إعداد الشيخ / عادل عبدالكريم توني إبراهيم
إمام وخطيب ومدرس بوزارة الأوقاف
عناصر الخطبة:
١- حديث “أَنْتَ عِنْدَ اللهِ غَالٍ”وما فيه من فوائد.
٢- أساس التفاضل بين الناس عند الله تعالي .
٣- لتعرفَ عندَ اللهِ مقامَك ..فانظرْ أينَ أقامَكَ؟ .
٤- كرامة ومنزلة المؤمن عند ربه عز وجل .
“””””””””””
الخطبة الأولي :
الحمدُ للهِ رب العالمين .. أحاطَ بكلِّ شيءٍ علماً، وأحصى كلَّ شيءٍ عدداً، له ما في السماواتِ وما في الأرضِ وما بينهما وما تحتَ الثَّرى .. أحمدُه سبحانَه وأشكرُه وأتوبُ إليه وأستغفرُه .. نعمَهُ لا تُحصى، وآلاؤهُ ليسَ لها مُنتهى ..
وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمداً عبدُه ورسولُه .. أخشى النَّاسِ لربِّه وأتقى، دلَّ على سَبيلِ الهدى، وحذَّرَ من طريقِ الرَّدى، صلى اللهُ وسلمَ وباركَ عليه وعلى آلِه وأصحابِه، معالمِ الهُدى ومَصابيحِ الدُّجَى والتَّابعينَ ومن تَبعَهم بإحسانٍ وسارَ على نهجِهم واقتفى .
أما بعد :
(١)- عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ يُقَالُ لَهُ زَاهِرُ بْنُ حَرَامٍ كَانَ يُهْدِي إلى النَّبِيِّ – ﷺ – الْهَدِيَّةَ فَيُجَهِّزُهُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ، فَقَالَ رَسُولُ – ﷺ – : “إِنَّ زَاهِرًا بَادِيَتُنَا وَنَحْنُ حَاضِرُوهُ”، قَالَ: فَأَتَاهُ النَّبِيُّ
– ﷺ – وَهُوَ يَبِيعُ مَتَاعَهُ، فَاحْتَضَنَهُ مِنْ خَلْفِهِ وَالرَّجُلُ لَا يُبْصِرُهُ، فَقَالَ: أَرْسِلْنِي، مَنْ هَذَا؟ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا عَرَفَ أَنَّهُ النَّبِيُّ – ﷺ – جَعَلَ يُلْزِقُ ظَهْرَهُ بِصَدْرِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم: “مَنْ يَشْتَرِي هَذَا الْعَبْدَ؟”، فَقَالَ زَاهِرٌ: تَجِدُنِي يَا رَسُولَ اللهِ كَاسِدًا! فَقَالَ: “لَكِنَّكَ عِنْدَ اللهِ لَسْتَ بِكَاسِدٍ”، أَوْ قَالَ – ﷺ – : “بَلْ أَنْتَ عِنْدَ اللهِ غَالٍ”؛ رواه ابن حبان، والترمذي في الشمائل، وأحمد، وصححه الحافظ ابن حجر في “الإصابة” (4/6) .
كان النَّبيُّ – ﷺ – وَدودًا لَطيفًا، يُداعِبُ أصحابَهُ، ويُلاطِفُهم، ويُمازِحُهم، ويَضْحَكُ معَهم، ولا يَقولُ إلَّا صِدْقًا.
وفي هذا الحديثِ يَحكي أنسُ بنُ مالكٍ رضِيَ اللهُ عنه: “أنَّ رَجُلًا من أهْلِ البادِيَةِ اسْمُهُ زاهِرٌ” وهُوَ زاهِرُ بنُ حَرامٍ الأَشْجَعيُّ شَهِدَ بَدْرًا “كان يُهْدِي لِلنَّبيِّ – ﷺ – والمَعْنى: أنَّه كان يَأْتي بالهَديَّةِ مِنْ أمْتِعَةِ البادِيَةِ إليه – ﷺ – ممَّا يُوجَدُ فيها منَ الأَزْهارِ، والأَثْمارِ، والنَّباتِ، وغَيرِها، وقال النَّبيُّ – ﷺ – : “زاهِرُ بادِيَتُنا”، أي: هو سَاكِنُ بَادِيَتِنَا، والبادِيَةُ: الصَّحْراءُ ، “ونحنُ حاضِرَتُهُ”، أي: أَهْلُ بَيتِ النُّبوَّةِ ، أي ونحنُ نُعِدُّ له ما يَحْتاجُ إليه في بادِيَتِهِ من البَلَدِ ، وقيل مَعْناهُ: نحنُ نُهديهِ ما يُريدُ من أمْتِعَةِ البَلَدِ، فكأنَّا بَلَدٌ له، وقيل مَعْناهُ: ونحنُ أصْدِقاؤُهُ مِنَ الحَضَرِ، “وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّم يُجهِّزُهُ إذا أرادَ الخُروجَ إلى البادِيَةِ”، أي: يُعِدُّ وَيُهيِّئُ له ما يَحْتاجُ إليه في البادِيَةِ من أمْتِعَةِ البُلْدانِ من المدينةِ، وغَيْرِها، “وكان زَاهِرٌ دَميمَ الخِلْقَةِ”، أي: ليس بجميل الوَجهِ، “فأتاهُ النَّبيُّ – ﷺ – ، وهو يَبيعُ شيئًا له في السوقِ، فاحْتَضَنَهُ من خَلْفِهِ”، أي: أحاطَ به النَّبيُّ – ﷺ – وأَمْسَكَ زاهِرًا من ظَهْرِهِ مُداعِبًا ومازِحًا معه، فقال له زاهِرٌ: “مَنْ هذا؟ أَرْسِلْنِي،”، أي: اُتْرُكْني، قال أنسٌ رضِيَ اللهُ عنه: “والْتَفَتَ”، أي: بِبَعْضِ بَصَرِهِ، “فعَرَفَ النَّبيَّ
– ﷺ – فجَعَلَ النَّبيُّ – ﷺ – يقولُ: مَنْ يَشْتَري مِني هذا العَبْدَ؟”، أي: مَنْ يَشْتَري مِثْلَ هذا العَبْدِ مِنِّي، ولا يَلْزَمُ من هذا القَوْلِ -لاسِيَّما وَالْمَقامُ مَقامُ المُزَاحِ- إِرادَةُ تَحَقُّقِ بَيْعِهِ، “وجَعَلَ هو يُلْصِقُ ظَهْرَهُ بصَدْرِ النَّبيِّ – ﷺ – أي: فبَدَأَ زاهِرٌ لا يُقصِّرُ فِي أنْ يُلْزِقَ ظَهْرَهُ بِصَدْرِ النَّبيِّ – ﷺ – تَبَرُّكًا، وَتَدَلُّلًا على مَحْبُوبِهِ، “ويقولُ: إذًا تَجِدُني كاسِدًا”، أي: إِنْ عَرَضْتَنِي على البَيْعِ، إِذًا تَجِدُني مَتاعًا رَخيصًا أَوْ غَيْرَ مَرْغُوبٍ فِيهِ ” فقال له النَّبيُّ – ﷺ – : ولكِنَّك عندَ اللهِ لسْتَ بكاسِدٍ”، أي: أنَّك بإيمانِكَ تكونُ غاليًا عندَ اللهِ.
-قوله – ﷺ – :”أَنْتَ عِنْدَ اللهِ غَالٍ” توضح أن أساس نجاح أية دعوة إصلاحية هو الاهتمام بالإنسان قبل العمران٠ فما كانت دعوات الأنبياء – و هم من هم المؤيدون من الله – لتنتصر و تنتشر دون الإهتمام بأهم ما في هذا الكون : وهو (الإنسان)٠ ما كانت جهودهم لتثمر ، و لا لمسيرتهم أن تستمر لولا إشراكهم للشباب في همومهم الدعوية ٠ هذا ما كشفت عنه سيرة رسول الله مع الشباب، و ما جلَّته بوضوح قصة الصحابي زاهر رضي الله عنه ، إذا كان سيد المربين صلى الله عليه و سلم يمزح مع زاهر رضي الله عنه ، يضُمُّه و يُعَبِّر له عن حبه و حب الله له، فما الذي نتوقع من زاهر عندما يستشعر هذا الكم من الحب والتقدير؟ أكيد سيبادل رسول الله حبا بحب، و سيزيد تعلقه بهذا الدين الذي يعلي من شأنه و يحفظ كرامته٠
ـ “أَنْتَ عِنْدَ اللهِ غَالٍ” ترسم لنا المنهج الأمثل في التعامل مع الشباب إنه منهج الاحتضان العاطفي و النأي عن محاكمتهم انطلاقا من المظهر إنه تربية بالحب ، و تزكية بالاحتضان إنه منهج فريد لتجسير العلاقة بيننا و بينهم، عسى أن تبعث الثقة بيننا من جديد٠
– يظهر الحديث تَواضُعُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وحُسنُ عِشرتِه لأصحابِه ومداعبته لهم .
فقد كان النَّبيُّ – ﷺ – وَدودًا لَطيفًا، يُداعِبُ أصحابَهُ، ويُلاطِفُهم، ويُمازِحُهم، ويَضْحَكُ معَهم، ولا يَقولُ إلَّا صِدْقًا.
وقد ضرب – ﷺ – أسمى الأمثلة لحسن العشرة والتواضع و خفض الجناح لصحابته يجلس معهم كواحد منهم، ويمازحهم فالمزاح والمداعبة شئ محبب إلى النفوس ، فهو يبعث على النشاط والإقبال على الأعمال بجد وطاقة ، ولا حرج فيه ما دام منضبطا بضوابط الشرع ، ولا يترتب عليه ضرر ، بل هو مطلوب ومرغوب ، وذلك لأن النفس يعتريها السآمة والملل ، فلا بد من فترات راحة .
عن أبي هريرة قال :” « كان – ﷺ – يجلس بين ظهري أصحابه فيجيء الغريب و لا يدري أيهم هو حتى يسأل»
كان يبتسم – ﷺ – في وجوه أصحابه ، ويسمعهم الكلام الطيب ، ويتقبل شكواهم بصدر رحب وأدب جم ، فعن جرير رضي الله عنه ، قال : (ما حجبني النبي – ﷺ – منذ أسلمت ، ولا رآني إلا تبسم في وجهي ، ولقد شكوت إليه إني لا أثبت على الخيل ، فضرب بيده في صدري وقال اللهم ثبته ، واجعله هاديا مهديا) . رواه البخاري.
كان شديد الإحساس بهمومهم ، كثير الاهتمام بدقائق أحوالهم٠ و هذا جليبيب رضي الله عنه رجل من صحابته الكرام، كان في وجهه دمامة، و كان فقيرا و يكثر الجلوس عند النبي – ﷺ –
فقال له النبي ذات يوم فيما يرويه أنس رضي الله عنه : «” يا جليبيب ألا تتزوج يا جليبيب ؟ فقال : يا رسول الله و من يزوجني يا رسول الله؟ فقال : أنا أزوجك يا جليبيب فالتفت جليبيب إلى الرسول – ﷺ – فقال : إذا تجدني كاسدا يا رسول الله٠ فقال له الرسول صلى الله عليه و سلم:” غير أنك عند الله غير كاسد٠” فزوجه رسول الله فتاة من الأنصار٠ و لم تمض أيام على زواجه حتى خرج مع رسول الله في غزوة استشهد فيها رضي الله عنه٠ فلما انتهى القتال، اجتمع الناس و بدأوا يتفقدون بعضهم بعضا، فسألهم النبي – ﷺ – وقال : ” هل تفقدون من أحد؟ قالوا نعم يا رسول الله نفقد فلانا و فلان، فقال – ﷺ – :” و لكنني أفقد جليبيبا٠ فقوموا نلتمس خبره “، ثم قاموا و بحثوا عنه في ساحة القتال٠٠٠ فوجدوه شهيدا بجانبه سبعة من قتلى المشركين، فقال النبي – ﷺ –
:” قتلتهم ثم قتلوك أنت مني و أنا منك، أنت مني و أنا منك٠” فتربع جالسا بجانب الجسد، ثم حمله على ساعديه حتى حفروا قبره، قال أنس رضي الله عنه:” فمكثنا و الله نحفر القبر و جليبيب ماله فراش غير ساعد النبي – ﷺ -» ٠
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله
– ﷺ – قال : ” ما نقَصت صَدقةٌ مِن مالٍ ، وما زادَ اللَّهُ رجلًا بعفوٍ إلَّا عزًّا ، وما تواضعَ أحدٌ للَّهِ إلَّا رفعَهُ اللَّهُ ” رواه مسلم
تواضعْ تكنْ كالنجمِ لاحَ لناظرٍ
على صفحات الماء وهو رفيع
ولا تكُ كالدخّان يرفع نفسه
إلى طبقات الجوّ وهو وضيع
***
(٢)- ” أَنْتَ عِنْدَ اللهِ غَالٍ” تبرز أن قيمة الإنسان ليس بما يملك من حطام زائل، أو يكنز من متاع فانٍ، بل قيمته فيما يحمل من قِيَم و مبادئ، و ما انطوت عليه سريرته من صدق و حب لهذا الدين
“أَنْتَ عِنْدَ اللهِ غَالٍ” تصرف انتباهنا إلى أن أهم ما يجب الحرص عليه في هذه الدنيا هو مقامنا عند الله لا عند الناس٠ فرضا الله يسير بلوغه أما رضا الناس فغاية لا تدرك٠
“أَنْتَ عِنْدَ اللهِ غَالٍ” تصحح معاييرنا التي نزِنُ بها الناس، هذه الأخيرة قد يصيبها التطفيف، بل قد تصيبها عدوى مما يروج في المجتمع من مقاييس زائفة، فنحتاج أن نقوِّمَ الناس بميزان الشرع لا ميزان الهوى٠
فمن الأمور التي قررتها الشريعة الإسلامية أن التفاضل بين الناس لا يرجع إلى جنس ولا لون ولا عرق ولا نسب، إنما ميزان التفاضل بين الناس هو التقوى، قال الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات:13) .
ذكر العلامة ابن الجوزي رحمه الله في كتابه زاد المسير عند الحديث عن سبب نزول الآية أنه عند فتح مكة أمر النبي – ﷺ – بلالا أن يصعد على ظهر الكعبة ليؤذن فلما سمعه الحارث بن هشام قال: أما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذنا،فنزلت الآية : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات:13) .
كان رسول الله – ﷺ – جالسا بين أصحابه فيمر عليهم رجل فيقول: ” ما تقولون في هذا؟” قالوا: حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع، وإن قال أن يسمع، فمر رجل من فقراء المسلمين، فقال: ” ما تقولون في هذا؟ ” ، قالوا: حري إن خطب ألا ينكح، وإن شفع ألا يشفع، وإن قال ألا يسمع، فقال – ﷺ – : ” إن هذا خير من ملء الأرض من هذا”.
ولما تسلق عبد الله بن مسعود رضي الله عنه نخلة انكشفت ساقه فضحك بعض الصحابة من دقتها قال لهم النبي – ﷺ – : “تعجبون من دقة ساقيه؟ إن إحداها أثقل عند الله من جبل أحد”.
وصدق القائل :
لعمرك ما الإنسان إلا بدينه فلا **
تترك التقوى اتكالا على النسب
فقد رفع الإسلام سلمان فارس **
وقد وضع الشرك الشريف أبا لهب
فميزان التفاضل بين الناس تقوي الله عز وجل، ولهذا لما خطب النبي – ﷺ – في حجة الوداع قال لهم :” أيها الناس، ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي ، ولا لأعجمي على عربي، ولا لأسود على أحمر ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى…” الحديث.
***
(٣)- أخي المسلم.. إذا أردت أن تعرفَ عندَ اللهِ مقامَك.. فانظرْ أينَ أقامَكَ؟
فالناسُ عندَ اللهِ -عزَّ وجلَّ- مقاماتٌ متفاوتةٌ . منهم صاحبُ المقامِ الرفيعِ .. والخيرِ الوَسيعِ .. في أعلى عِلِّيِّينَ .. الموَفقُونَ لكلِ خيرٍ ،المُبعدُونَ عن كلِ شرٍ ، فهم محفوظونَ بحفظِ اللهِ -تعالى- الْكَبِيرِ الْمُتَعَالِ .. من كلِ ما يُبغضُه من الأقوالِ والأفعالِ ..اسمعوا كيفَ أنقذَ اللهُ -تعالى- عبداً من عبادِه في أحلكِ الظروفِ سيدنا يوسف عليه السلام : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلِصِينَ) [يوسف: 24].. كلُّ ذلك لأنه كانَ من عبادِه الأخيارِ الذين لهم مقامٌ عندَ اللهِ عظيمٌ.
ومنهم من هو في أسفلِ سافلينَ .. قد سقطَ من عينِ اللهِ -تعالى- .. فتركَه وأعداءَه من النَّفسِ والهوى والشَّيطانِ .. فلا يبالي أيُّ دربٍ سلكَ .. أو في أي وادٍ هلكَ .. اسمعوا كيفَ عاقبَ اللهُ -تعالى- مَن عصاه واتَّبعَ هواه: (وَاتْلُ عَلَيْهِم نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَّلِكَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذيِنَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُم يَتَفَكَّرُونَ * سَاءَ مَثَلاً القَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ) [الأعراف: 175- 177].. فسبحانَ من خَذلَ هذا ووفَّقَ ذلك .. (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) [الأنعام: 132].
إن من عبادِ اللهِ -تعالى- من سدَّدَ اللهُ جوارحَهم فلا يستعملونها إلا في طاعتِه.. جاءَ في الحديثِ القدسي: “إِنَّ اللهَ -تعالى- قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيَّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلِيَّ عَبْدِيْ بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلِيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ، ولا يَزَالُ عَبْدِيْ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِيْ يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِيْ يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِيْ بِهَا، وَلَئِنْ سَأَلَنِيْ لأُعطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِيْ لأُعِيْذَنَّهُ” .. فهل أنت من هؤلاءِ الأولياءِ؟
يَنقِلُ لنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ صُورَةً أُخرى عَظِيمَةً بَقولِه: “مَا أَتَيْنَا سُلَيْمَانَ التَّيْمِيَّ فِي سَاعَةٍ يُطَاعُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- فِيهَا إِلَّا وَجَدْنَاهُ مُطِيعًا، إِنْ كَانَ فِي سَاعَةِ صَلَاةٍ وَجَدْنَاهُ مُصَلِّيًا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ سَاعَةَ صَلَاةٍ وَجَدْنَاهُ مُتَوَضِّئًا، أَوْ عَائِدًا مَرِيضًا، أَوْ مُشَيِّعًا لِجِنَازَةٍ، أَوْ قَاعِدًا فِي الْمَسْجِدِ، قَالَ: فَكُنَّا نَرَى أَنَّهُ لَا يُحْسِنُ يَعْصِي اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ”.
وقالَ إبراهيمُ بنُ أدهمَ -رحمَه اللهُ تعالى-: “أعلى الدَّرجاتِ أنْ تنقطعَ إلى ربِّك، وتستأنِسَ إليه بقلبِك وعقلِك وجميعِ جوارحِك حتى لا ترجُو إلاَّ ربَّك، ولا تخافُ إلاَّ ذنبَكَ، وترسخُ محبتُه في قلبِك حتى لا تُؤْثِرَ عليها شيئاً، فإذا كنتَ كذلك لم تُبالِ في بَرٍّ كنتَ، أو في بحرٍ، أو في سَهْلٍ، أو في جبلٍ، وكان شوقُك إلى لقاءِ الحبيبِ شوقَ الظمآنِ إلى الماءِ الباردِ، وشوقَ الجائعِ إلى الطَّعامِ الطَّيِّبِ، ويكونُ ذكرُ اللهِ عندَكَ أحلى مِنَ العسلِ، وأحلى من المَاءِ العذبِ الصَّافي عندَ العطشانِ في اليومِ الصَّائفِ”.
“فإذا أردتَ أن تعرفَ عندَ اللهِ مقامَك .. فانظرْ أينَ أقامَكَ؟” ..
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هو الغفور الرحيم .
*************************
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صفوة الخلق أجمعين، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى سائر النبيين وعلي آله وصحبه أجمعين .أما بعد :
(٤)-يقول الله تعالى في محكم آياته : ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ ، (التوبة : 20) .
وروى الترمذي بسند حسن : (نَظَرَ ابْنُ عُمَرَ يَوْمًا إِلَى الْبَيْتِ أَوْ إِلَى الْكَعْبَةِ فَقَالَ: مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ وَالْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللَّهِ مِنْكِ) .
إخوة الإيمان والإسلام :
إن المؤمن مكرم عند ربه ، ولو علم المؤمن ما له من كرامة عند ربه ،لغمَرَتْه السعادة وملأتْ حياته، ولأكتمل شوقُه للقاء ربِّه الكريم؛ لتحصل له الكرامةُ يوم لقائه كاملةً غير منقوصة،
وفي صحيح البخاري : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – ﷺ – : « إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِى بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِى يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِى يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِى يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِى بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ ،وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ ،وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ ،يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ » ،
– ولكرامة المؤمن عند ربه صور متعددة ، ومظاهر متنوعة ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر :
أن من كرامة العبد المؤمن على الله – تعالى -: أنه – تعالى – حرَّم دمَه وعِرضَه ومالَه أشدَّ الحرمة؛ بل وأشدَّ مِن اليوم الحرام في الشهر الحرام والبلد الحرام؛ وقد روى البخاري في صحيحه (عَنْ أَبِى بَكْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ خَطَبَنَا النَّبِيُّ – ﷺ – يَوْمَ النَّحْرِ ، قَالَ :« أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا » . قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ . قَالَ « أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ » . قُلْنَا بَلَى . قَالَ « أَيُّ شَهْرٍ هَذَا » . قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ . فَقَالَ « أَلَيْسَ ذُو الْحَجَّةِ » . قُلْنَا بَلَى . قَالَ « أَيُّ بَلَدٍ هَذَا » . قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ . قَالَ « أَلَيْسَتْ بِالْبَلْدَةِ الْحَرَامِ » . قُلْنَا بَلَى . قَالَ « فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا ، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا ، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا ، إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ . أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ » . قَالُوا نَعَمْ . قَالَ « اللَّهُمَّ اشْهَدْ ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ ، فَلاَ تَرْجِعُوا بَعْدِى كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ »،
ومن كرامة العبد المؤمن على ربِّه -: أنه جعله عزيزًا بدينه؛ قال الله تعالى -: ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾[المنافقون: 8].
ومن صور كرامة العبد المؤمن على ربِّه – تعالى -: أنه صانه بِشَرْعه عن رِجس الجاهلية وقاذوراتها، فحرَّم عليه كلَّ مظاهرها؛ وفي سنن الترمذي بسند حسن (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ
– ﷺ – قَالَ : « لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَفْتَخِرُونَ بِآبَائِهِمُ الَّذِينَ مَاتُوا إِنَّمَا هُمْ فَحْمُ جَهَنَّمَ أَوْ لَيَكُونَنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْجُعَلِ الَّذِى يُدَهْدِهُ الْخِرَاءَ بِأَنْفِهِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ إِنَّمَا هُوَ مُؤْمِنٌ تَقِىٌّ وَفَاجِرٌ شَقِىٌّ النَّاسُ كُلُّهُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ ».
ومن كرامته عليه – تعالى – أنه قد يبَرُّ قسَمَه إذا أقسم عليه؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – ﷺ – : « كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لاَ يُؤْبَهُ لَهُ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ مِنْهُمُ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ » رواه الترمذي وصححه.
وفي صحيح البخاري :(عَنْ أَنَسٍ أَنَّ الرُّبَيِّعَ عَمَّتَهُ كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ ، فَطَلَبُوا إِلَيْهَا الْعَفْوَ فَأَبَوْا ، فَعَرَضُوا الأَرْشَ فَأَبَوْا ، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ – ﷺ –
وَأَبَوْا إِلاَّ الْقِصَاصَ ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ – ﷺ –
بِالْقِصَاصِ ، فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ لاَ وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لاَ تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « يَا أَنَسُ كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ » . فَرَضِىَ الْقَوْمُ فَعَفَوْا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – ﷺ -: « إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ » ،
ومن كرامة العبد المؤمن على ربِّه – تعالى -: أنه – تعالى – يكسوه هيبةً وجلالةً ومحبةً ووقارًا من بين العباد جميعًا، حتى لا يراه مؤمنٌ إلا أحبه، ولا يراه عدوٌّ إلا خشيه ورهبه. وقد روى البخاري في صحيحه (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – ﷺ – قَالَ : « إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا ، فَأَحِبَّهُ . فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ ، فَيُنَادِى جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا ، فَأَحِبُّوهُ . فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي أَهْلِ الأَرْضِ »
– أما عن كرامة العبد المؤمن عند الله في الدار الآخرة ، فلا تكاد تستوعبها العقول ، أو تحيط بها الأفهام ، فللعبد المؤمن عند ربه من الكرامات ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، ففي صحيح البخاري (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – عَنْ رَسُولِ اللَّهِ – ﷺ – قَالَ : « قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ » . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ ( فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِىَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ )، وفي البخاري : (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – ﷺ -: « إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ لأَهْلِ الْجَنَّةِ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ . يَقُولُونَ لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ . فَيَقُولُ هَلْ رَضِيتُمْ فَيَقُولُونَ وَمَا لَنَا لاَ نَرْضَى وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ . فَيَقُولُ أَنَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ قَالُوا يَا رَبِّ وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ فَيَقُولُ أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي فَلاَ أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا » ،
وفي سنن ابن ماجة وغيره : (عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ تَلاَ رَسُولُ اللَّهِ – ﷺ – هَذِهِ الآيَةَ : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) وَقَالَ « إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ نَادَى مُنَادٍ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ إِنَّ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ مَوْعِدًا يُرِيدُ أَنْ يُنْجِزَكُمُوهُ. فَيَقُولُونَ وَمَا هُوَ أَلَمْ يُثَقِّلِ اللَّهُ مَوَازِينَنَا وَيُبَيِّضْ وُجُوهَنَا وَيُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَيُنْجِنَا مِنَ النَّارِ قَالَ فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَوَاللَّهِ مَا أَعْطَاهُمُ اللَّهُ شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهِ وَلاَ أَقَرَّ لأَعْيُنِهِمْ ».
أيها المسلمون :
إن الوقوف على صور التكريم للعبد المؤمن تبعث على تملُّك حبِّ الله من قلب العبد المؤمن؛ إذ يَلحظ القلبُ عنايةَ الله به وكرامتَه عنده، وهنا يستحيي العبد المؤمن أن يراه الله حيث نهاه، أو يفقده حيث أمره، وبحسب قدر إيمان العبد تكون منْزلته وكرامته عند الله – تعالى.
هذا وصلوا وسلموا على نبيكم كم أمركم ربكم (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
إن الصلاة على النبي غنيمةٌ ***
نُجزى على ترديدها ونُثابُ
صلى عليك الله يا خير الورى ***
ما ناح قمريٌ وخُط كتابُ
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، وبارِك اللهم على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما بارَكتَ على إبراهيمَ وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد.
وارضَ اللهم عن الخلفاءِ الراشِدين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابةِ والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوِك وكرمِك وجُودِك يا أرحمَ الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، واحمِ حوزَةَ الدين، واجعَل هذا البلدَ آمنًا مُطمئنًّا وسائرَ بلادِ المُسلمين.
اللهم انصر إخواننا في غزة وفلسطين وجميع بلاد المسلمين ، اللهم كن لهم عوناً وظهيراً, اللهم كن لهم مؤيداً ونصيراً, اللهم عجّل فَرَجَهُم, وارفعِ البلاء, واكشفِ الغُمَّةَ عنهم.
اللهم مُنزلَ الكتاب, مُجري السحاب, هازمَ الأحزاب, اهزمْ عدوهم, اللهم اهزمهُم وزلزلهُم, اللهم إنا ندرأُ بك في نحورِهِم, ونعوذ بك من شرورِهِم, اللهم عليك بهم…
اللهم انصُر عبادك المستضعفين في كل مكان.
اللهم أنجِ عبادك المستضعفين في فلسطين، اللهم كنْ لهم وليًّا وظهيرًا ومعينًا ونصيرًا.
اللهم أمنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمتنا وولاة أمورنا، وأعذنا من الفتن، ما ظهَر منها وما بطَن.
اللهم يا حيُّ يا قيُّوم برحمتِك نستَغيث، أصلِح لنا شأنَنا كلَّه، ولا تكِلنا إلى أنفسنا طرفةَ عين.
اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المُسلمين، ونفِّس كربَ المكرُوبِين، واقضِ الدَّيْنَ عن المَدينين، واشفِ مرضانا ومرضَى المُسلمين.
اللهم اجعل جمعنا هذا جمعًا مباركًا مرحومًا، وتفرَّقنا من بعده تفرقًا معصومًا، ربنا لا تدَع لنا ذنبًا إلا غفرته، ولا همًّا إلا فرَّجته، ولا مريضًا إلا شفيته، ولا ميتًا إلا رحمته، ولا طالبًا أمرًا من أمور الخير إلا سهَّلته له ويسرته.
اللهم تقبَّل توبتنا واغسِل حوبتنا، وأجِب دعوتنا، وثبِّت حجتنا، واهدِ قلوبنا، وسدِّد ألسنتنا، واسلُل سخيمةَ قلوبنا.
اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والسلامة من كل إثم، والغنيمة من كل بر، والفوز بالجنة والنجاة من النار، يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث.
اللهم أصلِح أحوالَ المسلمين في كلِّ مكان،
اللهم أصلِح أحوالَ المسلمين في كلِّ مكان، اللهم أصلِح أحوالَ المسلمين في كلِّ مكان، برحمتك يا أرحم الراحمين .
﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201].
سبحان ربِّنا رب العزَّة عما يصِفون، وسلامٌ على المرسلين، وآخرُ دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .