لم يقف فى وجه المسلمين وإجماع علمائهم ما ورد فى الأحاديث فى لعن اليهود والنصارى , كما قال البيضاوى : كانوا يسجدون لقبور أنبيائهم تعظيمًا لشأنهم ويجعلونه قبلة ويتوجهون فى الصلاة ونحوها , وأتخذوها أوثانًا , إلى أن قال : فأما من اتخذ مسجدًا فى جوار صالح وقصد التبرك بالقرب منه ولا للتوجه إليه فلا يدخل فى اللعن المذكور .
وفى الأخبار الثابتة صلاة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الكعبة وفيها الأصنام , فوجود قبور الصالحين أولى من عدم الخوف على العقيدة منه .
وقد ثبت فى الحديث الصحيح أن مسجد النبى صلى الله عليه وسلم قد أقيم فوق قبور المشركين وزيد فيه من الأرض التى كانت حوله .
وفى سنن أبى داود ” ما بين زمزم والحطيم تسعون نبيًا موتى ” .وفى الثابت أن قبر سيدنا إسماعيل عليه السلام بالمسجد الحرام فى حجر إسماعيل وهذا المكان معروف بأفضلية الصلاة فيه .
ولقد ذكر صاحب تفسير الشهاب على البيضاوى وكذلك ذكر غيره بناء المساجد على القبور من قوله تعالى فى حق أصحاب الكهف ( قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا )
وذكر المفسرون منهم الزمخشرى قال “أن الذين غلبوا على أمرهم هم المسلمين وملكهم وكانوا أولى بهم وبالبناء عليهم لنتخذن على باب الكهف مسجدًا يصلى فيه المسلمون ويتبركون بمكانهم([1]) .
وقد حكى الله قصة أصحاب الكهف وذكرها فى معرض المدح فيكون بذلك تقرير لها , وإنما حكى القرآن قصص الماضيين لتعتبر بها هذه الأمة بأن تأخذ بالحسن وتترك منها القبيح , وبما أن هذه القصة فى معرض المدح فهذا يبين جواز اتخاذ المساجد على مقامات الأولياء والصالحين .
وقال العلامة الخفاجى فى الغاية بخصوص هذه الآية أنها دليل على إتخاذ المساجد على قبور الصالحين .
وأجاز العلامة الصاوى المالكى الصلاة فى مقامات الأولياء التى فى المسجد ([2]) .
وقد أجاز الشافعية الصلاة فى قبور الأنبياء والشهداء فإن الصلاة لا تكره فيها ما لم يقصد تعظيمهم وإلا حرم .
يقول السمهودي في حقّ السيدة فاطمة بنت أسد، أُمّ الاِمام أمير الموَمنين عليّ رضى الله عنه فلمّـا تُوفيت خرج رسول اللّه، فأمر بقبرها فحفر في موضع المسجد الذي يقال له اليوم قبر فاطمة.
يضيف السمهودي أيضاً: إنّ موضع قبر فاطمة بنت أسد تحوّل بعد ذلك إلى مسجد، ويقول: إنّ مصعب بن عمير وعبد اللّه بن جحش دُفنا تحت المسجد الذي بُني على قبر حمزة ([3])
وقد كان هذا المسجد موجوداً إلى زمان احتلال الوهابيين لهذه البقاع المقدّسة فدمّروه بمعاول الظلم والضغينة.هذا كلّه حول بناء المسجد، و أمّا إقامة الصلاة لدى القبور: فكفى في ذلك إنّ عائشة قضت حياتها في بيتها وصلَّت فيه تمام عمرها ولم يكن بينها وبين القبر أيّ جدار إلى أن دفن عمر ، فبُني جدار حال بينها وبين القبور الثلاثة([4]) .
روي أنّ فاطمة بنت النبيّ صلى الله عليه وسلم كانت تذهب إلى زيارة قبر عمّها حمزة فتبكي وتصلّـي عنده([5]) .
فإذا نظرت أخى المسلم إلى أقوال العلماء والأئمة لم تشم رائحة القول بالشرك المطروق بشدة على ألسنة المحاربين للصلاة فى المساجد التى بها قبور الصالحين .
([1]) تفسير الكشاف للزمخشرى ص 754 .