الصحابي الذي قتل أباه في سبيل الله .
” قال عنه أبا بكرٍ الصديق” هو الهيّن الليّن ، الذي إذا ظُلم لم يَظلم ، وإذا أُسئ إليه عفي ، وإذا قُطع وصل ، رحيمٌ بين المؤمنين شديدٌ علي الكافرين “
– يصف أبو عبيدة بن الجراح ” فاتح بيت المقدس وقاهر الروم ” .!
ولما سئلت عائشة رضي الله عنها ” أي أصحاب رسول الله كان أحب إليه ؟
قالت : ” أبو بكر ثم عمر ثم أبو عبيدة بن الجراح “.
– لما كان يوم بدر نزل بأبي عبيدة ابن الجراح بلية كانت أشد من أن يتصورها خيالٌ أو يدركها عقل ، ففي رُحي المعركة رأي أبو عبيدة رجلٌ من المشركين في جيش قريش يريد مبارزته ، فحاول أبو عبيدة جاهداً أن يتجنب قتال هذا الرجل بالذات ، إلا أن المشرك أخذ يتتبع أبو عبيدة في كل مكان يريد قتله ، وفي لحظة من اللحظات النادره في تاريخ البشرية تقابل الوجهان وبارزه أبو عبيدة وقتله ! فكان هذا المشرك أبو أبي عبيدة نفسه !
فتجسدت هذه اللحظات بقرآن يُتلي إلي قيام الساعة فأنزل الله قوله
” لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الأخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا ءابآءهم أو أبنائهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروحٍ منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ” .
ويصف «أبو بكر» المشهد بكلماته قائلًا: «لما كان يوم أحد، ورمي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخلت في وجنته حلقتان من المغفر، أقبلت أسعى إلى رسول الله، وإنسان قد أقبل من قبل المشرق يطير طيرانا، فقلت: اللهم اجعله طاعة، حتى اذا توافينا إلى رسول الله، وإذا هو أبو عبيدة بن الجرّاح قد سبقني، فقال: أسألك بالله يا أبا بكر أن تتركني فأنزعها من وجه الرسول، فتركته، فأخذ أبو عبيدة بثنيّة إحدى حلقتي المغفر، فنزعها، وسقط على الأرض وسقطت ثنيته معه، ثم أخذ الحلقة الأخرى بثنية أخرى فسقطت، فكان أبو عبيدة في الناس أثرم».
وكما عاش «أبو عبيدة» مع الرسول أمينًا، عاش بعد وفاة الرسول أمينًا، يحمل مسؤولياته في أمانة تكفي أهل الأرض لو اغترفوا منها جميعًا،
وفي اليرموك كان أبو عبيدة القائد الأعلي للقوات الإسلامية المقاتلة فانتصر المسلمون تحت إمرته علي قرابة ربع مليون من الروم وكان هذا قبل أن ينتشر ” طاعون عمواس ” في أرض الشام إنتشار النار في الهشيم ، عندها أراد عمر بن الخطاب إنقاذ أبي عبيده من الموت المحقق بأي وسيلة ممكنه فحاول أن يستقدمه بأي حجة فأرسل إليه قائلا ” إذا وصلك خطابي في المساء فقد عزمت عليك ألا تصبح إلا متوجها إلي ،وإذا وصلك في الصباح ألا تمسي إلا متوجها إلي ، فإنه قد عرضت لي حاجة ، ولا غني بي عنك فيها ، فعجل إليّ “
فلما قرأ أبو عبيدة الرسالة تبسم وعرف قصد عمر وأنه يريد أن ينقذه من الطاعون ، فكتب إلى عمر رضي الله عنه متأدباً معتذراً عن عدم الحضور إليه وقال :
( لقد وصلني خطابك يا أمير المؤمنين وعرفت قصدك ، وإنما أنا في جند من المسلمين يصيبني ما أصابهم ، فحللني من عزمتك يا أمير المؤمنين )
ولما وصل الخطاب إلى عمر بكى ، فسأله من حوله : (هل مات أبو عبيدة ؟
فقال(كأن قد)
والمعنى : أنه إذا لم يكن قد مات بعد ، وإلا فهو سائر إلى الموت لا محالة
وكان أبو عبيـدة رضي الله عنه في ستة وثلاثيـن ألفاً من الجُند ، فلم يبق إلاّ ستـة آلاف رجـل والآخرون ماتوا . ومات أبو عبيـدة رضي الله عنه سنة 18 ثماني عشرة للهجرة في طاعون عمواس .. بعد أن حمل راية لا إله إلا الله ، محمدٌ رسول الله إلي مدن الشام وقراها ، فلا يسبح الله شيخ في دمشق ، ولا يولد عالم في حماة ، ولاتصلي عجوزٌ في عمّان ، ولا يُذكر الله في صيدا ، ولا يُرفع الآذان من فوق مآذن الأقصي ، ولا يجاهد بطل في غزة ولا يستشهد بطل في رام الله ، إلا وكان لأبي عبيدة بن الجراح مثل أجرهم لا ينقص من أجرهم شيء .. رحم الله أمين هذه الأمة …
مصدر
” مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجري التاريخ ، التاريخ الإسلامي “