من العلائق الجسمانية ، يجتهدون ان لا يخلو سرهم وبالهم عن ذكر الله تعالى في سائر تصرفاتهم ، منطبعون على كمال الأدب مع الله عز وجل ، وهولاء هم خير فرق الادميين .
قال الإمام أبن تيمية في الفتاوى الكبرى :
والصوفيون قد يكونون من أجل الصديقين بحسب زمانهم ، فهم من أكمل صديقي زمانهم ، والصديق في العصر الأول أكمل منهم .
قال الإمام النووي في كتابه المقاصد :
أصول التصوف خمسة :
1-تقوى الله في السر والعلانية.
2-إتباع السنة في الأقوال والأفعال.
3-الإعراض عن الخلق في الإقبال والإدبار.
4-الرضا عن الله في القليل والكثير .
5-الرجوع إلى الله في السراء والضراء.
سند الصوفية :
الأول : عن سيدنا ابو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه :
و ترجع اليه الطريقة النقشبندية فقط وأُخذت عنه التلقين بلفظ الجلالة الله ، كما ذكر ذلك الإمام الرواس رضي الله تعالى عنه في كتابه طي السجل .
الثاني : عن سيدنا علي كرم الله وجهه :
ترجع اليه باقي الطرق كلها ؛ كالرفاعية ، والقادرية ، والدسوقية ، والبدوية ، والشاذلية . وأخذت هذه الطرق عنه التلقين بكلمة التوحيد لا اله الا الله .
وكان من أوائل من كتب في التصوف من العلماء:
الحارث المحاسبي ، المتوفى سنة 243 هـ، ومن كتبه: بدء من أناب إلى الله ، وآداب النفوس ، ورسالة التوهم.
أبو سعيد الخراز ، المتوفى سنة 277 هـ، ومن كتبه: الطريق إلى الله.
أبو نصر عبد الله بن علي السراج الطوسي ، المتوفي سنة 378 هـ ، وله كتاب: اللمع في التصوف.
أبو بكر الكلاباذي ، المتوفي سنة 380 هـ، وله كتاب: التعرف على مذهب أهل التصوف.
أبو طالب المكي ، المتوفى سنة 386 هـ، وله كتاب: قوت القلوب في معاملة المحبوب.
أبو قاسم القشيري ، المتوفى سنة 465 هـ، وله الرسالة القشيرية ، وهي من أهم الكتب في التصوف.
أبو حامد الغزالي ، المتوفى سنة 505 هـ، ومن كتبه: إحياء علوم الدين ، الأربعين في أصول الدين ، منهاج العابدين إلى جنة رب العالمين ، بداية الهداية ، وغيرها الكثير.
قال الشاعر :
ليس التصوف لبس الصوف ترقعه ولا بكاؤك إن غنى المغنون
ولا صياحٌ ولا رقصٌ ولا طربٌ ولااظطراب كأن قد صرت مجنونَ
بل التصوف أن تصفو بلا كدرٍ وتتبع الحق والقرآن والدينَ
وأن ترى خاشعاً لله مكتئباً على ذنوبك طول الدهر محزونَ .
من كتاب ( الفيوضات المحمدية ) الشيخ الدكتور فواز الطباع الحسني
حفظه الله وغفر الله له ولوالديه
06/02/2025