تأملات في مفهوم البدعة للشيخ ايهاب صالح ج2
adminaswan
19 أكتوبر، 2024
شبهات حول قضايا التصوف
132 زيارة

بقلم الشيخ / ايهاب صالح
2- الفهم الضيق
هل كل فعل للنبي صلى الله عليه وسلم يكون سنة؟ وكل ما لم يفعله يكون بدعة؟
هناك مَن يزعم أن ميزان البدعة هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فالبدعة عندهم هي كل ما لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، والسنة هي كل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، دون تحديد للفرض والمستحب.
وبالطبع لو كان الأمر كذلك لكان سهلًا، ولكن بهذا المنهج نتهم الشريعة بالجمود والنقص، والأمر ليس كذلك، فليس كل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم يكون سنة أصلًا، والأمثلة:
1- ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعتبر سنة: تزوج صلى الله عليه وسلم بأكثر من أربعة، وهذا ليس بسنة، كان النبي صلى الله عليه وسلم يصل الصيام، وكان قيام الليل وصلاة الضحى فرضًا عليه، وهذه أفعال لها خصوصية للنبي، ولا تدخل في نطاق السنة.
2- ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم وغير منهي عنه:
أ- على سبيل العادة: كان صلى الله عليه وسلم لا يأكل الضب، ولا يأكل البصل والثوم، ولكن هذا على سبيل العادة.
ب- خشية الفرض: عدم صلاته التراويح في المسجد حتى لا تُفرض على المسلمين.
ج- خشية الفتنة: كان يود هدم الكعبة وبناءها على قواعد إبراهيم صلى الله عليه وسلم، ولكن خشي على المسلمين الفتنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للسيدة عائشة رضي الله عنها: “لولا حداثة عهد قومك بالكفر لنقضت الكعبة ولجعلتها على أساس إبراهيم”.
د- عدم الحاجة إليه في ذلك الزمان: فيوجد أعمال لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم ولكن دعت إليها الحاجة في العصور المتأخرة.
كما أن ليس كل الأفعال التي وقعت وأقرها تكون ميزانًا لتحديد السنة والبدعة، فصور الحياة العربية في ذلك الوقت، وأسلوب المعيشة في ذلك الزمان كان لها طبيعتها، فقد كان للعرب عادتهم وتقاليدهم في زمن النبوة، كألوان الأكل، الطعام والشراب، شكل الملبس، شكل المنازل، أنواع الصناعات، ولا يمكن التمسك بها الآن.
ويرى الإمام الشاطبي أن التقيد بمفهوم أن كل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم أو أقره فقط هو الشرع، وغير ذلك بدعة، يؤدي إلى شناعة شديدة، فإن الزام العالم كله عادات واحدة، وصورة واحدة، منافي لما نعلمه من قواعد الشريعة، وأنها قد روعي فيها اختلاف الطبائع البشرية، واختلاف العوائد في الأزمان والأفكار والأشخاص، وإن ذلك القول مناقض لنصوص الشريعة التي تأبى التضييق، وقواعد الشريعة مليئة بالتوسعة لا التضييق.
وأكبر مثال على ذلك الأسلحة وأنواعها المختلفة، فلو تقيدنا بكل المظاهر لحاربنا الأعداء بالسيوف، ولقتلونا بأسلحتهم المتطورة، ولانتهت الحرب بانتصارهم في أقل من يوم.
وعندما ذهب عمر – رضي الله عنه – إلى الشام وجد معاوية يحيط نفسه بأبهة شديدة، فقال له: “ما هذا يا صاحب رسول الله؟ فقال معاوية: هذا ما يصلح على الحدود مع الدولة البيزنطية، قال له: لا آمرك ولا أنهاك” أي أنت أعلم بالمصلحة، وظروف ذلك الزمان، وذلك المكان.
نحتاج إذن إلى فهم البدعة بتعريف منضبط حاكم، وهو موضوع المنشور القادم إن شاء الله
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
يليه الجزء الثالث إن شاء الله