تأملات وأسرار فى صلاة الجماعة للشيخ أحمد عزت

إعداد الشيخ/ أحمد عزت حسن

بداية نود أن نشير إلى أنّه ليس المقصود ب”أسرار” “الحديث الخفي الذي لا يعرفه أحد”، وإنما المقصود هو: معاني الحركات التي نقوم بها في الصلاة، فالصلاة حركات من قيامٍ وركوعٍ وسجودٍ وجلوسٍ، وهذه يهتم بأمرها وبيان أحكامها “الفقه” أما ما وراء هذه الحركات من معانٍ وحكمٍ ودروسٍ وفوائد فهذا ما يظهره الله ويفتح به على من يشاء.

إن المتأمل في شرائع الإسلام يجدها كلها تؤدى في جماعة، فشهادة التوحيد لا بد من الجهر بها حتى تُقام عليك أحكام الإسلام، وفي الفاتحة نقرأ “اهدنا” بصيغة الجمع لا المفرد، وإلقاء السلام يكون بصيغة الجمع “السلام عليكم” حتى وإن كان المُسلَّم عليه واحدًا.

والصيام -الفرض كرمضان- في جماعة إمساكًا وإفطارًا، والحج أكبر مظهر اجتماعي جماعي.

ولقد حثنا النبى ﷺ على المحافظة على صلاة الجماعة وأوضح ثوابها المضاعف؛ لأن الإسلام ليس دينًا فرديًا رهبانيًا يعبد كل مسلم فيه ربه منفردًا منعزلًا، ولكنه دين جماعة واحدة وأمة واحدة ووطن واحد وقبلة واحدة بل وجسد واحد مجتمع يحث على التكافل والتعارف والتعاون فيما بينهم إنه مجتمع الجسد الواحد “إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى منه سائر الجسد بالسهر والحمى” إنه مجتمع يؤذى كله بعضه ما يؤذى بعضه، يحب المسلم لأخيه ما يحبه لنفسه.
وفي كل يومٍ وليلة ولخمسِ مراتٍ على مدار الساعة يتخلل الهواء صوتٌ جهوريْ مُهيبٌ ومريحٌ في نفس الوقت يُعلي كلمة الله وينادي باسمه يوّحده ويكبّر له يدعو عباده للصلاة فتقرع تلك الكلمات على القلوب المؤمنة التي تهرع لتلبية النداء. الله أكبر الله أكبر
تسمع فتقول أجبنا تُدعى فتقول أتينا تُنادى فتقول جئنا
إنه نداءُ الصلة، نداءُ الاقتراب نداءُ الاجتماع الأهم اتركوا الحياة خلفكم، ذروا أسواقكم وأوقفوا بيعكم انفضوا أيديكم وعقولكم من الدنيا، أنه وقت الولوج في لحظاتِ الآخرة والوقوف بين يدي الله تعالى؛ ليفيض عليكم من نعمه، ويزيدكم من فضله، وينعم عليكم بعطائه.
إنها -الصلاة- الركيزة الأكرم، والشعيرة الأهم والركن الأعظم للإسلام إن صلحت صلح دين الفرد وإن فسدت فسد بإقامتها تتوثق عُرى الدين وبتركها تنفصمُ وتتقطع فهي الصلة بين الفرد وربه في اليوم خمس مرات
إنها الفترة التي تُستقطع من الزمن لاتصال الروح بخالقها وتجردها من عالمِ المادةِ حولها، والدنيا التي تحيط بها لتتبتل في لحظات الطُهر وتشخص نحو السماء ترجو لقاء ربها وتتطلع لمثوًا منه قريب تلازمه ولا تفارقه حبًا له وشغفـًا بلطفه وجوده.

مختلفةٌ هي عن سائر الشعائر ومتميزة عن غيرها من التكليفات لو لم تكن ذات أهمية متفردة ومكانه معظمة لما فرضها الله في خيرِ بقعةٍ خلقها فوق سماواتٍ سبع بمقربةٍ من عرشه الكريم وتحت أفياءِ سدرة المنتهى ميّزها سبحانه بمكانِ فرضها لأنه أراد لها أن تكون متميزة عن بقية العبادات بل عن الصلاة في كافة الديانات السماوية الأخرى أراد لها أن تكون عامودًا يقوّم دين الفرد وحبلاً يربط أواصر الجماعة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.