لمحة عن تكريم الإسلام للإنسان والإدعاء الغربي
adminaswan
15 سبتمبر، 2024
منوعات
44 زيارة
بقلم- د. محمد جاد قحيف
من علماء الأزهر والأوقاف
من تكريم الإسلام للإنسان حرمة دمه وعرضه وماله ، فيحرم الاعتداء عليه بالقتل وما دون ذلك من العرض أو المال وما إلى ذلك …
ففي حجة الوداع أوصى النبي ﷺ أمته بهذه الوصية البليغة الجامعة “إنَّ دِمَاءَكُمْ، وأَمْوَالَكُمْ، وأَعْرَاضَكُمْ، وأَبْشَارَكُمْ، علَيْكُم حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَومِكُمْ هذا، في شَهْرِكُمْ هذا، في بَلَدِكُمْ هذا، ألَا هلْ بَلَّغْتُ قُلْنَا: نَعَمْ، قالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ..”(متفق عليه).
وقد بدأ النص النبوي الشريف بحرمة الدماء ؛ لأن أغلى ما في الحياة الروح والنفس البشرية؛ لذلك أوصى الإسلام بحرمة قتل النفس البشرية ..
قال تعالى: ﴿وَلَا تَقۡتُلُوا۟ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِی حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۗ وَمَن قُتِلَ مَظۡلُومࣰا فَقَدۡ جَعَلۡنَا لِوَلِیِّهِۦ سُلۡطَـٰنࣰا فَلَا یُسۡرِف فِّی ٱلۡقَتۡلِۖ إِنَّهُۥ كَانَ مَنصُورࣰا﴾ [الإسراء ٣٣].
وإنَّ قَوْلَهُ: ﴿ومَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطانًا﴾ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: ﴿إلّا بِالحَقِّ﴾ فكانَتِ الآيَةُ صَرِيحَةً في أنَّهُ لا يَحِلُّ القَتْلُ إلّا بِهَذا السَّبَبِ الواحِدِ (تفسير الرازي)..
وهذا التحريم لدم الإنسان هو الأصل الذي جاءت الشرائع السماوية السابقة ، وجاء بها الإسلام ، ونبينا محمد عليه الصلاة والسلام..
قال جل جلاله:﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ﴾ المائدة /٣٣.
والمعنى مِنْ أَجْلِ قتل ابن آدم أخاه ظلما وعدوانا ، كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أي شرعنا لهم وأعلمناهم في كتابهم الذي أنزله الله على سيدنا موسى عليه السلام يعني التوراة الحقيقة التي أنزل الله فيها نوره وهداه، ومن معالم ذلكم النور ما صرح به القرآن الكريم أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا أي من قتل نفسا بغير سبب من قصاص أو فساد في الأرض، واستحل قتلها بلا سبب ولا جناية، فكأنما قتل الناس جميعا؛ لأنه لا فرق عنده بين نفس مسلمة ونفس أخرى ، وَمَنْ أَحْيَاهَا أي حرم قتلها واعتقد ذلك، فقد سلم الناس كلهم منه بهذا الاعتبار ..
وقد جاء في الصحيح أن رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((اجتَنِبوا السَّبْعَ المُوبِقاتِ. قيل: يا رَسولَ اللهِ، وما هُنَّ؟ قال: الشِّركُ باللهِ، والسِّحرُ، وقَتْلُ النَّفسِ التي حرَّم اللهُ إلَّا بالحَقِّ، وأكْلُ الرِّبا، وأكْلُ مالِ اليَتيمِ، والتوَلِّي يومَ الزَّحفِ، وقَذْفُ المُحْصَناتِ الغافِلاتِ المُؤمِناتِ)) أخرجه الإمام البخاري..
بعد الشرك بالله والسحر قتْلُ النَّفسِ الَّتي حرَّمَ اللهُ قتْلَها إلَّا بالحقِّ، وهي النفَّسُ المعصومةُ؛ بإسلامٍ أو ذمَّةٍ، أو عهدٍ أو أمانٍ، وقولُه: «إلَّا بِالحقِّ» كالقَتلِ قِصاصًا، أو حَدًّا، أو رِدَّةً.الدرر السنية.
وتكريم الله للإنسان يشمل جميع البشر العربي والغربي والأبيض والأسود والرجل والمرأة ، والغني والفقير، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)الحجرات/١٣.
ومنطوق هذه الآية أن الناس جميعاً متساوون، خلقوا من تراب، ومن أصل واحد آدم وحواء ، وقسم الله بينهم معيشتهم، وجعلهم شعوباً وقبائل ؛ ليتعارفوا لا ليتناحروا ويقتتلوا ، وإن أفضيلة الإنسان وتميزه عن غيره بتقوى الله والعمل الصالح على منهاج الأنبياء والمرسلين ونبينا الخاتم ، الذي ختم حياته بنداء البشرية جمعاء أيُّها الناسُ إنَّ ربَّكمْ واحِدٌ ألا لا فضلَ لِعربِيٍّ على عجَمِيٍّ ولا لِعجَمِيٍّ على عربيٍّ ولا لأحمرَ على أسْودَ ولا لأسودَ على أحمرَ إلَّا بالتَّقوَى إنَّ أكرَمكمْ عند اللهِ أتْقاكُمْ أخرجه الإمام البيهقي وسنده صحيح.
ومما يدل على أن اللون والجنس لا اعتبار لهما في الإسلام أن سيدنا بلال ابن رباح -وقد كان عبداً حبشيا أسودا – تزوج السيدة هالة بنت عوف الزهرية القرشية أخت الصحابي الجليل سيدنا عبد الرحمن بن عوف وهو سيد من سادات قريش ..
لكن الغرب وأعوانهم -باستثناء أحراررهم – يتعاملون مع حقوق الإنسان حسب الهوى؛ فتجد أنهم كثيرا ما يصدعون رؤسنا عن حقوق الإنسان وحقه في الحياة والمسكن، وحرية العبادة والمعتقد ، وحق الطفل والمرأة، لكن إذا تعلق الأمر بغيرهم فتنتهك حقوق الشعوب ، وتحتل البلدان ، وتنهب خيراتها ، ويقتل الأبرياء ، والواقع المشاهد في غزة ورفح وفلسطين ، في هذه الأيام الجارية ، وما يحدث لإخواننا من قتل وتشريد وتهجير قسري ، وقصص ومآسي يندى لها الجبين، وينفطر لها القلب حزنا، وتدمع لها العين دما ..
هذه هي البلاد التي تتشدق بحقوق الإنسان ، تدمير واعتداءات ، لم يعرف التاريخ الحديث لها مثيلا ، حتى أنها وصفت من بعض الأحرار الغربين أنفسهم بأنها نازية جديدة ، يقوم بها اليهود الصهيانة على شعب صامد أعزل يأبى الذل، ويرفض الاستسلام باحثا عن حقه كإنسان في الحياة لبين زيف الإدعاء الغربي أنهم رعاة حقوق الإنسان إن حقوق الإنسان عندهم كما هو واقع نسبية تختلف من مكان إلى مكان، ومن زمان إلى زمان، فليست حقوقًا ثابتة، بل متغيرة، بخلاف حقوق الإنسان في الإسلام.
إن الغرب واذيالهم وأتباعهم في الشرق من منظمات وتحالفات ومؤسسات ، يستغلون حقوق الإنسان لفرض ثقافته على العالم، والتحرر من الدين وأحكامه فضلا عن الأعراف والتقاليد ، وخصوصًا ما يتعلق بالمرأة، فيريد إفساد المرأة المسلمة ، والتطاول على ألسنة و الدين ، ويعمل على هذا على قدم وساق ، واخداع المرأة المسلمة بحقها في ترك حجابها وعفتها ، والولع بالموضة والأضواء ، فيفرض عليها وعلى المجتمع نموذج المرأة الغربية تحت غطاء حقوق المرأة، وقد تبين أن الغرب يستغل حقوق الإنسان للضغط على المسلمين لتنفيذ مطالبهم ونشر ثقافتهم الغربية بخيرها وشرها ، وخلوها ومرها ، فكم من ظالم أعانوه وامدوه ، فإذا لم ينفذ لهم ما يريدون أثاروا عليه مسألة حقوق الإنسان، وأنه منتهك لهذه الحقوق، مع أن هذه الانتهاكات موجودة في الأصل ، وليست وليدة لحظة المطالبة بها
نسأل الله أن يعيد البشرية جمعاء إلى أصل الدين ، وأن يحقن دماء المسلمين ، وأن يعجل بالفرج ورفع الكرب عن المستضعفين في فلسطين وفي كل مكان ، وأن ينصرهم على أعدائهم، ويثبت أقدامهم ، ويطعم جوعهم ، ويشفي مرضاهم ، ويتقبل شهادئهم، وأن يحفظ على مصر أمنها ووحدتها وسائر بلاد المسلمين