أَوَّلاً: الْتِزَامُ خَتْمِ الْقُرْآن الْكَرِيمِ فِي رَكْعَةٍ…
قَالَ الْحَافِظُ الْذَّهَبِي: ((وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَنَّ أَبَا حَنِيْفَةَ قرأ القرآن كله فى ركعة))(1)، وَقَالَ أَيْضًا: ((قَالَ مِسْعَرُ بنُ كِدَامٍ: رَأَيْتُ أَبَا حَنِيْفَةَ قرأ القرآن فى ركعة )(2)، وَقَالَ أَيْضًا: ((وَرَوَى: ابْنُ إِسْحَاقَ السَّمَرْقَنْدِيُّ، عَنِ الْقَاضِي أَبِي يُوْسُفَ، قَالَ: كَانَ أَبُو حَنِيْفَةَ يختم القرآن كل ليلة فى ركعـة ))(3)…
ثَانِيًا: إِحْيَاءُ اللَّيْل كُله بِالْذِّكْرِ وَالْدُّعَاءِ، وَالْتِزَام خَتْم الْقُرْآن عِنْدَ الْسَّحَرِ، وَصَلاَةُ الْصُّبْحِ بِوُضُوءِ الْعِشَاءِ…
قَالَ الْحَافِظُ الْذَّهَبِي: ((وَعَنْ أَسَدِ بنِ عَمْرٍو: أَنَّ أَبَا حَنِيْفَةَ -رَحِمَهُ اللهُ- صَلَّى الْعِشَاءَ وَالْصُّبْحَ بِوُضُوْءِ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً.
وَرَوَى: بِشْرُ بنُ الوَلِيْدِ، عَنِ القَاضِي أَبِي يُوْسُفَ، قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا أَمشِي مَعَ أَبِي حَنِيْفَةَ، إِذْ سَمِعْتُ رَجُلاً يَقُوْلُ لآخَرَ: هَذَا أَبُو حَنِيْفَةَ لاَ يَنَامُ اللَّيلَ. فَقَالَ أَبُو حَنِيْفَةَ: وَاللهِ لاَ يُتَحَدَّثُ عَنِّي بِمَا لَمْ أَفْعَلْ. فَكَانَ يُحْيِى اللَّيْلَ صَلاَةً وَتَضَرُّعاً وَدُعَاءً))(4)…
وَقَالَ أَيْضًا: ((يَحْيَى بنُ عَبْدِ الْحَمِيْدِ الْحِمَّانِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ أَنَّهُ صَحِبَ أَبَا حَنِيْفَةَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، قَالَ: فَمَا رَأَيْتُه صَلَّى الْغَدَاةَ إِلاَّ بِوُضُوْءِ عِشَاءِ الآخِرَةِ، وَكَانَ يَخْتِمُ كُلَّ لَيْلَةٍ عِنْدَ الْسَّحَرِ))(5)…
ثَالِثًا: قِيَامُ اللَّيْل بِتَرْدِيدِ آيَةٍ مِنْ سُورَة الْقَمَر…
قَالَ الْحَافِظُ الْذَّهَبِي: ((ابْنُ سَمَاعَةَ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ، عَنِ القَاسِمِ بنِ مَعْنٍ: أَنَّ أَبَا حَنِيْفَةَ قَامَ لَيْلَةً يُرَدِّدُ قَوْلَه تَعَالَى: ﴿بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ، وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ﴾[القَمَرُ:46] ، وَيَبْكِي وَيَتَضَرَّعُ إِلَى الْفَجْرِ))(5)…
رَابِعًا: تَخْصِيص كَيْفِيَّةٍ لَـمْ تَرِد عِنْدَ الْتَّصَدُّقِ…
قَالَ الْحَافِظُ الْذَّهَبِي: ((إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعِيْدٍ الْجَوْهَرِيُّ، عَنِ الْـمُثَنَّى بْنِ رَجَاءٍ، قَالَ: جَعَلَ أَبُو حَنِيْفَةَ عَلَى نَفْسِهِ، إِنْ حَلَفَ بِاللهِ صَادِقاً، أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِيْنَارٍ. وَكَانَ إِذَا أَنفَقَ عَلَى عِيَالِهِ نَفَقَةً تَصَدَّقَ بِمِثْلِهَا))(6)…
خَامِسًا:…الخ
وَكُلُّ هَذِهِ الْعِبَادَات مِنَ الْإِمَامِ الْأَعْظَم عِبَارَة عَنْ اجْتِهَادَاتٍ وَمُجَاهَدَاتٍ لاَ وُجُود لِدَلِيلٍ خَاصٍّ يَحُثُّ عَلَى الإِتْيَانِ بِهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَالْكَيْفِيَّةِ، اللَّهُمَّ إِلاَّ الْقَوْل بِدُخُولِ وَانْدِرَاجِ أَصْلِ الْعَمَلِ بِصُورَتِهَا الْخَاصَّةِ هَذِهِ، ضِمْنَ مَا نَدَبَهُ الْشَّارِعُ الْحَكِيمِ فِي عُمُومِ نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالْسُّنَّةِ، وَلَـمْ يُخَالِف أَصْلاً أَوْ قَاعِدَةً شَرْعِيَّةً. وَبِهَذَا الْأَصْل الْأَصِيل يُرَدُّ عَلَى كُلِّ مَنْ طَلَبَ دَلِيلاً خَاصًّا عَلَى إِحْيَاء لَيْلَةِ الْـمَوْلِد الْنَّبَوِي الْشَّرِيف.
وَالْظَّاهِر أَنَّ الْتَّارِيخ يُعِيدُ نَفْسَهُ، فَقَد سَجَّل بَعْض الْعُلَمَاء سُقُوط بَعْضِ الْـمُتَنَطِّعَة فِي هُوَّةِ اتِّهَامِ الْإِمَام الْأَعْظَم الْنُّعْمَان بِالْبِدْعَةِ نَظَراً لِـمُجَاهَدَاتِهِ هَذِهِ فِي الْعِبَادَةِ، بِحُجَّةِ عَدَم وُرُودِ دَلِيلٍ خَاصٍّ يَنُصُّ عَلَى طَلَبِ الْإِتْيَانِ بِهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْـمُحْدَثِ؟!…
نَعَمْ؛ فَلَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ الْهُمَامُ الْـمُحَدِّثُ عَبْدُ الْحَيِّ اللَّكْنوِي فِي دَحْضِ هَذِهِ الْتُّهْمَةِ الْشَّنِيعَةِ وَالْفِرْيَةِ الْفَظِيعَةِ، مَا نَصُّهُ: ((فَهَذِهِ الْعِبَارَات الْوَارِدَة عَنِ الْثِّقَاتِ، لَعَلَّهَا لَـمْ تَقْرَع سَمْع جُهَلاَء عَصْرنَا!، حَيْثُ يَطْعَنُونَ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ؟!، وَيَحُطُّونَ دَرَجَتَهُ عَنِ الْـمَرَاتِبِ الْشَّرِيفَةِ؟!…وَالْعَجَب أَنَّهُ أَدْرَجَ بَعْضهَا بَعْضُهُم فِي تَصَانِيفِهِم…وَمِنْهَا: أَنَّهُ كَانَ كَثِيرَ الْتَّعَبُّدِ حَتَّى إِنَّهُ كَانَ يُحِيِي اللَّيْلَ كُلَّهُ، وَهُوَ: بِدْعَةٌ ضَلاَلَةٌ؟!
وَهَذَا قَوْلٌ صَدَرَ عَنْ غَفْلَةٍ!، وَلَقَدْ قَفَّ شَعْرِي مِنْ سَمَاعِهِ!، فَإِنَّ كَثْرَةَ الْعِبَادَةِ حَسْبَ الْطَّاقَةِ كَإِحْيَاءِ اللَّيْلَةِ كُلِّهَا، وَخَتْمِ القُرْآن فِي لَيْلَةٍ، وَأَدَاءِ أَلْف رَكْعَةٍ، وَنَحْو ذَلِكَ مَنْقُولٌ بِالْنُّقُولِ الْصَّحِيحَةِ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْصَّحَابَةِ وَالْتَّابِعِينَ، وَمَنْ بَعْدَهُم مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ، كَعُثْمَان، وَعُمَر، وَابْنِ عُمَر، وَتَمِيم الْدَّارِي، وَعَلِي، وَشَدَّاد بْنِ أَوْس رَضِيَ اللهُ عَنْهُم، وَمَسْرُوق، والْأَسْوَد الْنَّخَعِي، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْر، وَثَابِت البُنَانِي، وَزَيْن الْعَابِدِينَ عَلِي بْنِ الْحُسَيْن، وَقَتَادَة، وَمُحَمَّد بْنِ وَاسِع، وَمَنْصُور بْنِ زَاذَان، وَعَلِي بْنِ عَبْد الله بْنِ عَبَّاس، وَالْإِمَام الْشَّافِعِي، وَسَعْد بْن إِبْرَاهِيم الْزُّهْرِي، وَشُعْبَة بْنِ الحَجَّاج، وَالْخَطِيب الْبَغْدَادِي، وَغَيْرهم مِمَّنْ لاَ يُحْصَى عَدَدهم، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ هُؤَلاَءِ كلّهُم مِنْ الْـمُبْتَدِعِينَ!؟، وَمَنْ اِلْتَزَمَهُ فَهُوَ: أَكْبَرُ الْـمُبْتَدِعِينَ الْضَّالِّينَ؟!)).انْتَهَى(7)…
___________________
(1) سِيَرُ أَعْلاَمِ الْنُّبَلاَءِ لِلْحَافِظ الْذَّهَبِي (6/399)، أَشْرَفَ عَلَى تَحْقِيقِ الْكِتَابِ وَخَرَّجَ أَحَادِيثَهُ: شُعَيْب الْأَرْنَؤُوط، مُؤَسَّسَةُ الْرِّسَالَة، الْطَّبْعَة الْأُوْلَى: 1402هـ-1982م.
(2) الْـمَصْدَر الْسَّابِق: سِيَرُ أَعْلاَمِ الْنُّبَلاَءِ لِلْحَافِظ الْذَّهَبِي (6/401).
(3) الْـمَصْدَر الْسَّابِق: سِيَرُ أَعْلاَمِ الْنُّبَلاَءِ لِلْحَافِظ الْذَّهَبِي (6/400).
(4) الْـمَصْدَر الْسَّابِق: سِيَرُ أَعْلاَمِ الْنُّبَلاَءِ لِلْحَافِظ الْذَّهَبِي (6/399).
(5) الْـمَصْدَر الْسَّابِق: سِيَرُ أَعْلاَمِ الْنُّبَلاَءِ لِلْحَافِظ الْذَّهَبِي (6/401).
(6) الْـمَصْدَر الْسَّابِق: سِيَرُ أَعْلاَمِ الْنُّبَلاَءِ لِلْحَافِظ الْذَّهَبِي (6/400).
(7) الْتَّعْلِيقُ الْـمُمَجَّد عَلَى مُوَطَّأِ مُحَمَّد (1/124-125) شَرْح الْعَلاَّمَة عَبْد الْـحَيِّ اللَّكْنَوِي (1264-1304هـ)، دَار الْسُّنَّة وَالْسِّيرَة: بُومْبَاي – دَارُ الْقَلَم: دِمَشْق، الْطَّبْعَةُ الأُولَى: 1412هـ-1991م.