لقب بسيد الطائفة الإمام الجنيد البغدادي (215 – 298 هـ) عالم مسلم وسيد من سادات الصوفية وعلم من أعلامهم. يعد من علماء أهل السنة والجماعة ومن أعلام التصوف في الآن ذاته، إذ جمع بين قلب الصوفي وعقل الفقيه، وعدَّه العلماء شيخ مذهب التصوف؛ لضبط مذهبه بقواعد الكتاب والسنة، ولكونه مصونًا من العقائد الذميمة، محميَّ الأساس من شُبه الغلاة، سالمًا من كل ما يوجب اعتراض الشرع. قال عنه أبو عبد الرحمن السلمي: “هو من أئمة القوم وسادتهم؛ مقبول على جميع الألسنة”. وهو أول من تكلم في علم التوحيد ببغداد. اسمه ونسبه
أبو القاسم الجنيد بن محمد بن الجنيد النهاوندي البغدادي الخزَّاز القواريري، أصله من نهاوند من مدن كردستان، إلا أن مولده ومنشأه ووفاته ببغداد. وإنما قيل له الخزَّاز؛ لأنه كان يعمل الخز، والقواريري؛ لأن أباه كان يعمل القوارير.
مولده ونشأته
ولد ببغداد سنة 215 هـ، ونشأ فيها. وصحب جماعة من المشايخ، واشتهر بصحبة خاله سري السقطي، والحارث المحاسبي، ودرس الفقه على أبي ثور، وكان يفتي في حلقته وهو ابن عشرين سنة.
قال الجنيد: “كنت بين يدي سري ألعب، وأنا ابن سبع سنين، وبين يديه جماعة يتكلمون في الشكر؛ فقال لي: “يا غلام! ما الشكر” قلت: “الشكر ألا تعصي الله بنعمه”. فقال لي: “أخشى أن يكون حظك من الله لسانك!” قال الجنيد: “فلا أزال أبكي على هذه الكلمة التي قالها لي السري”.
وقال: “قال لي خالي سري السقطي: “تكلم على الناس!” وكان في قلبي حشمة من ذلك، فإني كنت أتهم نفسي في استحقاق ذلك، فرأيت ليلة في المنام، رسول الله – وكانت ليلة جمعة – فقال لي: “تكلم على الناس!”. فانتبهت، وأتيت باب سري قبل أن أصبح، فدققت الباب، فقال: “لم تصدقنا حتى قيل لك!”. فقعدت في غد للناس بالجامع، وانتشر في الناس أني قعدت أتكلم، فوقف علي غلام نصراني متنكر وقال: “أيها الشيخ! ما معنى قوله: (اتقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله) فأطرقت، ثم رفعت رأسي فقلت: “أسلم! فقد حان وقت إسلامك!” فأسلم”.
شيوخه
خاله سري بن المغلس السقطي
الحارث بن أسد المحاسبي
إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان، أبو ثور الكلبي الفقيه البغدادي
الحسن بن عرفة بن يزيد العبدي، أبو علي البغدادي
أبو جعفر محمد بن علي القصاب البغدادي الصوفي
أبو حمزة محمد بن إبراهيم البغدادي البزاز
بشر بن الحارث
أصحابه
أحمد بن محمد النوري
عمرو بن عثمان المكي
أبو بكر الشبلي
أبو محمد الجريري
إسماعيل بن نجيد
علي بن بندار أبو الحسن الصيرفي
عبد الله بن محمد الشعراني أبو محمد الرازي الأصل
أبو الحسين علي بن هند القرشي الفارسي
تلاميذه
أحمد بن محمد بن الحسين الجريري
جعفر بن محمد بن نصير البغدادي، أبو محمد الخواص الخلدي
ابن الأعرابي أحمد بن محمد بن زياد
دلف بن جحدر الشبلي
أحمد بن محمد بن القاسم الروذباري
وفاته
توفي سنة 297 هـ. قال أبو محمد الجريري: “كنت واقفاً على رأس الجنيد وقت وفاته وهو يقرأ، فقلت: “أرفق بنفسك!” فقال: “ما رأيت أحداً أحوج إليه مني في هذا الوقت، هو ذا تطوى صحيفتي”.[11]
وقال أبو بكر العطار: “حضرت الجنيد عند الموت، في جماعة من أصحابنا، فكان قاعداً يصلي ويثني رجله، فثقل عليه حركتها، فمد رجليه وقد تورمتا، فرآه بعض أصحابه فقال: “ما هذا يا أبا القاسم!”، قال: “هذه نعم! الله أكبر”. فلما فرغ من صلاته قال له أبو محمد الجريري: “لو اضطجعت!”، قال: “يا أبا محمد! هذا وقت يؤخذ منه. الله أكبر”. فلم يزل ذلك حاله حتى مات”.
وقال ابن عطاء: “دخلت عليه، وهو في النزع، فسلمت عليه، فلم يرد، ثم رد بعد ساعة، وقال: “اعذرني! فإني كنت في وردي”، ثم حول وجهه إلي القبلة ومات”.
وغسله أبو محمد الجريري، وصلى عليه ولده، ودفن بالشونيزية، بتربة مقبرة الشيخ معروف الكرخي في بغداد، عند قبر خاله سري السقطي. وصلى عليه جمع كثير من الناس قدر عددهم بالآلاف. وعمّر مرقده في بغداد فيما بعد وبني عليه قبة، ثم عمّره ووسعهُ الملك غازي، وفي عام 1980 م أعيد بناؤه وترميمه، وبني معه جامع كبير ووسع مبنى الجامع والمرقد ديوان الوقف السني في العراق وتبلغ مساحتهُ حاليا 2500 م2، ويعرف الآن بمرقد وجامع الشيخ جنيد البغدادي.