بقلم الشيخ / ايهاب صالح
4- مستحدثات الصحابة والتابعين
تعلم الصحابة على يد النبي صلى الله عليه وسلم، وفهموا الدين، وأدركوا أن الأصول ثابتة والفروع متغيرة، فهيئة الصلاة لا تتغير – في الأحوال الطبيعية – من حيث عدد الركعات والأركان كالركوع والسجود وغيرهما، ولكنهم فهموا أن الصلاة فضيلة كبرى، مستحبة في كل وقت، ما عدا الأوقات المنهي عنها، وفهموا أن الذكر على كل حال فضيلة، وعبادة من أفضل العبادات، وأدركوا أن الحفاظ على مصادر الدين واجب، إلى غير ذلك من الأفهام الواعية،
فاستحدثوا ما يوافق الأصول، في حياة النبي، وبعد انتقاله صلى الله عليه وسلم، ومن أمثلة ذلك:
1- في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم قال صلى الله عليه وسلم: “يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت خَشْفَ نعلَيك بين يديَّ في الجنة. قال: لا شيء يا رسول الله غير أني كلما توضأت صليت ركعتين”.
النبي صلى الله عليه وسلم أقر بلال بالطبع وأصبحت سُنة، ولكن النبي سمع خَشفَ نعليه في الجنة قبل أن يقره، فبلال فكر وفهم الشرع، فاجتهد، لأنه أدرك أن الصلاة ممدوحة في كل وقت، وأنها أعلى العبادات، فقرر الصلاة بعد الوضوء، وهو ما لم يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم قبل فعل بلال، ومن ناحية أخرى لم يقل له النبي صلى الله عليه وسلم: أنا لم أقل لكم هذا، فلا تشرع من عندك، ولا تبتدع في الدين.
2- في صحيحي البخاري ومسلم: قال النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة عند الرفع من الركوع: “سمع الله لمن حمد. فقال أحد الصحابة: ربنا ولك الحمد حمدًا كثيرًا مباركًا فيه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكًا يبتدرونها أيهم يكتبها أولًا”.
النبي صلى الله عليه وسلم أقر الصحابي على قوله بعد الصلاة، ولكن الملائكة تسابقوا على كتابتها قبل أن يقره النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقل له النبي صلى الله عليه وسلم: يا مبتدع أنا لم أقل لك ذلك، لأن ما قاله الصحابي يوافق أصل الذكر والحمد والثناء.
3- في الحديث الذي رواه مسلم دخل أحد الصحابة الصلاة، وبعد تكبيرة الإحرام قال في دعاء الاستفتاح: “الله أكبر كبيرًا والحمد لله كثيرًا وسبحان الله بكرة وأصيلًا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة: عجبت لها، فتحت لها أبواب السماء”.
النبي صلى الله عليه وسلم امتدحه ولم ينكر عليه بحجة الاتباع، ولم يقل له: أنت قلت ما لم أقله فأنت مبتدع، لأن ما قاله يوافق الأصل وهو الذكر والحمد ودعاء الاستفتاح.
4- في الحديث الذي رواه مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه، فقال: “ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام، ومَنَّ به علينا. قال: الله ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك. قال: أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكنه أتاني جبريل فأخبرني، أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة”.
النبي صلى الله عليه وسلم أتاه الوحي بمدح الصحابة على ما يفعلون، ولم يقل لهم: أنتم تفعلون ما لم أقله لكم إذن أنتم مبتدعة، لأن الأصل استحباب الذكر على كل حال.
المستحدثات في زمن الخلفاء الراشدين:
في عهد أبي بكر – رضي الله عنه -: جمع القرآن، ولم يقل له أحد من الصحابة بأن هذه بدعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعلها.
في عهد عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -: استفاد من فارس وأنشا الدواوين، ديوان الجند، وديوان المالية، وديوان الرسائل، ولم يقل له أحد أن هذا تشبه بالكفار، إذن هو بدعة.
وعند فتح العراق رفض عمر توزيع الأرض على الجنود برغم أنها من الأنفال، فاشتد عليه بعض الصحابة ورفضوا اجتهاده، ولكنهم أيدوه عندما فهموا وجهة نظره، أن الأرض ملك للأجيال القادمة، ولم يقل له أحد أنه يخالف القرآن فهو مبتدع.
كما جمع المسلمين في صلاة التراويح جماعة، بعد أن كانوا يصلونها فرادى، وقال قولته الشهيرة التي توضح الفرق الكبير في فهم الدين، قال: “نعمة البدعة هذه”، فوصفها بالبدعة، ولكنها بدعة حسنة.
في عهد عثمان بن عفان – رضي الله عنه -: قرر أذانين لصلاة الجمعة، ولم يقل له أحد: “يا مبتدع”، لأنهم يفهمون الدين وكيفية التعامل مع الأحكام، ففي بداية الأمر كانت المدينة صغيرة، ولم يكن حاجة للأذان الثاني، فلما توسعت المدينة وزاد عدد السكان، أصبح الأذان الأول للتهيئة والتنبيه، والأذان الثاني للصلاة.
المستحدثات في زمن التابعين:
عهد عمر بن عبد العزيز: أمر بتدوين السنة، ولم يتهمه أحد بالبدعة، ومخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الراشدين.
عصر الأئمة: أنشأوا العلوم الشرعية، علم الفقه، علم الأصول، علوم القرآن، التفسير، القراءات، إعجام القرآن، نقط القرآن ، وكذلك أنشأوا العلوم اللغوية.
العصور اللاحقة:
بناء المآذن لتوسع العمران، واختراع المسبحة لتسهيل العدّ، وضع الشرائط على الأرض في المساجد لانتظام صفوف المصلين نظرا لتنظيم الشوارع وانحراف قبلة بعض المساجد عن الحائط الأمامي، ثم اختراع دكة المُبَلِّغ مع اتساع مساحة المساجد لتوصيل الصوت للصفوف الخلفية لمتابعة حركة الإمام، ثم استعمال مكبرات الصوت لتوصيل الصوت.
هكذا فهم المسلمون أصول دينهم، وبنوا عليها، ولو كان حدث مثلها الآن لقام أهل الجمود بتكفيرهم وقتلهم.
يليه الجزء الخامس إن شاء الله