وبما أن طريق المجاهدة وعر المسالك متشعب الجوانب، يصعب على السالك أن يلِجه منفرداً كان من المفيد عملياً صحبة مرشد خبير بعيوبها، عالم بطرق معالجتها ومجاهدتها، يستمد المريد من صحبته خبرة عملية بأساليب تزكية نفسه، كما يكتسب من روحانيته نفحات قدسية تدفع المريد إلى تكميل نفسه وشخصيته، وترفعه فوق مستوى النقائص والمنكرات.
فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم المرشد الأول والمزكي الأعظم الذي ربى أصحابه الكرام وزكَّى نفوسهم بقاله وحاله، كما وصفه الله تعالى بقوله: {هو الذي بعث في الأميين رسولاً مِنهم يتلو عليهم آياتِه ويزكِّيهم ويعلِّمهم الكِتاب والحِكمةَ وإن كانوا من قَبلُ َلفي ضلالٍ مبينٍ}
من هنا نجد أن التزكية شيء وتعليم الكتاب والحكمة شيء آخر
لذا قال الله تعالى: {ويزكيهم ويعلِّمهم الكتاب والحكمةَ}
ففرق كبير بين علم التزكية وحالة التزكية،
كما يلاحظ الفرق الواضح بين علم الصحة وحالة الصحة، إذ قد يكون الطبيب الماهر الذي عنده علم الصحة فاقداً حالة الصحة ومصاباً بالأمراض والعلل الكثيرة.
وكذلك الفرق ظاهر بين علم الزهد وحالة الزهد، كالمسلم الذي عنده علم واسع بالآيات
والأحاديث والشواهد المتعلقة بالزهد ولكنه يفقد حالة الزهد ويتصف بالطمع والشره والتكالب على الدنيا الفانية].
والذي يحقق النفع للمريد هو استقامته على صحبة مرشده واستسلامه له كاستسلام المريض
للطبيب، فإذا ما أدخل الشيطان على قلب المريد داء الغرور والاكتفاء الذاتي فأُعجب بنفسه واستغنى عن ملازمة شيخه باء بالفشل ووقف وهو يظن أنه سائر، وُقطِع وهو يظن أنه موصول.
قال الشيخ إسماعيل حقي رحمه الله في تفسيره: (فإن كثيراً من متوسطي هذه الطائفة “الصوفية” تعتريهم الآفات في أثناء السلوك عند سآمة النفس من المجاهدات وملالتها من كثرة الرياضات، فيوسوس لهم الشيطان، وتسول لهم أنفسهم أنهم قد بلغوا في السلوك رتبة قد استغنوا بها عن صحبة الشيخ وتسليم تصرفاته، فيخرجون من عنده، ويشرعون في الطلب على وفق أنفسهم، فيقعون في .[ ورطة الخذلان وسخرة الشيطان) [“تفسير روح البيان” للشيخ إسماعيل حقي ج ٢/ص ١٤٩
حقائق عن التصوف